في زيارات شقيقي الأصغر قادماً إما من بلاد «الإنجليز» أو أحد دول «البنلوكس» أثناء دراسته، كنا نفرح به كثيراً وبشوقه لنا كأسرة وعلى الأخص والدينا.. ولكن ما هي إلا سويعات قليلة.. ونفاجأ بمؤامرة دبرت بليل، وبمغادرته صبيحة اليوم التالي مع «الشلة» إلى «البر».. تخيلوا إنه هارب من أعياد وأسواق وغابات وبحار أوروبا الخضراء الباردة إلى نعيم «الصمان» و «الدهناء» و شعاب «الشوكي» و «الطوقي»؟؟!!.. كنت أردد في داخلي «الله يعافيه ولا يبلانا». شخصياً كنت ولا أزال أفضل السفر على البر ولكنني في المرات القليلة التي «أضطر» فيها للخروج إلى البر كنت أردد في اليوم التالي من أي رحلة برية «يا خسارة عمري اللي ضاع». رافقت قريباً بعض أفراد العائلة في رحلة برية إلى «أم رقيبة» و «أم رقيبة» لمن لا يعرفها - وأتمنى أن لا أكون أنا الوحيد الذي لا يعرفها – هي منطقة تبعد عن الرياض 300 كم تقريباً جهة الشمال إلى الطريق المؤدي إلى الكويت، يقام فيها سنوياً مهرجان «مزاين الإبل» وحسب ما سمعت بأن المتعة ليست فقط في أيام المهرجان ولكنها في الأيام التي تسبق المهرجان والتي تمتد لفترة ثلاثة أشهر استعداداً له. لن أستطرد في قصتي مع «البر» و «أم رقيبة» ولكني ولكوني حديث عهد بالبر فقد فوجئت بحجم السوق المصاحب لهذا المهرجان، فنحن نتحدث عن اقتصاد كامل ابتداء من السلعة الرئيسة في المهرجان وهي «الإبل» الألفية والمئوية والمليونية إلى جميع ما يساند هذا المهرجان من خدمات مساندة؛ خدمة لرواد المهرجان وجيران المهرجان من الرحالة وصولا إلى»المستأنسين» بالمهرجان وليس لهم علاقة لا من قريب أو من بعيد به إلا الأنس بضوضائه وأنواره. أعود إلى حجم السوق وقد يتفاجأ من هو «مثلي» بحجم الخدمات المساندة من مطاعم متنوعة ابتداء بما تقدمه مطاعم بلاد الشام من مشويات ومقبلات إلى ما تقدمه مطاعم المثلوثة والبخاري مروراً بمطاعم الوجبات السريعة.. ومن خدمات الأطعمة الجاهزة إلى سوق اللحوم والخضار والفاكهة (نعتذر فقط لمتذوقي الكيوي والكاكا).. ومن موتورات «مواطير» الكهرباء إلى محلات التسجيلات الصوتية إلى منظمي حفلات «المراد والشيلة».. أما معدات البر من أوان «مواعين» و «معاميل» فحدث ولا حرج. وللمهتمين بقضية الاختلاط وتطورات فتاويه فإنني أود الإشارة إلى أن الاقتصاد في أم رقيبة يقوم على المشاركة النسائية الكاملة من خلال البيع المباشر جنباً إلى جنب، وأؤكد في هذا السياق أن هذا الموضوع يتم التعامل معه بهدوء تام بل أزيد أن شرائح المتعاملين مع البائعات من النساء تكاد تشمل الجميع فمن أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ومن وسط اليمين إلى وسط اليسار (سؤال يفرض نفسه هنا هل نحن ضحية صراع تيارات؟؟) عدت إلى الرياض ووسط دهشتي وتعجبي من حجم هذه السوق وما تبقى من (نشوتي) البرية.. استغل شقيقي (نزوتي) العابرة بالبر واقتصادياته و»جرني» إلى أحد «الهايبرماركات» المتخصصة في الرحلات البرية.. وهناك أيقنت «ياغافل» أن هناك عالماً آخر اسمه «البر» وأن له «اقتصاد»، «سوق»، «عرض وطلب».. وأنه صناعة كاملة.. بل واقتصاد ضخم!! تخيلوا لوكان عشر حجم سوق «برنا» المساند لرحالة صحارى «أم رقيبة» و»الصمان» و «الدهناء» و «الربع الخالي» أو شعاب «الطوقي» و»الشوكي» أو رياض «التنهات» و «خريم» و «الكسر».. لو كان لدى دولة أخرى شقيقة كانت أم صديقة فتات هذا السوق، لأقيمت له المعارض التجارية والندوات والمؤتمرات الاقتصادية وتسابقت عليه قنوات التلفزة العادية والمشفرة ،المحلية والعالمية وأقيمت على هامشه صناعة سياحية إقليمية وعالمية و .. و .. و.. نسيت أن أقول لكم إن خدمات البر لا تقتصر على الخيام والأواني فهي تشمل سيارات الدفع الرباعي والبيوت الجاهزة وأجهزة ال»جي بي إس» وهواتف الثريا المربوطة بالأقمار الصناعية وحتى الطائرات وعلى الأخص الخفيفه منها! مقارنة اقتصادية أخيرة واسألوا أنفسكم؟؟.. كم تكلفكم رحلة إلى إحدى دول الجوار أو الدول العربية أو الأوروبية ؟ وكم تكلفكم رحلة برية إلى صحراء أو روضة أو شعيب؟ كم هي التكلفة؟ وكم هي المنفعة المضافة؟ بالمقارنة؟ أتساءل؟ إلى متى نغفل نقاط قوتنا؟ إلى متى نقلد الآخرين فقط؟ أننتظر الآخر لنقلده؟ أين خططنا واستراتيجياتنا؟ أليس «البر» جزءاً من السياحة؟!! أين السياحة من البر؟ أين الإعلام من البر؟ أين التجارة وغرفها و «شهبندراتها» من البر؟.. ختاماً.. تخيلوا فقط .. رحلات بلا تأشيرات.. * مصرفي سعودي