101 مليون ريال أرباح "نادك" بالربع الأول    منتدى المشاريع العالمي في يونيو المقبل بالرياض    التجارة غير النفطية تواصل النمو في أبريل    فرص واعدة لصُناع الأفلام في المملكة    أمير المنطقة الشرقية يدشن منتدى "الاستثمار البيئي ويستقبل أعضاء الجمعية السعودية لكتاب الرأي    نائب أمير الشرقية يستقبل مدير عام هيئة التراث بالمنطقة    ميسي يسجل ثلاثة أرقام قياسية جديدة في الدوري الأمريكي    القيادة تهنئ ملك هولندا بذكرى يوم التحرير لبلاده    هل وصلت حرب غزة إلى طريق مسدود؟    مكتبة الملك عبدالعزيز العامة تطلق جولتها القرائية الخامسة    تدخل عاجل ينقذ حياة سيدة في عنيزة    كاسترو يكشف موقف تاليسكا وغريب من مواجهة الهلال    السعودية تستضيف اجتماعيّ المجلس التنفيذي والمؤتمر العام ل"الألكسو" بجدة    وزير «الموارد»: استحداث 11,171 وظيفة في «السلامة والصحة المهنية» خلال 3 سنوات    20 ألف مستفيد من خدمات مستشفى الأسياح    ( مسيرة أرفى ) تعلن عن إنطلاق فعاليات شهر التصلب المتعدد    "باحث": لا يوجد أدلة على أن الاستمطار يحدث هطول أمطار شديد    الأمم المتحدة تكشف: آلاف السودانيين يفرون يوميا من جحيم الحرب    "تعليم تبوك" و"أرامكو" يطلقان حملة توعوية للوقاية من الحرائق    قوات سعودية – أمريكية تنفذ تمرين "الغضب العارم"    توقعات بهطول أمطار رعدية خفيفة على معظم مناطق المملكة    "ميدياثون الحج والعمرة" يختتم أعماله    المملكة تعين وتروي المحتاجين حول العالم    تنمية جازان تفعل برنامجًا ترفيهيًا في جزر فرسان    رونالدو: لا أركض وراء الأرقام القياسية    اللحوم والبقوليات تسبب "النقرس"    السعودية تؤكد ضرورة إعادة هيكلة منظمة التعاون الإسلامي وتطويرها    القبيلة.. وتعدد الهويات الوطنية    الأرصاد: توقعات بهطول أمطار على أجزاء من منطقة الرياض    مسؤولون وفنانون وشعراء ينعون الراحل    البدر «أنسن العاطفة» و«حلّق بالوطن» وحدّث الأغنية    آه يا رمل وهبايب.. تدفن جروح الحبايب.. ورحت يا بدر التمام    السعودية.. دور حيوي وتفكير إستراتيجي    تعديلات واستثناءات في لائحة ضريبة التصرفات العقارية    بأمر خادم الحرمين.. تعيين 261 عضواً بمرتبة مُلازم تحقيق في النيابة العامة    «المظالم» يخفض مدد التقاضي و«التنفيذ» تتوعد المماطلين    عضوية فلسطين بالأمم المتحدة.. طريق الاستقلال !    لا تظلموا التعصب    معالي الفاسد !    الطائي يتعادل مع الخليج سلبياً في دوري روشن    بتنظيم وزارة الرياضة .. "الأحد" إقامة المؤتمر الدوري للقطاع الرياضي    موسكو: «الأطلسي» يستعد لصراع محتمل    مركز الملك سلمان يواصل مساعداته الإنسانية    تحت رعاية ولي العهد.. وزير الدفاع يفتتح مرافق كلية الملك فيصل ويشهد حفل التخرج    وفاة صاحب السمو الملكي الأمير بدر بن عبدالمحسن بن عبدالعزيز آل سعود    الذهب يتأرجح مع تزايد المخاوف بشأن أسعار الفائدة    تقدير الجهود السعودية لاستقرار السوق العالمية.. المملكة تعزز تعاونها مع أوزبكستان وأذربيجان في الطاقة    رعى حفل التخرج الجامعي.. أمير الرياض يدشن مشروعات تنموية في شقراء    منح تصاريح دخول العاصمة المقدسة    الهلال يستأنف تدريباته استعداداً لمواجهة الأهلي    يجنبهم التعرض ل «التنمر».. مختصون: التدخل المبكر ينقذ «قصار القامة»    النملة والهدهد    لا توجد حسابات لأئمة الحرمين في مواقع التواصل... ولا صحة لما ينشر فيها    وزير الخارجية: السعودية تؤكد ضرورة إعادة هيكلة «التعاون الإسلامي» وتطويرها    محمية عروق بني معارض.. لوحات طبيعية بألوان الحياة الفطرية    "الفقه الإسلامي" يُثمّن بيان كبار العلماء بشأن "الحج"    كيفية «حلب» الحبيب !    بيان صادر عن هيئة كبار العلماء بشأن عدم جواز الذهاب للحج دون تصريح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المدينة الخليجية وثقافة "البترودولار"

يمكن إرجاع مصطلح مدن "البترودولار" إلى مرحلة الطفرة البترولية الأولى (منتصف السبعينيات من القرن الماضي). هذا المصطلح يشير إلى التأثير السريع للوفر المالي الذي نتج عن الطفرة الأولى (1973-180م)، وقد ارتبط في الأذهان بمعان وتفسيرات سلبية ولم ينظر إليه على أنه تنمية وتطور. التصور العام عن تلك الفترة كان يمثل حالة "المدن السطحية" "المحدثة النعمة" التي تفتقر للأسس الثقافية والاجتماعية التي عادة ما تعتمد عليها المدن الكبيرة في نموها وتطورها. لذلك فإن مصطلح مدن "البترودولار" التصق بمدن الخليج على وجه الخصوص كونها مدن نشأت فجأة وبسرعة نتيجة للطفرة البترولية وفي منطقة صحراوية خالية من أي موارد مهمة سوى النفط ودون وجود المقومات الاجتماعية والثقافية والسكانية التي تبرر هذا النمو والتمدد السريع لهذه المدن. لقد أحدثت تلك الطفرة وما صاحبها من حداثة "بترودولارية" خللاً في مدن الخليج وفي تركيبة سكانها وحتى في اقتصادياتها فبينما تبدو تلك المدن حديثة وترتفع فيها البنايات المتعددة الطوابق المكسية بالزجاج، كان السكان المحليون أنفسهم يعيشون داخل ثقافاتهم المحلية التي لم تنكسر بعد. تشكلت من هذه الظاهرة حالة انفصام في الشخصية عاشتها مدن المنطقة فهناك من يعيش الحداثة لأنه أتى منها (الوافدون) وهناك الذي مازال يعيش ثقافته المحافظة (السكان المحليون) رغم كل مظاهر الحداثة المادية والعمرانية التي بدأت تظهر على هذه المدن. في واقع الأمر إن الانفصام في الشخصية بين قيم الحداثة وبين مظاهرها المادية في العالم العربي تمثل ظاهرة عربية متفاوتة الدرجات خلال القرن العشرين. ولعل حالة مدن الخليج حتى اليوم تمثل أهم تلك الحالات، فقد بدأ الانفصام في شخصية هذه المدن منذ تلك الفترة وتعقد كثيرا إلى أن وصل مرحلة "اللاعودة" وعندما نقول إنه لا عودة عما حدث للمدينة في الخليج ذلك لأن العودة نفسها ستكون مكلفة جدا ولا نعتقد أنه بقدرة حكومات المنطقة تحمل تكاليفها.
يمكن أن نتوقف عند قضيتين مهمتين ساعدتا على نهوض "المدن البترودولارية" في المنطقة أول تلك القضايا هي التركيبة الديموغرافية التي يبدو أنها بدأت تأخذ منحى "الهجين السكاني" الذي جعل من هذه التجمعات العمرانية الجديدة تتفلت من هويتها المحلية وتتجه نحو "المدن المتعددة الجنسيات" التي يصعب تحديد نمط اجتماعي فيها. أما القضية الأخرى فهي الفوائد المادية الكبيرة التي استغلتها مجوعات القوى والمتنفذون في هذه المدن فقد كان للتوسع العمراني فوائد عدة أهمها أنه أصبح للأرض قيمة وزيادة السكان المستوردين تعني بشكل أو بآخر زيادة رقعة المدينة وزيادة قيمة الأرض. كل هذا كان يحدث مع خلفية سياسية تحلم بصناعة "مدن كبرى" تعبر عن الحداثة حتى لو كانت هذه الحداثة زائفة، لاتعبر عن رغبة الناس وحاجتهم. يمكن طرح سؤال لماذا حدثت تلك التنمية العمرانية ولمن كانت؟ فقد تضخم هذا السؤال مع الوقت وأصبح خلال الثلاثة عقود الأخيرة السؤال الأهم الذي لايجد أي إجابة في ظل تضخم المدينة في الخليج بشكل لايخدم السكان المحليين.
إن مدن النفط والصحراء التي صارت تتشكل بسرعة فائقة لم تتح المجال لأي مراجعة فقد بدأت مظاهر "رسملة المدينة" وتحولها إلى مشروع تجاري منذ تلك الفترة ولكنها لم تأخذ ملامح واضحة. لقد اتسعت الفجوة بين حجم المدينة الذي صار يزداد بسرعة هائلة وبين حجم السكان المحليين إلى درجة أنه لم يعد هناك بد من الاستمرار في استيراد سكان لملء هذه المدن (وافدين). الهدف هنا كان التنمية، رغم أن منطق التنمية هنا لم يكن واقعيا كون التنمية يجب أن تكون ضمن الحدود التي يحتاجها السكان أنفسهم. لقد تم اعتبار المدن الخليجية كمناطق مفتوحة للهجرة وبدأ مسلسل التغير في التركيبة السكنية يزداد ويتسع إلى أن وصل الوضع الذي أصبح فيه السكان المحليون أقلية داخل تلك المدن.
ويبدو أن مدن اللحظة التي كانت تتشكل خلال سنتين هي عمر بناء المشروع تركت آثارا عميقة وغائرة في المجتمع الخليجي فمنذ تلك اللحظة بدأت حالة الانفلات وتحولت المدينة إلى ما يشبه المشروع التجاري وأصبح لكل قطة أرض قيمة ،الأمر الذي أدى إلى تدخل جماعات النفوذ لخلق أراض جديدة تدر عليهم مكاسب كبيرة دون أي جهد. لقد أدى هذا العمل إلى تمدد المدن في المنطقة في العقود الثلاثة اللاحقة، وتحولت قرى الطين فجأة الى مدن تسيطر عليها المباني المتعددة الادوار الامر الذي وصفه أحد الكتاب الغربيين بأنه قد يثير الغيرة والحسد لدى الإداريين الغربيين. وهي نظرة تعبر عن الرؤية الغربية التي تقيس الأمور بمنظارها لا بمنظار الواقع المحلي وذلك أن الرغبة في التعمير والتحديث والتخلص من اثار الماضي المرتبط بالحرمان هي التي دفعت صناع القرار نحو سرعة التشييد لا الحاجة الفعلية للتنمية، وبذلك فإن الحسد الذي يتكلم عنه بعض الغربيين هو حسد في غير محله لأن الواقع الاجتماعي والاقتصادي للمدن في الخليج لا يبرر النمو غير المنطقي في تلك الفترة. وهذا ما يؤكده (Alif) الذي أشار الى أن الرخاء الاقتصادي لم يتح الفرصة للدراسة وانما كان التوجه قويا نحو تبني برامج عملية حيث كان الوقت والسرعة هما المحفزان. ففي كثير من دول العالم الثالث كانت مشاريع التنمية تبحث عن التمويل بينما كان الحال في دول الخليج أن الاموال تبحث عن مشاريع التنمية.
والذي يتضح لنا هو أن الثقافة "البترودولارية" كانت تدفع مدن المنطقة إلى "البناء" كيفما اتفق وربما دون حاجة أو لحاجة وهمية ومفتعلة نتجت عن استيراد سكان لباء مدن ليست بحاجة إلى المبالغة في البناء بقدر ما كانت بحاجة إلى ترشيد في التنمية والتركيز على التنمية البشرية أكثر من أي شيء آخر. الرغبة في وجود "مدينة حديثة متحولة" هي التي صنعت هذه المدن "البترودولارية" وليست الحاجة الفعلية لوجود مثل هذه المدن لذلك أصبح من الضروري أن تستمر في نفس النهج ونفس المغامرة لأنها كانت مغامرة "الإداري" لا المتأثر بهذه المغامرة والذي يعيش آثارها يوميا وهم سكانها. يجب كذلك أن نشير هنا إلى أن المدن "البترودولارية" كانت متعجلة جداً لذلك لم تتح الفرصة أبداً لأي عمل مؤسساتي أن ينشأ فيها، خصوصاً وأن الإرادة السياسة لم تكن تشجع مثل هذه المؤسسات لذلك فإن التمدد العمراني حدث في تلك المدن في غياب كامل من أي مراقبة أو نقد أو ترشيد، وكانت كل الخطط العمرانية هي امتداد لأحلام الحداثة التي تبناها الإداريون ومجموعات الضغط في المدينة والمتنفذون ولم تنبع من رغبة مجتمعية تخولها للانسجام مع المجتمع وأفراده لذلك فإن هذه المدن نمت كمدن متنافرة مع سكانها ومع ذلك فإن تلك التجربة كانت مازالت في بداياتها رغم أنها أحدثت مداً عاطفياً كبيراً جعل كل المجتمعات في الخليج تتساءئل عن تراثها العمراني الذي بدأت تشعر بفقدانه بشدة مع دخول العقد الأخير من القرن الماضي. تلك التساؤلات لم تجعل مدن "البترودولار" تتراجع عن أحلامها بل دفعها إلى مغامرات جديدة أدخلها بقوة إلى ظاهرة "المدن الكونية" التي "فجرت" مدن المنطقة وحولتها إلى "شظايا" مدينية متعددة الأقطاب والهويات. اليوم ونحن نعيش هذه الظاهرة نتساءل بقوة وماذا بعد؟ إلى أين سنذهب؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.