يوجد في فلكلورنا الشعبي (الفلكلور هو الشيء الذي يتناقله الناس من غير أن يعرفوا قائله) قولان متناقضان نقولهما عادة حسب الحالة التي نكنّها في نفوسنا لمن نوجّه له القول. فنقول للغني الذي نكون راضين عنه: "اذا رضي الله على قوم بسط لهم رزقهم وسخّر لهم الناس ومكّنهم في الأرض" أي أننا نبرّر سبب غنى من نرضى عليهم بأن غناهم علامة على رضا الله عليهم. ونقول -أيضا- للغني الذي نكون غاضبين عليه: "اذا غضب الله على قوم بسط لهم رزقهم وسخّر لهم الناس ومكّنهم في الأرض لاستدراجهم حتى يضاعف لهم العذاب". أي أننا نبرّر - كذلك - سبب غنى من نغضب عليهم بأن غناهم علامة على غضب الله عليهم. هذان القولان المأثوران نقرأهما - عادة - في كتابات من يكتبون عن بنوكنا فبعض الكتاب يكتب بعين الرضا على البنوك فيقول - تحذلقا - ان غنى بنوكنا من رضا الله عليهم وبعض الكتاب يكتب بعين الغضب على البنوك فيقول - قهرا - ان غنى بنوكنا من غضب الله عليهم. لكن سواء كان القول الأول هو الصحيح أو القول الثاني هو الصحيح فلا أعتقد أن البنوك يهمها ماذا يقول الناس مادام ان الله يرزقها من حيث لا تحتسب (فعلى الأقل لديها احتمال بمقدار 50 % ان الله راضٍ عليها) فهو مقسّم الأرزاق ولقد شاءت ارادة الله (سواء علامة على الرضا أو علامة على الغضب) أن يبسط في رزق بنوكنا ويسخّر لها أموال الناس ويمكّنها من وزارة المالية ومن مؤسسة النقد فأصبحت أموالنا وسياساتنا الاقتصادية مسخّرة لخدمة البنوك. بنوكنا غير بنوك العالم! فهي: بنوك لا تعطي فوائد وإذا أعطت فوائد فهي تعطي الفتات. وبنوكنا - بعكس بنوك العالم - اذا أقرضت تأخذ فوائد على كامل المبلغ لكامل مدة القرض فتتضاعف الفائدة بعد سنوات القرض. وبنوكنا لا تدفع ضرائب للدولة ولكنها أول المستفيدين من معونات الدولة فجميع سياساتنا الأقتصادية (سواء المالية أو النقدية) لا يتم تمريرها للاقتصاد الا من خلال البنوك واذا سأل سائل: لماذا لا تصدّر الحكومة أذونات خزانة مثل جميع دول العالم؟ يجاوب المسؤول قائلا: لدينا احتياطيات ولا نحتاج للاقتراض من الشعب. وهذا الجواب - بصراحة - جواب غث لأن اذونات الخزانة هي أهم أداة لتنفيذ السياسة النقدية وأداة ادّخار وأداة استقرار لسوق المال قبل أن تكون مديونية. عدم وجود أذونات خزانة تضطر المواطن (لاسيما العجايز والنساء) أن يضع مدّخراته قسرا في سلّة البنوك الهشّة وأن يذعن لشروطها واذا لم تعجبه الشروط فعليه أن يشتري بلاّص (زير ضيّق العنق) يودع فيه مدّخراته ويدفنه تحت البلاطة (ويقال: إن هذا هو ما يفعله بالفعل بعض الناس). لقد آن الأوان لأن يكون لدينا سوق مالية متكاملة (ليست عرجاء) فالسندات الحكومية هي البديل الوحيد الآمن (مضمون 100 % كامل راس المال الاسمي وفوائده) لاستثمار مدخرات المواطن وتشجيعه على الادّخار. والسندات الحكومية (في السوق الثانوي) هي أقوى وأسرع وأدق أداة في يد البنوك المركزية للتحكم في عرض كمية النقود (من يوم ليوم) والسّيطرة على التضخم. على حد علمي - وفوق كل ذي علم عليم - لا يوجد أي سبب يمنع وزارة المالية من اصدار سندات حكومية الا خليط من: التهيّب والتراخي والكسل ومحاباة البنوك. *رئيس مركز اقتصاديات البترول "مركز غير هادف للربح"