إنفاذاً لأمر خادم الحرمين الشريفين.. منح رئيس «الأركان» الباكستاني وسام الملك عبدالعزيز    إنفاذًا لأمر خادم الحرمين الشريفين.. رئيس هيئة الأركان العامة يُقلِّد رئيس هيئة الأركان المشتركة الباكستاني وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الممتازة    الرياض تعيد اختراع الإدارة المحلية: من البلديات التقليدية إلى المدينة الذكية    تحت رعاية ولي العهد.. تدشين النسخة الافتتاحية من منتدى «TOURISE»    استثمار الإنسان وتنمية قدراته.. سماي: مليون مواطن ممكنون في الذكاء الاصطناعي    «ملتقى 2025» يختتم أعماله في الرياض.. السعودية رائد عالمي في التحول الرقمي    ويتكوف وكوشنر اليوم في إسرائيل.. تحرك أمريكي لبحث أزمة مقاتلي حماس في رفح    شجار زوجين يؤخر إقلاع طائرة    إسلام آباد تبدي استعدادها لاستئناف الحوار مع كابل    بعد ختام ثامن جولات «يلو».. العلا يواصل الصدارة.. والوحدة يحقق انتصاره الأول    استعداداً لوديتي ساحل العاج والجزائر قبل خوض كأس العرب.. لاعبو الأخضر ينتظمون في معسكر جدة    عبر 11 لعبة عالمية.. SEF أرينا تحتضن البطولة الكبرى للدوري السعودي للرياضات الإلكترونية    لص يقطع أصبع مسنة لسرقة خاتمها    هيئة «الشورى» تحيل 16 موضوعاً لجلسات المجلس    وزارة الداخلية في مؤتمر ومعرض الحج 2025.. جهود ومبادرات أمنية وإنسانية لخدمة ضيوف الرحمن    «إثراء» يستعرض المشهد الإبداعي في دبي    مغنية افتراضية توقع عقداً ب 3 ملايين دولار    العلاقة الطيبة بين الزوجين.. استقرار للأسرة والحياة    افتتح نيابة عن خادم الحرمين مؤتمر ومعرض الحج.. نائب أمير مكة: السعودية ماضية في تطوير خدمات ضيوف الرحمن    مطوفي حجاج الدول العربية شريكاً إستراتيجياً لمؤتمر ومعرض الحج 2025    النوم بعد الساعة 11 مساء يرفع خطر النوبات    المقارنة الاجتماعية.. سارقة «الفرح»    «الغذاء والدواء»: إحباط دخول 239 طناً من الأغذية الفاسدة    القبض على مروجين في جازان    مستشفى الملك فهد بالمدينة صديق للتوحد    «الشؤون الإسلامية» بالمدينة تحقق 37 ألف ساعة تطوعية    غزة بين هدنة هشة وأزمة خانقة.. القيود الإسرائيلية تفاقم المعاناة الإنسانية    هيبة الصقور    «جادة السواقي».. عبق الماضي وجمال الطبيعة    فهد بن سلطان: هيئة كبار العلماء لها جهود علمية ودعوية في بيان وسطية الإسلام    العُيون يتصدر دوري أندية الأحساء    الاتفاق بطلاً للمصارعة    في الشباك    أمير نجران يلتقي مدير فرع «عقارات الدولة»    انخفاض الطلب على وقود الطائرات في ظل تقييم فائض النفط    تناولوا الزنجبيل بحذر!    تعزيز تكامل نموذج الرعاية الصحية الحديث    الأهلي يتوج بالسوبر المصري للمرة ال 16 في تاريخه    فيفا يُعلن إيقاف قيد نادي الشباب    15 شركة صحية صغيرة ومتوسطة تدخل السوق الموازي    انطلاق مناورات "الموج الأحمر 8" في الأسطول الغربي    بغداد: بدء التصويت المبكر في الانتخابات التشريعية    على وجه الغروب وجوك الهادي تأمل يا وسيع العرف واذكر الأعوام    معجم الكائنات الخرافية    حرف يدوية    82 مدرسة تتميز في جازان    هدنة غزة بوادر انفراج تصطدم بمخاوف انتكاس    الشرع في البيت الأبيض: أولوية سوريا رفع قانون قيصر    وزير الحج: موسم الحج الماضي كان الأفضل خلال 50 عاما    أمير تبوك يشيد بحصول إمارة المنطقة على المركز الأول على مستوى إمارات المناطق في المملكة في قياس التحول الرقمي    أكثر من 11 ألف أسرة محتضنة في المملكة    أمير تبوك يستقبل عضو هيئة كبار العلماء الشيخ يوسف بن سعيد    انطلاق أعمال مؤتمر ومعرض الحج والعمرة 2025 في جدة بمشاركة 150 دولة.. مساء اليوم    83 فيلما منتجا بالمملكة والقصيرة تتفوق    اختتام فعاليات ملتقى الترجمة الدولي 2025    تحت رعاية الملك ونيابةً عن ولي العهد.. أمير الرياض يحضر دورة ألعاب التضامن الإسلامي    هنأت رئيس أذربيجان بذكرى يومي «النصر» و«العلم».. القيادة تعزي أمير الكويت في وفاة صباح جابر    مسؤولون وأعيان يواسون الدرويش    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قضايا اليمن في القنوات الإعلامية الناطقة بالعربية
اليمن والإعلام العربي (الحلقة «2»)
نشر في الرياض يوم 10 - 11 - 2009

دور مؤثر وخطير لعبته القنوات الإعلامية الأجنبية الناطقة بالعربية الممولة والمدعومة مادياً وسياسياً وإعلامياً من قبل دول أجنبية، هذا الدور اشترطته جملة من العوامل، أبرزها وضوح الرؤية والهدف المرجو من تأسيسها ومواردها المالية الضخمة وإمكاناتها التقنية المتطورة والبشرية المؤهلة، وما تتمتع به من حرية إعلامية غير مقيدة بالتزامات سياسية ودبلوماسية محكومة بعلاقات الدول مع بعضها، وغير ملتزمة بمعايير وواجبات وأهداف وطنية أو قومية محددة، وغالبيتها تم إنشاؤها من قبل بعض الدول كجزء من آليتها السياسية والأمنية الخارجية تحت شعارات مختلفة تبدو في ظاهرها العام أنها مكرسة لخدمة الشعوب العربية والدفاع عن مصالحها وكسر الاحتكار الإعلامي الرسمي في التعامل مع الوقائع والأحداث الحاصلة ضمن الإطار الجغرافي العربي وكشف الحقائق التي تخفيها الأنظمة على شعوبها إلى جانب فتح المجال أمام الرأي الآخر الذي لا يمتلك وسيلة إعلامية للتعبير عن ذاته وكذلك إيصال مواقف هذه الدول وقياداتها وشعوبها وتصريحاتهم السياسية إلى المواطن العربي بشكل مباشر وجيد، ومثل هذه الشعارات ظلت غير كافية لإخفاء الأهداف الحقيقية من هذه القنوات المسخرة لتحسين صورة هذه الدول عند المواطن العربي، والتعاطي مع الأحداث الوطنية العربية من المنظور السياسي والمصالح الخاصة بالقائمين عليها والمواجهة للسيطرة على الرأي العام وتقييد حرية تفكيره وإعادة صياغة ثقافته ووعيه وتوجيه سلوكه ومواقفه وفق أجندة سياسية خاصة.. وهذه القنوات تمثل أيضاً احدى وسائل الحرب الباردة التي تكون أكثر حدة وبروزاً في مناطق التوترات والصراعات المسلحة.
وفي تعاملها مع الشأن اليمني وتغطيتها لأحداثه ووقائعه برز الدور الخطير لهذه القنوات من خلال التوجهات العملية التالية:
ضخ كم هائل من الأخبار والتقارير الإعلامية والتحليلات الصحفية المنتقاه بعناية والمحررة سلفاً لإعادة صياغة الوقائع التي تجري على الأرض وتشويه الحقائق أو تزويرها؛ وعند الحاجة تتحول إلى وسيلة لمزاولة مختلف أشكال الإرهاب الفكري والحرب النفسية الموجهة لتشكيل وإعادة تشكيل الموقف والوعي الجماهيري لصالح طرف من أطراف الصراع وبما يتفق وأجندة الدولة المتبنية لهذه القناة الإعلامية.
خلق المبررات السياسية والإعلامية للقوى الخارجية للتدخل بشكل مباشر ولعب دور فاعل في هذه الأحداث الوطنية، وعندما تفتقر هذه الدول وأنظمتها السياسية إلى المبررات الكافية لاتخاذ مواقف لا أخلاقية ولا إنسانية ضد الشعوب والدول الأخرى، وحين تفتقد لوسائل ومبررات التدخل المباشر في مجريات الصراع، فإنها تستخدم هذه القنوات الإعلامية للقيام بعملية ذهنية واسعة النطاق للتأثير على مسار هذه الأحداث وتهيئة الرأي العام لتقبل تدخلها وتبني مواقفها وقناعاتها.
استغلال الشعارات والحقوق الإنسانية والحريات المدنية والواجبات العملية التي تؤديها المنظمات الدولية المختصة في مناطق الصراع لإنتاج وتقديم خطاب أيديولوجي يتبنى أطروحات ومصالح الجماعات الإرهابية وخطابها السياسي الإعلامي بشكل مباشر، وتعمل هذه القنوات بما تمتلكه من إمكانات وتأثير واسع من اجل الترويج للجماعات الإرهابية وإقناع المتلقي بحتمية التصديق وطوعية القبول والتسليم السلبي والاستجابة للإقناع المفروض على الرأي العام تحت سوط التكرار المتواصل.
الطابع الإخباري التخصصي لهذه القنوات وموازناتها الضخمة، وامتلاكها لشبكة واسعة من المراسلين المحليين المزودين بتقنيات الاتصال والتواصل الحديثة، وقدرتها على مواكبة التطورات المتسارعة في تقنية الاتصالات والإعلام وتوظيفها السليم في إنتاج وتقديم رسالة إعلامية نوعية وحيوية مقنعة للمتلقي من حيث الشكل والمضمون والأداء والتجديد المتواصل لمعلوماتها، بالإضافة إلى ما تتميز به هذه القنوات من إمكانات واسعة لإعادة بث برامجها عبر شبكة الانترنت وجعلها مرجعية مفتوحة ومتاحة للمتلقي في أي زمان ومكان.. هذه وغيرها من العوامل مكنتها في الكثير من الحالات من السيطرة على المشهد الإعلامي الإخباري والتحكم بمصادر الخبر وإعادة إنتاجه في مطابخ مهنية احترافية قبل إعادة تصديره إلى المتلقي بأساليب وأشكال متعددة من خلال برامج مختلفة ومتواصلة كل منها يعد بأسلوب خاص وفق معايير وأهداف سياسية وأيديولوجية تحتم بالضرورة التلاعب بالحقائق وتشويهها وتلفيق المعلومات أو إخفائها عبر الاستخدام المكثف لمختلف وسائل وأساليب الخداع والتضليل الإعلامي المعاصر والوصول به إلى مستوى عال من الكفاءة والفاعلية تضمن لها المزيد من السطوة الإعلامية وقوة الجذب والتأثير على الرأي العام.
شعارات التضليل ووسائله:
خطورة أي نشاط إعلامي أجنبي موجه إلى الرأي العام الوطني قد لا تظهر نتائجه بشكل آني ومباشر، فمثل هذا النشاط عملية تراكمية متواصلة ومتكاملة لكل حلقاتها وعناصرها، ولا يمكن الوقوف عليه إلا من خلال الإلمام التام بالأهداف الحقيقية والأساليب والمفردات السياسية واللغوية التي تمارس من خلالها هذه القنوات الإعلامية عمليات الغسيل الفكري والتوجيه والسيطرة على الرأي العام وأساليب خداعه، وقد كشفت حقائق المرحلة المنصرمة من المواجهة الإعلامية السياسية والأيديولوجية التي خاضت غمارها وسائل الإعلام العربية كامتداد متطور لحالة المواجهة التي يخوضها الوطن والشعب اليمني ضد جماعات الإرهاب والتمرد ودعاة التمزق والانفصال المدعومة خارجياً - هذه المواجهة الإعلامية - كشفت الكثير من أساليب وأشكال التضليل السياسي الإعلامي والحرب النفسية المتجددة التي تقدمها هذه القنوات الإعلامية إلى الرأي العام بوسائل وشعارات مختلفة أبرزها: الحيادية الإعلامية والسياسية؛ حيث سعت بعض القنوات إلى إضفاء مسحة تجميلية على أدائها بادعاء الحيادية التي لا تؤثر على الأهداف والمصالح المتوخاة من رسالتها الإعلامية، وفي الوقت ذاته جعل المتلقي يتلمس مثل هذا الحياد ويتقبله باعتباره سمة مميزة لهذه القناة، التي تسعى إلى تأكيد حياديتها بتقديم مضمون الخبر كما يورده كل طرف من أطراف الصراع، ويتم تكراره بهذا الشكل من الحيادية لعدة مرات بهدف تهيئة المتلقي لاستقبال ما تبثه لاحقاً من تقارير إخبارية وبرامج مختلفة توظف الحدث والوقائع في خدمة الأهداف والأجندة السياسية والقناعات الخاصة بالجهات المالكة والممولة لهذه القنوات التي برهنت في الواقع العملي قدرتها الفائقة في انجاز الكثير من المهام السياسية والأيديولوجية التي تبرر قضية وجودها والنفقات والموارد الهائلة التي تنفق عليها.
أما حرية الرأي والرأي الآخر فهو شعار ترفعه جميع القنوات الأجنبية الناطقة بالعربية، التي تقدم نفسها للرأي العام باعتبارها واحة مفتوحة لحرية الرأي والتعبير، وفي الواقع العملي تظل هذه الحرية والتعددية في الرأي محكومة بطبيعة الأهداف السياسية المرجوة من رسالتها الإعلامية، وفي تعاطي هذه القنوات مع الشأن اليمني تجلت فاعلية البرامج الحوارية كأرقى أشكال الخداع الإعلامي والتضليل السياسي والديني الذي تمارسه تحت شعار (الرأي والرأي الآخر)، فالمتابع لهذه البرامج الحوارية يجدها تختلف وتتنوع من حيث مضامينها وشخوصها وأساليب إدارتها وتوجيهها، باختلاف الغايات المرجوة من الرسالة الإعلامية السياسية والأيديولوجية للقناة.
هناك برامج حوارية يتم تحديد مضامينها بشكل مسبق، ويتم تحديد شخوصها بانتقائية ووفق معايير تضمن من خلالها القناة الإعلامية نجاح أهدافها في أن تقدم للمتابع رؤى وقناعات وأطروحات تصب في خدمة أجندة أحد أطراف الصراع على حساب الحقائق والطرف الآخر.
وهناك شكل آخر من الحوارات تتعدد وتتباين فيها الآراء في إطار خدمة الهدف الواحد، هذا الشكل من الحوارات يتم فيها التغييب الكلي المتعمد لقضايا الصراع الجوهرية والحقيقية لصالح إبراز قضايا ثانوية شكلية والترويج لها بأكبر قدر ممكن، ومحاولة إقناع الرأي العام بتقبلها كواحدة من الحقائق التي بسببها وحولها يدور الصراع على الساحة اليمنية، في هذا النوع من الحوارات يتم تقديم العديد من الشخصيات بتخصصاتها ومسمياتها الأكاديمية وانتماءاتها الجغرافية والسياسية المختلفة، تتحاور وتتصارع فيما بينها ضمن إطار فكري سياسي ضيق محددة مضامينه ومساراته وأهدافه سلفاً لتصب في خدمة الرسالة الإعلامية للقناة وأصحابها، وهذا النوع من التعدد في الشكل؛ وإن بدا أكثر واقعية للمتلقي بما ينطوي عليه من تباينات في المواقف والقناعات والآراء؛ ولكنه محصور حول الثانويات الصغيرة والقضايا الهامشية الموجهة أساساً لإغراق المتلقي في الجزئيات وتتويهه عن القضية المحورية التي تكون مغيبة قسراً في مثل هكذا حوار مكرس لتجاوز حقيقة الرؤية الأحادية الجانب التي تقدمها هذه القناة الإعلامية.
من بين الأساليب الأكثر سلبية في هذه الحوارات هي تلك التي تقدمها القنوات الإعلامية لشخوص يمنية يتم اختيارهم بطريقة تعكس حدة التناقضات السياسية والاختلافات المذهبية، وتقديمهم أمام الرأي العام لنشر غسيلهم في سباق ماراثوني يحاول كل منهم عرض قدراته وإمكاناته للإساءة إلى الآخر والى الوطن والشعب، فيما تتولى القناة إدارة وتوجيه حواراتهم وخلافاتهم نحو مساراتها الخاصة واستثارتهم بأسلوب متقن يتوخى تعميق هوة التناقضات والانقسامات والترويج لها وسط الرأي العام وإثارة المزيد من الفتن والتصادم على أسس عصبوية ضيقة (جهوية، حزبية، مذهبية، طائفية) والترويج في الوقت ذاته للقناعات والثقافات والمواقف المتطرفة الداعية والمحرضة للمزيد من التمزق ومحاولة تقديم بعض الظواهر الاستثنائية والسلبيات التي يعاني منها المجتمع اليمني إلى الرأي العام العالمي باعتبارها حقائق راسخة في الواقع الوطني، وإضفاء أبعاد إقليمية ودولية عليها، عبر إشراك عناصر من خارج إطار الدائرة الوطنية، مهمتها صب المزيد من الزيت على نيران الفتنة الداخلية ومدها بمزيد من عوامل القوة والاستمرارية وإحداث المزيد من الفرز والاستقطابات والتدخلات الخارجية في الشأن الوطني.
لقد مثلت البرامج الحوارية المفتوحة التي تتبناها هذه القنوات تحت شعار: الرأي والرأي الآخر، أحد أرقى أشكال خداع الرأي، فمثل هذا التعدد ظل على الدوام في إطار خدمة الهدف الواحد والرسالة المرجوة من هذه القناة إيصالها إلى الرأي العام.. وقد أكدت هذه القنوات أنها كانت وستظل أسيرة سياج السياسة وقناعات ومواقف وأهداف الجهات المالكة والممولة لها، باعتبارها جزءاً من آلياتها السياسية والحرب الإيديولوجية، وكانت أكثر وضوحاً في التعبير عن المواقف الحقيقية لهذه الدول التي غالباً ما تسعى مؤسساتها الرسمية، إلى إخفاء مواقفها الحقيقية خلف ستار الدبلوماسية ودخانها الكثيف الذي تنشره في مثل هذه الحالات من الصراع ليضفي على مواقفها الطابع الرمادي.
وفي إطار التغطية الإعلامية للأحداث في اليمن استشرت ظاهرة الاستخدام الخاطئ للكثير من المفاهيم والمصطلحات السياسية والدينية الموظفة خارج معانيها السليمة، بعضها تم استحداثها والترويج لها من قبل بعض المطابخ السياسية الإعلامية الخارجية كجزء من إستراتيجيتها المكرسة لاستثمار الأحداث في اليمن لخدمة أجندتها السياسية الإقليمية.. وهذه المفاهيم تناولتها وسائل الإعلام العربية دون إدراك منها لحقيقة أهداف الآخر من استخدامها وتوظيفها كوسائل لتغييب الحقائق وتزييف الوعي والانحراف بالرأي العام وقناعاته وثقافته باتجاه يخدم تطلعاتها ومصالحها وخطابها السياسي.
قد لا يتسع المجال لتناول هذه المفاهيم المغلوطة وتلك التي تم إفراغها من معانيها اللغوية الصحيحة واستبدالها بمعان أخرى ذات وظائف سياسية أيديولوجية محددة، من أبرزها مفهوم "الأرض المحروقة" هذا المفهوم بدلالاته التدميرية الخطيرة ابتدعته بعض وسائل الإعلام الخارجية وجعلته عنواناً يطلق على العملية العسكرية التي تقوم بها القوات المسلحة والأمن ضد عناصر الإرهاب والتمرد الحوثية؛ وراج استخدامه بشكل واسع من قبل الإعلاميين العرب وحتى بعض اليمنيين متجاهلين خطورة توظيف مثل هذا المفهوم وأبعاده، في صراع داخلي، حيث لا يوجد جيش وطني في العالم مسخرة وظيفته لإحراق وتدمير أراضيه حتى وان كان العدو المحتل لها خارجيا.
هناك مفاهيم أخرى وظيفتها تحريض عناصر الإرهاب والتمرد على المزيد من الدمار والقتل ومنع الدولة من فرض سيادتها وسلطاتها على كامل التراب الوطني، وتهدف هذه المفاهيم إلى تصوير هذه العناصر أمام الرأي العام في غير حقيقتها الإجرامية وخروجها المسلح على الدولة لتحقيق تطلعات سياسية غير مشروعة، من هذه المفاهيم "الصراع الثقافي" وعلى أساسه يحاول الإعلام تزييف وتفسير الأعمال الإجرامية الإرهابية لهذه الجماعة باعتبارها شكلاً من أشكال المواجهة الثقافية المشروعة.. والتي تدعي الدفاع عن الحريات والحقوق الثقافية بما فيها حق التعبير ومزاولة الشعائر الدينية والادعاء بأنها لا تحترم في اليمن وتتم مصادرتها من قبل الدولة، ووفق هذا المفهوم حولت بعض وسائل الإعلام عبدالملك الحوثي من مجرد إرهابي قاتل إلى مناضل وطني وإنساني من اجل الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان.
لقد شاع استخدام الكثير من المفاهيم ذات الطابع والمضمون الديني، أراد صناعها ومروجوها تسطيح جذور الإشكالية وأبعادها العقائدية الخطيرة، وما تمثله هذه الجماعة من خروج واضح عن صحيح المذهب الزيدي والشرع - بإجماع الكثير من العلماء - من هذه المفاهيم الادعاء بأن الصراع صراع مذهبي يتم استخدامه بهدف إظهار الصراع في صعدة باعتباره صراعاً بين الأقلية الشيعية والغالبية السنية والسلفيين المتطرفين، وتحت هذا المفهوم يتم الترويج الواسع وسط الرأي العام بأن "الشيعة" في اليمن مغيبة حقوقهم السياسية والدينية وشعائرهم العقيدية وبأنها محرومة من التنمية وتعيش أوضاعا مزرية ومستثنية وجودها داخل مؤسسات الدولة والوظائف الحكومية، الخ.. من المبررات التي يحاول أصحابها إظهار التمرد كرد فعل مشروع للخروج من هذا الوضع المأساوي الذي وضعتهم الدولة فيه، وحقهم في المواجهة لحماية مذهبهم من خطر الأصولية الوهابية.
تحت مظلة مفهوم "الصراع المذهبي" يتم اختزال الدين في المذهب عند العديد من وسائل الإعلام التي لا تتردد في أن تصور الدفاع عن المذهب باعتباره دفاعاً عن الدين الإسلامي، وفي هذا السياق يتم الخلط المتعمد والتوظيف الانتقائي بين المذهب الزيدي بخصوصيته اليمنية والمذهب الشيعي الاثنى عشري بخصوصيته الإيرانية، ولأسباب وحسابات سياسية تتعمد بعض قنوات الإعلام إلغاء التمايز بين المذهبين في تجاوز (قسري مشروط سياسياً) لما بينهما من فروقات وتباينات وفي بعض الحالات تناقضات جوهرية عميقة تحول دون اتفاقهما أو تقاربهما في الواقع الحياتي.
إن العزف المتواصل على وتيرة الصراعات المذهبية والطائفية من قبل بعض وسائل الإعلام إنما يكشف عن الأبعاد الحقيقية لمثل هذا الخطاب الموجه لزرع ألغام موقوتة بعيدة المدى والتأثير وألغام أخرى يمكن تفجيرها عن بعد عند الحاجة داخل نسيج الواقع اليمني ووحدته الوطنية والعقائدية واهتمام بعض القوى المعادية لليمن بالترويج للصراعات المذهبية الداخلية، يمكن تفسيره بشكل سليم من خلال الأهداف التالية:
التسطيح المتعمد لجذور الإشكالية اليمنية وتزييف الرأي العام والحرص على بقائه جاهلاً بحقيقة الأمور، أو تجرده من إمكانية التقدير الواقعي للدوافع والأسباب الحقيقية للصراع وأبعاده المختلفة.
السعي إلى إخراج الصراع من إطاره الوطني وإضفاء البعد الإقليمي والدولي عليه وتصويره بأنه ظاهرة محلية لصراع مذهبي عميق وشامل بين قوى إقليمية تمثلها إيران كطرف شيعي، والسعودية كطرف سني، وهو ما يتنافى مع حقيقة ما يجري من تمرد مسلح ضد الدولة والوطن.
ابتزاز الوطن والقيادة اليمنية من خلال التلويح والتهديد بالقضية المذهبية لما لها من آثار وتداعيات سلبية خطيرة على السلم الاجتماعي والوحدة الوطنية لليمن على المدى البعيد، - هذا التلويح والتهديد - يأتي في سياق توجهات سياسية إقليمية لفرض أمر واقع ومتغيرات جديدة على الساحة اليمنية، تكون هذه القوى طرفا أساسيا فاعلا فيه عبر اذرعها المتمثلة في العناصر الحوثية والانفصالية.
ما يؤسف له أن بعض وسائل الإعلام العربية تحولت خلال هذه المرحلة من الصراع والفتنة في اليمن إلى أبواق للترويج لمفاهيم ومصطلحات سياسية قديمة وحديثة تم ابتداعها من قبل مؤسسات استخبارية أجنبية كجزء من متطلبات إستراتيجيتها للتدخل في شؤون الدول والشعوب الأخرى واستخدمتها أقنعة لإخفاء حقيقة أهدافها وتطلعاتها، ومبررات لغرض الهيمنة المباشرة وغير المباشرة.
في بعض الوسائط الإعلامية العربية تحول دور الدولة وواجباتها في حماية العقيدة الدينية والتصدي للسلوكيات الشاذة عن أخلاقيات وعقائد المجتمع وحماية أمنه واستقراره إلى اعتداء على الحريات والحقوق الفردية والطائفية، وأصبحت واجبات الدولة في الدفاع المشروع عن حياة مواطنيها ووحدة الوطن ونسيجه الاجتماعي العقائدي، وتصديها للتمردات العسكرية والإرهاب المنظم، تصنف إرهاباً للدولة ضد الأقليات المذهبية والطائفية وضد الحريات الدينية وحرية التعبير، وفي المقابل أصبحت التمردات المسلحة والحركات الانفصالية المدعومة والممولة من الخارج حقاً مشروعاً لتقرير المصير.
* رئيس تحرير صحيفة 26 سبتمبر اليمنية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.