رغم أنني لا أكرر زيارة أي بلد مرتين، على أمل الانتهاء من كوكب الأرض قبل مغادرته، إلا أنني زرت ماليزيا ثلاث مرات خلال 10 أعوام.. المرة الأولى كنت في إجازة مع الأطفال، والثانية لاستيراد "بخور مضروب"، والثالثة دعوة كريمة لتوزيع جوائز "منظمة أجفند" على شرف صاحب السمو الملكي الأمير طلال بن عبد العزيز، والتي تتم كل مرة في بلد مختلف.. وحتى وصولي إلى كوالامبور لم أكن أعرف الكثير عن أجفند agfund التي اتضح أنها اختصار ل"برنامج الخليج العربي للتنمية" الذي تأسس عام 1980 بمبادرة من صاحب السمو الملكي الأمير طلال بن عبد العزيز، وتحظى حاليا بدعم دول الخليج العربي.. والبرنامج عمل مؤسسي يترجم اهتمام سموه القديم بالتنمية البشرية حيث كان أول من ابتعث الشباب السعودي للخارج على نفقته الخاصة، وأول من أسس مدرسة لتعليم البنات والتدريب المهني في عقد الخمسينيات، وأول من بنى مستشفى خاصاً في الرياض، أهداه لاحقا للدولة ويعرف اليوم باسم مستشفى الملك عبد العزيز الجامعي.... وكما ظهرت هذه المبادرات بصمت، ودون ضجيج إعلامي، تعمل أجفند اليوم بصمت وتترك لإنجازاتها (المتمثلة في 1227 مشروعاً في 133 دولة) الحديث عن نفسها دون ضجيج إعلامي!! ...وأجفند منظمة تنموية، وليست خيرية كما قد يفهم البعض، تعمل على مكافحة الفقر، وتنمية الطفولة، وتمكين المرأة، ودعم الجمعيات الأهلية، وتشجيع التعليم المفتوح، وتطوير الفكر التنموي، وجميعها إستراتيجيات خرجت من إطار التنظير إلى حيز التنفيذ والتطبيق عبر بنوك الفقراء، والجامعة العربية المفتوحة، وتنمية الطفولة المبكرة، والشبكة العربية للمنظمات الأهلية....الخ!! وكمثال على مبادراتها التطبيقية هناك "الجامعة المفتوحة" التي تعمل حاليا في سبع دول عربية، ستنضم إليها ثلاث هذا العام، والتي أتاحت فرصة التعليم الجامعي ل40 ألف مواطن عربي في عام 2010... وهناك أيضا مشاريع إقراض الفقراء التي دخلت في شراكة مع البروفيسور محمد يونس (الفائز بجائزة نوبل 2005 لتأسيسه بنك غرامين للفقراء في بنجلاديش) لاستنساخ تجربته في الدول العربية.. واليوم توجد بنوك للفقراء في الأردن واليمن والبحرين ومصر، وجار تأسيس بنوك مشابهة في سيراليون، وسوريا، والسعودية، والسودان، وعمان... أما بخصوص الجائزة نفسها فقد سبق توزيعها في جنيف، وباريس، ونيودلهي، وتونس، وكيب تاون، ووارسو، وبوينس أيرس، وأخيرا في كوالامبور تحت رعاية رئيس وزراء ماليزيا وسمو الأمير طلال بن عبد العزيز. وهي جائزة تمنح للمشروعات التنموية الرائدة ووصلت قيمتها حاليا الى 500 ألف دولار، بعد أن كانت 300 ألف عند تأسيسها عام 1999. ورغم مسماها (كجائزة) إلا أنها في حقيقتها أسلوب مبتكر لتقديم العون وتمويل المشاريع الرائدة، التي يتم استنساخها بعد فوزها في بقية الدول!! أما المفارقة في قصة أجفند فهي أن حياديتها، وعدم تمييزها بين جنسية وعقيدة ولون، لم تسعف أي مشروع "سعودي" لنيل جائزتها حتى الآن... أضف لهذا أن المنظمة تنفذ مبادراتها التنموية من خلال تعاون وشراكة الأوطان ذاتها (وهو مايفسر نشاط اجفند في بلد، ومعاناتها في بلد آخر).. ففتح فرع للجامعة المفتوحة مثلا يتطلب موافقة وتعاون وزارة التعليم في البلد المعني.. وإنشاء بنك للفقراء يحتاج الى موافقة الدولة المعنية ومساهمة الأثرياء في تقديم رأس المال، فبنك الفقراء في اليمن مثلا ظهر بفضل تعاون الحكومة اليمنية وموافقة التجار الحضارم في جدة على تمويله!! .. علي أي حال، سواء كنت فردا أو مؤسسة وتملك فكرة نبيلة لتنمية المجتمع فما عليك سوى التواصل مع أجفند للدعم والمساعدة (www.agfund.org)... وحين يفوز مشروعك بجائزة المنظمة ستكون حينها أكبر وأنبل من أن تستحوذ على ال500 ألف دولار لنفسك، والاحتمال الأكبر أنك ستستغله لتطوير المشروع ذاته أو فتح فروع له في المناطق الفقيرة والمحتاجة... ...(وأقول هذا عطفا على مافعله الفائزون السابقون بالجائزة)!!