النفط يتراجع 1% بعد تسجيل أعلى مستوى في 5 أشهر    تصعيد إيراني: ضربات تستهدف قواعد أمريكية في الخليج    العراق يعرب عن قلقة البالغ تجاه الهجوم الذي تعرضت له دولة قطر    القيادة تهنئ الدوق الأكبر لدوقية لكسمبورغ بذكرى اليوم الوطني لبلاده    مشروع لتأهيل 12 مسجدًا في نجران وحبونا    "رتال للتطوير العمراني" تفوز بجائزة الملك عبدالعزيز للجودة    "Alesso" يطلق المقطوعة الموسيقية لكأس العالم للرياضات الإلكترونية    تصاريح للرعي بالفياض والمتنزهات    قرار من ثيو هيرنانديز بشأن عرض الهلال    قنصل إيران يشيد بجهود السعودية لتسهيل مغادرة حجاج بلاده    قطر: تنويه بعض السفارات لرعاياها لا يعكس تهديدات محددة    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الأمير فيصل بن خالد    وجهات صيفية تجمع الأمان والطبيعة في آن واحد    الجوازات تواصل إنهاء إجراءات مغادرة الحجاج عبر كافة المنافذ    مراقبة لأداء الناقلات الوطنية.. تقرير جديد لهيئة الطيران المدني    "ومن أحياها" تستقطب 294 متبرعا بالدم خلال 3 أيام    إنزاغي راض عن أداء الهلال أمام سالزبورغ    موعد والقناة الناقلة لمباراة السعودية والمكسيك في الكأس الذهبية    أمير تبوك يطلع على تقرير أعمال فرع وزارة التجارة بالمنطقة    الأمين العام لمجلس التعاون يدين ويستنكر التفجير الإرهابي الذي استهدف كنيسة في دمشق    مكافحة المخدرات تقبض على شخص بمنطقة القصيم    الرعاية المديدة بالظهران تُطلق خدمات التأهيل الطبي للعيادات الخارجية    العين الإماراتي يودع كأس العالم للأندية بخسارته أمام مانشستر سيتي بسداسية    محافظ الطائف يستقبل قيادات المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر    العربي إلى المرتبة الثالثة عشر ( بلدية محايل )    الأمير سعود بن نهار يُكرّم طلاب التعليم الحاصلين على جوائز دولية في معرض "ITEX" الدولي 2025    جامعة أم القرى تُحرز تقدمًا عالميًا في تصنيف "التايمز" لعام 2025    جمعية الثقافة والفنون بجدة تنظّم معرض "إلهام"    رفعت مستوى التهديد داخلياً.. إسرائيل تشنّ موجة غارات على غرب إيران    ضبط مقيم لنقله 13 مخالفاً لنظام أمن الحدود    إطلاق النسخة ال5 من مبادرة السبت البنفسجي    "فلكية جدة": القمر يقترن ويحجب نجم الثريا    وزير الداخلية يستقبل سفير المملكة المتحدة    في ثالث جولات مونديال الأندية.. الأهلي المصري يواجه بورتو.. وتعادل ميامي وبالميراس يؤهلهما معاً    اتحاد القدم يخطط أم يتفاعل؟    علقان التراثية    المملكة تختتم مشاركتها في معرض سيئول للكتاب.. الثقافة السعودية تعزز حضورها عالمياً    هيئة التراث تسجل 5,900 موقع ومبنى جديد    إثراء" يشارك في مهرجان "كونسينتريكو" الدولي للعمارة    "البيئة": بدء بيع المواشي الحية بالوزن الخميس المقبل    تحديد موقع المركبة اليابانية المتحطمة    اقبلوا على الحياة بالجد والرضى تسعدوا    حملة لإبراز المواقع التاريخية في العاصمة المقدسة    في المسجد    طهران: أخلينا المنشآت النووية في ثلاث مدن رئيسية    نصائح لتجنب سرطان الجلد    العمل ليلا يصيب النساء بالربو    فيروسات تخطف خلايا الإنسان    تنظيم السكن الجماعي لرفع الجودة وإنهاء العشوائيات    قوة السلام    الأحساء تستعرض الحرف والفنون في فرنسا    إنقاذ حياة امرأة وجنينها بمنظار تداخلي    تباين في أداء القطاعات بسوق الأسهم السعودية    وزير الداخلية يودع السفير البريطاني    أمراء ومسؤولون يؤدون صلاة الميت على مشعل بن عبدالله    نائب أمير الشرقية يعزي العطيشان    الجبهة الداخلية    أمير منطقة جازان ونائبه يزوران شيخ شمل محافظة جزر فرسان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل آثر المجتمعون السلامة؟
توصيات مؤتمر«الإرهاب بين تطرف الفكر وفكر التطرف»
نشر في الرياض يوم 17 - 04 - 2010

لما لاحترام الأديان والرموز الدينية من تبعات إيجابية لجهة توطيد علاقة سلمية مع الآخر, فقد ناشد مؤتمر:الإرهاب بين تطرف الفكر وفكر التطرف وسائل الإعلام العالمية"تجنب التشويه المتعمد لصورة الإسلام", كما أكد على رفضه"الإساءة إلى دين الإسلام ونبي الرحمة صلى الله عليه وسلم والقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة والصحابة الكرام". ولا شك أن لهذه المناشدة وزنها في سياق العمل على توطين ودعم محاربة فكرية للإرهاب.
إلا أن مثل تلك المناشدة لن تؤتي أُكُلها طالما ظلت معادلة احترام الرموز والأديان تشكو من ضعف منطقي متمثل بالتناقض بين ما هو مطلوب من طرفيها.هاهنا طرفان للمعادلة: أحدهما يتمثل بوسائل الإعلام الإعلامية وخلفها من تسير تحت كنفه العالم الغربي, المدعوين من طرف المؤتمر إلى احترام الدين الإسلامي ورموزه. أما الطرف الآخر فهم المسلمون أنفسهم الذين يجب أن يلتزموا بما يمليه عليهم الشق الآخر من المعادلة,أعني به احترام الرموز والأديان الأخرى. لذلك؛ كان على المؤتمر حتى يتجنب السقوط في فخ التناقض المنطقي, أن يحاول تضمين توصياته ما يشير- ولو ضمنياً على الأقل- إلى دعوة المسلمين من جانبهم لأن يجتنبوا التشويه المتعمد للأديان الأخرى,أو الإساءة لها بأية صورة من الصور!. وهي دعوة أو توصية لها ما يبررها في ظل ما يتوافر عليه الخطاب الديني لدينا العالِم منه والعامي من مقولات تنقصية ازدرائية تحمل في مضمونها أوضح معاني الإساءة للأديان الأخرى,التي تشكل اليوم أبرز"آخر", إن لم تكن"الآخر"الوحيد بالنسبة للمسلمين اليوم. يتعلق الأمر بمقولات من قبيل القول ب"تحريف" اليهودية والنصرانية, والإشارة إلى اليهود-مثلاً- على أنهم"إخوان القردة والخنازير!", وللمسيحيين بأنهم"عُبَّاد الصليب!". وكذلك من قبيل ما اعتاد الوعاظ وخطباء الجمعة والعيدين-وربما الاستسقاء-أن يُضمِّنوه دعواتهم من تضرع إلى الله تعالى بأن" يحصي أتباع تلك الديانتين عدداً ويقتلهم بددا!". وإذا لم تكن مثل تلك المقولات والأدعية تشويهاً وإساءة متعمدتين للأديان والرموز الأخرى,فكيف تكون الإساءة إذاً؟
وإذا كان وقع تلك الإساءات ربما سيكون خفيفاً نسبياً على الشعوب الأوروبية والأمريكية الغربية نسبة ل"تعلمُن" تلك المجتمعات, فإن وقعها لا شك أنه سيكون خطيراً وعسيرا على بقية الشعوب الأخرى التي لم تزل بعدُ"متدينة",والذين تعز عليهم أديانهم ورموزهم؛ مثلما يعز علينا ديننا ورموزنا. بل وما لنا نبحر بعيداً وتلك الإساءات والدعوات المعتدية تصل في المدى الزمني والمكاني إلى مسامع شعوب عربية تجاورنا وتشترك معنا في مشتركات عدة, وهي تدين بتلك الديانتين خاصة منها المسيحية؟ ألا تستحق تلك الإساءات ومن يصطلون بنارها من المشاركين في المؤتمر التفاتة تجعلهم يُضمِّنون توصياتهم توجيهاً- ولو على سبيل التلميح- إلى شباب الإسلام وشيبه بأن يتجنبوا الإساءة إلى رموز وأديان الآخرين, مثلما نطالبهم بأن يكفوا عن الإساءة إلى ديننا ورموزنا؟. لا سيما ونحن نتلو قوله تعالى:"ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين". وقوله جل ذكره:"ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدْواً بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون".
بل إن المؤتمر أغفل تضمين توصياته ما أعْتبِرُها توصية ضرورية يجب توجيهها إلى الداخل الإسلامي. يتعلق الأمر ب"تجريم" التنابز المذهبي بين المسلمين أنفسهم، فهو محفز قوي للإرهاب الطائفي الذي يرمي بشرره هنا وهناك في طول العالم الإسلامي وعرضه. فالمتطرفون من السنة لا يشيرون مثلاً للشيعة حينما يأتون على ذكرهم إلا بمسى تحقيري هو مسمى"الرافضة", بينما يلمز متطرفو الشيعة السنةَ بلقب"النواصب أو الحشوية". وهذا التنابز السني/الشيعي المستمر منذ ما ينيف على ألف ومئتي سنة, كان أولى بالمؤتمرين أن يولوه جل عنايتهم, بتضمين توصياتهم ما يوحي بأنه تنابز مرفوض ومنبوذ, وبأنه لا يمثل خلق الإسلام.
من جهة أخرى, فقد كان لدعوات أو ادعاءات "صدام الحضارات", كمحفز قوي للإرهاب, نصيبها من اهتمامات المؤتمر, فقد تبنى دعوة" كافة العلماء والمفكرين والمثقفين في العالم أجمع إلى الوقوف في وجه دعوة صراع الحضارات، والمواجهة بين الأديان، وإثارة النزاعات والفتن العنصرية التي تستهدف الإسلام والمسلمين وغيره من الأديان السماوية". لكن الأحبة المؤتمرين عادوا فنقضوا غزلهم عندما"ناشدوا المنظمات الدولية المعنية بمكافحة الإرهاب بتجنب التعامل بمعايير مزدوجة مع المسلمين وقضاياهم العادلة", إذ إن "تديين" الصراعات السياسية والاقتصادية, ليس في حقيقته وما يترتب عليه من نتائج كارثية,إلا استلهاماً لمقولة "صدام الحضارات".فالحضارات لا تتصادم أم تتصارع إلا إذا كان منطقها الداخلي يعطيها إيحاءً أو وهماً ب"اصطفاء" ذاتي مقدس يعطيها الحق بسحق الحضارات الأخرى إن لم يمتثلوا لأدبياتها التي تحمل الحق الحصري!.
"تديين" الصراعات الدنيوية من جانبنا نحن المسلمين, جعلنا نوحي لأنفسنا بأننا مظلومون ومحاربون لا لشيء, سوى لأننا مسلمون فقط. وهذا الإيحاء الذي ضمنه المؤتمر في توصياته يستجيب ضمنياً على الأقل لأبرز الدعاوى التي تستند عليها القاعدة, في أن العلاقة بين المسلمين وغيرهم محكومة بنظرية"الدارين":دار الكفر من جهة,ودار الإيمان من جهة أخرى,وأن مهمة دار الإيمان(=القاعدة) تنحصر في"جهاد" دار الكفر التي "تجاهد" هي الأخرى دار المسلمين من منطلق ديني بحت.
ولم ينس المؤتمرون-وهم يتلمسون طريقهم نحو المساعدة في تجفيف منابع الإرهاب الفكري والعملي-أن يحثوا" قيادات وحكومات الدول الإسلامية على تطبيق الشريعة الإسلامية في جميع مجالات الحياة". والناظر بالعين الفاحصة الواقعية لهذه التوصية لا يملك إلا أن يتساءل عن الشريعة التي يناشد القائمون على المؤتمر الدول الإسلامية تطبيقها, أهي الشريعة في جانبها الفقهي ,أم في جانبها العقدي؟ وإذا كان المراد الجانبَ الفقهي,فهل المراد الجانب المعاملاتي منه أم العباداتي,على افتراض أن ثم فاصلاً محدداً واضحاً بين ما هو عباداتي وبين ماهو معاملاتي. وإذا كان المقصود هنا الجانب المعاملاتي وهو الأبرز ، بل ربما المقصود تحديداً بالدعوات (الإخوانية) إلى تطبيق الشريعة, فهو تراث يجب أن يُربط بمقاصده التي نزل أو نشأ من أجلها, فما يحقق منه المقاصد المعاصرة وجب تطبيقه، وما ينتمي منه إلى مقاصد ماضوية ليست قابلة بطبيعتها للتطبيق في الواقع المعاصر فيجب أن يحترم كتراث ماض لا علاقة له بمعيش الناس اليوم. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فالسؤال الذي يفرض نفسه في هذا السياق هو:ما علاقة تطبيق الشريعة بجانبها الفقهي المعاملاتي -على افتراض بديهية بُعد الفقه العباداتي عن أي تماس مفترض مع محفزات الإرهاب- بمكافحة الإرهاب؟
هذا ربما يعني أن المؤتمرين قصدوا ب"تطبيق الشريعة" ما يتصل منها بالجانب العقدي ؛ وهنا تبرز إشكالية أعقد من الأولى, فإذا كنا نعلم من بديهيات تاريخ الصراع العقدي الإسلامي أن ما يتحكم بعلاقات الطوائف الإسلامية عقديا ليست العقيدة الإسلامية في أصولها الخمسة أو الستة المعروفة,التي هي محل اتفاق بين المسلمين, بقدر ما يتحكم فيها ما اصطُلح عليها "فروع"العقائد؛ كقضايا:الإمامة والمفاضلة بين الصحابة وما أشبه,والتي ترسخت في البنية العقدية الإسلامية كنتيجة مباشرة لصراعات سياسية ماضوية, أقول إذا كنا نعلم ذلك من واقع الصراع العقدي التاريخي وامتداداته المعاصرة, فأي تراث عقدي يريد المؤتمرون أن يطبَّق حتى نتمكن من كبح جماح الإرهاب؟ أهو التراث العقدي السني,أم التراث العقدي الشيعي, أم هو التراث العقدي الإباضي مثلا؟ وحتى على افتراض أن المؤتمرين حددوا تراثاً عقدياً بعينه ليطبق, فبأي قراءة يا تُرى يمكن تطبيقه؟ خاصة إذا علمنا أن التراث العقدي السني-مثلا- يتوافر على عدة قراءات مختلفة وبل متنافرة، فهناك القراءة السلفية, وهناك القراءة الأشعرية, وهناك القراءة الاعتزالية, وهناك القراءة الصوفية, وكل منها ترمي الأخرى بالبدعة, وربما الشرك والخروج من الدين!.
هذا من جانب، ومن جانب آخر فحتى على افتراض إمكانية تجاهل الإشكاليات السابقة, بما فيها إشكالية التعدد المذهبي الإسلامي عقدياً وفقهيا, فلا أحد ينكر أن معظم الدول الإسلامية التي تتوجه إليها هذه التوصية تضم فسيفساء دينية، بوجود من يدينون بديانات أخرى غير الإسلام. وبالتالي فالسؤال الذي يطرح نفسه- ونحن في سياق مؤتمر فكري مخصص لمكافحة الإرهاب- هو: بأية صفة يمكن التعامل مع أولئك الذين لا يدينون بالإسلام حال تطبيق الشريعة الإسلامية ؟ هل يُتعامل معهم بموجب فقه أهل الذمة مثلا؟. وإذا أدركنا أن ثمة ديانات أخرى ليست يهودية ولا نصرانية ولا حتى مجوسية, وهي الديانة التي ألحقها الفقهاء بأهل الذمة, أقول إذا أدركنا ذلك, فبأي منظور فقهي يمكن التعامل مع تلك الديانات التي لا تدخل في حكم أهل الذمة أصلا؟ ثم ألا يتعارض ذلك كله مع أبسط أدبيات الفكر السياسي الحديث, والذي يتعامل مع سكان الدولة-أية دولة- من منظور ما ترتبه المواطنة وحدها من حقوق وواجبات, والتي هي محل إجماع دولي معاصر؟ لست هنا ضد تطبيق الشريعة, وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين بأهمية تطبيق نصوصها بعيدة عن التأويل التراثي. لكني أردت أن أوضح كيف يمكن لتوصية هلامية فضفاضة مثل هذه أن تثير من إشكالات كثيرة إلى حد الذي لا يمكن معه حصر الأسئلة التي تثيرها, ناهيك عن الإجابة عليها أو عن إمكانية تكييف حكم فقهي بشأنها. وبالتالي فإن مثل هذه التوصية, ربما تناغمت من غير أن يقصد مصدروها, مع دعوى القاعدة من أنها"تجاهد" لتطبيق حكم الشريعة في المجتمعات التي ارتدت إلى جاهليتها الأولى, كما هي الأيديولوجية القطبية الإخوانية!. وللمقال صلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.