تبلغ تيا من العمر 20 عاما و تعمل بوظيفة جوكي وسط الازدحام المروري في شوارع العاصمة الأندونيسية جاكرتا. ولا يكاد ينقضي يوم من أيامها حتى يداهمها يوم آخر وهي تحمل ابنتها البالغة من العمر أربعة أعوام فوق ذراعيها. ولا تمتهن تيا ركوب الخيل حسبما توحي كلمة جوكي لأول وهلة ولكن مهنة جوكي في أندونيسيا لها معنى آخر خاصة عندما تذكر في سياق الزحام المروري. وفي هذا السياق تشير مهنة جوكي إلى الذين يضعون أنفسهم تحت تصرف سائقي السيارات الذين يرغبون في استخدام طرق معينة يحظر عليهم اجتيازها إلا إذا بلغ عدد الركاب ثلاثة على الأقل. عندها يستعين أصحاب السيارات الذين يقودون سياراتهم بمفردهم مثلا أو يقل عدد ركابهم عن ثلاثة بممتهني حيلة ال"جوكي". وتتميز تيا بميزة جيدة لأصحاب هؤلاء السيارات ألا وهي أنها تحمل طفلا مما يجعلها لا تعاني كثيرا من نقص العمل حيث تعد هي وطفلتها راكبين رغم أنهما يتلقيان أجر "جوكي" واحد. تحصل تيا عن كل رحلة على عشرة آلاف روبية (4 ريالات سعودية). تقول تيا: "في بعض الأحيان أستطيع السفر ما يصل إلى خمس مرات يوميا وأحيانا أنتظر ثلاثة أيام بلا جدوى". وتحرص تيا على حسن مظهرها المطلوب لممارسة هذه ال"مهنة". بدأت تيا تتكسب عيشها من هذا الباب منذ خمسة أشهر. وتجلس ابنتها فوق ذراعيها غير مكترثة بما يجري حولها وترى تيا أن ابنتها لا تنزعج من حرفتها وكثرة حركتها وتنقلها بين السيارات وتنام معظم الوقت. تقف تيا بابنتها ثلاث ساعات صباحا وأخرى مساء وسط الزحام المروري الذي يزكم الأنوف فماذا يدفعها لهذا العمل المرهق؟ "ماذا عساي أن أفعل، فأنا أشتري بهذه النقود طعاما لنا". وتعمل تيا في النظافة في ساعات الهدوء المروري التي لا تجد فيها من ترافقه بأجر من أصحاب السيارات وذلك لسداد إيجار مسكنها حسبما تقول. بدأ العمل بنظام "ثلاثة أشخاص في سيارة" في جاكرتا منذ عام 1992 وذلك بهدف منع النظام المروري في العاصمة الأندونيسية من الانهيار. يعيش في أندونيسيا 12 مليون شخص ويتردد عليها عدد مشابه لذلك يوميا من الأقاليم والمناطق المحيطة بها. ويسير في شوارع جاكرتا وطرقها نحو ستة ملايين سيارة في اليوم. وحسب وزارة النقل الإندونيسية فإن حجم الحركة المرورية في جاكرتا ينمو بنسبة 11% سنويا. وتؤكد الوزارة أن النظام الجديد أدى إلى خفض عدد السيارات التي تستعمل طرقات العاصمة للنصف تقريبا. ولكن ربما كان ذلك صحيحا عندما اعتمد النظام لأول مرة عام 1992 لأن أفضل ما يمكن به وصف الحركة المرورية في جاكرتا الآن هو أنها متعثرة. يعمل الشاب إيفان 27 عاما هو الآخر في مهنة الجوكي. ولا يسره أن يتطرق الحديث معه إلى منافسيه مثل تيا. غير أنه يرى أن مثل تيا تمثل له منافسا تصعب هزيمته لأنها تستخدم ابنتها في عملها. ويشير إيفان إلى تزايد المنافسين بشكل مستمر في هذه المهنة. يقف في على حافة الطرق في حي "مينتينج" في جاكرتا عشرات من الراغبين في مرافقة أصحاب السيارات. وتراهم يرفعون أصابعهم وكأنهم يريدون بذلك معرفة اتجاه الرياح، ولكن هذه هي علامة استعدادهم للركوب مرافقين بالأجر. يزاول إيفان هذه المهنة منذ خمس سنوات وعن ذلك يقول: "لي زبائن معينون يفضلون التعامل معي". عندما يتقاضى إيفان 50 ألف روبية في اليوم فإنه يوفر منها 10 آلاف إلى 20 ألف "لنعالج به ابننا إذا مرض يوما ما واضطررت للذهاب به إلى الطبيب". يبلغ سن ابن إيفان عاما واحدا وتعمل زوجته بائعة للشاي والقهوة في إحدى محطات الحافلات. ويتحدث إيفان بشكل مشوش وغير مترابط عن أصدقاء السوء الذين يقول إنهم هم الذين دفعوه لممارسة هذه المهنة. وليس لإيفان سوى حلم متواضع ألا وهو الحصول على وظيفة ذات مواعيد ثابتة، سواء كان ذلك كبواب عمارة أو عامل نظافة. ولكنه يؤكد أن ذلك مستحيل إذا لم يكن لديه علاقات. سيظل إيفان يعيش حسب قوله في أمان في هذه الوظيفة إلى أن يأتي اليوم الذي يعلن فيه القائمون على تنظيم الحركة المرورية عجزهم عن التخطيط لحركة مرورية سلسة في العاصمة حيث إن هناك تفكيرا متزايدا في إقامة خط حديدي يسير معظمه عبر جسور متجاوزا مناطق التكدس المروري. وهناك مؤشرات محددة على هذا الخط مثل تلك الأعمدة الخرسانية المتناثرة التي تتجه نحو السماء تنتظر البت قضائيا وماليا في مصير هذا المشروع حسبما ذكرت مصادر في بعض الدوائر المعنية. ولكن هذا المشروع لن يصبح شيئا ذا بال قبل عام 2016 وبدلا من ذلك فإن تلاميذ المدارس ألزموا بالذهاب لمدارسهم في الصباح الباكر حيث تبدأ أولى حصصهم المدرسية في تمام السادسة والنصف صباحا وذلك لتخفيف الحركة المرورية أمام الذاهبين لأعمالهم. ولا يأتي المال الذي يحصل عليه أصحاب مهنة الجوكي بشكل يسير. فهناك على سبيل المثال صراعات على الطرق بين أصحاب المهنة على أفضل الأماكن. وهناك عصابات من المافيا تمارس عملها أيضا في هذا القطاع حسب إيفان الذي يقول إنه ضرب ذات يوم بشكل مبرح من قبل هؤلاء لأنه اصطدم بهم في منطقته التي تعود العمل بها. كما ألقت الشرطة القبض على الجوكي إيفان عشرات المرات واحتجزته ذات مرة لمدة أسبوعين في السجن. ورغم ذلك فما زال يمارس هذه المهنة. أما تيا فتتجنب الاقتراب من المنافسين الغرباء حيث ساقها أحدهم ذات يوم لأحد مواقف السيارات أسفل أحد المباني للاعتداء عليها ولكنها استطاعت الهرب بابنتها في اللحظة الأخيرة.