الفرح في حياتنا محاصر بتحفظات كثيرة.. كانت بداية لقصة ممتلئة بالسخرية الراقية لرئيس تحرير صحيفة الرياض الأستاذ تركي السديري في عدد يوم الاحد 30 صفر 1431ه - 14 فبراير 2010م – رقم 15210 لكن لن أكون هنا إلا رجع صدى لما كان في المقطع الأخير عن ماضي إحياء الأفراح في هذا الوطن .. سأقص تجربة زواجي التي مضى عليها أشهر بسيطة .. في شعبان الماضي تزوجت بحضور لفيف من الزملاء بإحدى قاعات الأفراح على الحزام الدائري بأبها وبخاصة من مصر وبلاد الشام وأفغانستان وبدأت مراسم الزواج من بعد صلاة العصر في استقبال لوفود أبناء العمومة والأخوال وكثير من الأصدقاء من ناحيتي وناحية والدي .. في هذا الوقت كان أبي يتكئ على العصا وإمام مسجد قريتنا التهامية في أعالي جبال رجال ألمع يمشي الهوينا من ألم في إحدى قدميه .. لكن ما أن انتصف عصر يوم الثامن من شعبان إلا وقد تكونت حلقة كبيرة يتوسطها ثلاثة من داقي الزير ووسط صيحات وانتفاضات شعبية وجدت ليلة فرحي قد بدأت .. في عادتنا الجبلية يحلو حضور الأصدقاء بعد صلاة المغرب حتى يكون حضورهم ذا صدى في وسط الأقارب وأفراد القبيلة وطبعاً العادة تلزم بأن يكون الدخول بصوت غنائي طربي مختلف فما بين الدمة العسيرية والعرضة الشعبية ورقصات الزامل تدخل الوفود وسط ترتيب ذاتي تحكمه العادة والتقاليد القروية التهامية هنا يبدأ كبيرنا في الترحيب المدوي بصوت جهوري فيرد كبير القادمين أو من يرون فيهم قيمة أكبر أن يتحدث باسمهم ويبدأون في نسج بيتين يعقبها حديث بحسب مايرى المتحدث يتوسطه دعاء ومباركة للعروسين وهذا ما يسمى لدينا بالردودة . بعد وجب العشاء والتي تأتي بعد صلاة العشاء فوراً لا وقت للجلوس والحديث الجانبي إلا للشعراء ليتفاهموا على نسق البدع والرد " وكيف يغازلون جيب والدي وأخواني " والدي بعصاه وإمام قريتنا وعاقد الأنكحة الشيخ الجليل توسطو الصفوف ورفعوا الأهازيج الشعبية فغنوا وطربوا .. سجلت في تلك الليلة حضوراً طغى على احتفالية جماهيرية كانت على بعد 2500 م لسباق شعري لم يستطع أن يهز أفئدة الأهالي فالطرب الشعبي العفيف غطى صوته أبواق السيارات التي تطلب مساحة للرؤية وشاركنا سياح من الكويت متعة الطرب المحلي . أما زملائي من مصر والشام وأفغانستان فركز الأولون على المشاركة بصرخات تفاعل كالتي يطلقها المشاركون في وسط الساحة بينما آثر الشوام تسجيل ما فهموا من قصائد غزلية وأصبحوا أهل ترحيب قروي يتحدى أبناء القرية التهامية ..فيما بقي الزميل الأفغاني يرحب بمن يلاقي ويؤكد للجميع أنه صديق عزيز بكلمات جنوبية غرستها فيها 22 عاماً قضاها بيننا منذ كان شاباً فيتعرف ويعرف بنفسه وطبعاً لم ينسَ أن يمد لي بعانية كريمة في الفعل رغم رمزيتها .. أعلم جيداً أبا عبدالله أن ليلة زفافي غريبة في تفاصيلها التي ذكرتها هنا مختصرة لكن أستطيع أن أقول إن الجميع بقي من الرابعة والنصف عصراً حتى بواكير الصباح في غناء شعبي وطربي .. كثير من أقاربي ممن لم تمكنهم الظروف من المجيء لكنهم شاهدوا تسجيلاً للحفل .. جميعهم صاحوا " الله حظكم .. وناسة " لم أفهم لماذا إلا عندما جئت للرياض لمشاركة أحد الزملاء فرحته كانت سحنات الجميع لا تبدي إلا ضيقاً ومللاً وصمت مريب إلا من صيحات الأطفال .. خرجت من عزاء صاحبي .. عفواً زواج صاحبي ويممت وجهي نحو الثمامة فأحييت مع ثلاثة من زملائي ليلة تراثية على وقع أصوات مسجلة من ليلة زواجي الشهية . ختاماً الفرح في حياتنا " متاح بإمكانيات بسيطة " .. * صحافي . أبها