منذ الثورة المعلوماتية، والعالم يمارس وجوده بطريقة مختلفة، إيجابية وسلبية، وخاصة من نواحي الحياة الأهم العلمية والإعلامية والثقافية والسياسية.. ولكل أداة من الأدوات فوائد ومضار.. والمشكلة، بكل تأكيد، لا تكون في أية آلة أو أداة أو اكتشاف.. المشكلة تكمن عادة في الإنسان وكيفية توظيفه لهذه الأداة طبقاً لمفهومه ورؤيته ومخزونه الثقافي والحياتي معاً.. ويبدو أن الشبكة العنكبوتية شر لا بد منه، أو خير لا بد من معرفة مكامنه المتسعة، وخاصة في النشر الكتابي، الأدبي وسواه، وفي المجال التوثيقي والعلمي والتاريخي وغير ذلك من العلوم والمعارف والآداب والهموم الإنسانية.. لا يخفى على أحد سهولة إنشاء موقع من المواقع الفردية أو المؤسساتية الخاصة أو الحكومية.. لكن، لماذا المواقع؟ ولماذا النشر؟ وما آثار ما نشر وما ينشر؟ ثم، ماذا بعد ما بعد المعلوماتية؟ (1/8) الشات والجنس والإدمان الالكتروني! تتزايد المواقع يومياً متناسلة بشكل مرعب.. ويرافق هذه الظاهرة حالات نفسية واجتماعية أبسطها الإدمان.. الإدمان على عادة الجلوس أمام الشاشة لمتابعة ما يجري في العالم كل حسب اهتماماته.. وصار من الممكن أن نقول: إدمان ألماني على (النت الشبكة العنكبوتية) مثلاً، وذلك لكثرة الوقت الذي يقضيه الألمان مع النت، ولكثرة الأماكن العامة التي حولت بعض الحمامات أيضاً إلى مكان للكمبيوتر والشبكة العنكبوتية.. هذا الإدمان يدفع الناس بشكل مشوق لمتابعة (الشات) أو (الماسينجر) أو المواقع المهتمة بحياتهم اليومية وتفاصيلها من الجانب المهمش، أو المنبوذ، أو اللا أخلاقي.. وهذا ما يجعل الغالبية لا سيما في البلاد العربية تلجأ إلى (النت) إرضاء لغرائزها وحرمانها وتعارفها على الجنس الآخر بطريقة مخاتلة، زائفة، مشوبة باللا أخلاق.. ومن الطرافة بمكان، أن تكذب زوجة بريطانية على معارفها الافتراضيين فتدعي أنها غير متزوجة، وحين يكتشف زوجها ذلك يقوم بقتلها! وهذا يحيلنا إلى البحث عن قانون جديد للجرائم الالكترونية ابتداء من الاسم المستعار ولا انتهاء بتزوير المعلومات الشخصية والجرائم اللاحقة من سرقة وقتل وتهديد وتشهير وذم وقدح وفضائح وشائعات وإلخ.. ما عدا سرقة الكلمات السرية واغتصاب الإيميلات واستخدامها بطريقة لا شرعية مسيئة تؤدي إلى كوارث مادية ومعنوية جسيمة! ولقد أجرى المهتمون بعض الإحصائيات التقريبية للدول العربية من حيث أولويات الاهتمام، فكانت النتيجة جداول مختلفة المعلومات، أذكر منها تمثيلاً: الدخول من أجل البنات: السعودية واليمن ومصر.. ومن أجل الثقافة: سوريا، مصر، اليمن، السعودية.. (2/8) الأدب الالكتروني: إلى أي أفق تصح هذه المقولة: النت منبر من لا منبر له..؟! وهل كل ما ينشر الكترونياً هو أدب؟ وهل تضيف الميزة الالكترونية بعداً جمالياً للنص؟ أغلب ما ينشر هو محاولات أو أقل من محاولات أدبية.. خاصة في المواقع الخاصة الهادفة إلى الشهرة، والمنتديات الهائمة على وجهها في استقطابها لأسماء مستعارة وأسماء قليلة صريحة.. فينحشد (الازدحام الالكتروني) مائجاً بعضه في بعض! وأسوأ ما نلاحظه انتشار اللهجات العامية وطغيان الأخطاء فيها! فكيف لو حاول هؤلاء الكتابة باللغة العربية الفصحى؟! ويبدو أنه لا بد من التجريب والتخريب في آن معاً.. وهذه الفترة الاختراقية التجريبية طالت أيضاً لأنهم لا يستفيدون لا من التجريب ولا من التخريب ليؤسسوا لاحتدامات وبوابات أخرى. أما وجود مواقع للمكتبات، والمعارض، والدوريات من مجلات وصحف، والمؤسسات الثقافية والإعلامية كالوزارات والاتحادات والنقابات والأندية و..إلخ..، فهو ضرورة معاصرة كما أن المواقع الشخصية ضرورة وخاصة للمبدعين والأدباء والكتاب والإعلاميين.. وعادة، هذه المواكبة الالكترونية تتم لأغراض، أهمها: إرضاء النرجسية السلبية. الظهور بمظهر مواكبة المعلوماتية. التعالي على الآخرين الذين لا يعرفون معنى اللوغو والموقع، وقد لا يعرفون كيف يتعاملون مع هذه المعلوماتية! ونادراً، ما نجد من ينشئ موقعاً من أجل الثقافة والقارئ والإضافة والاهتمام بالإبداع والعلوم والتوثيق.. إذن، أمية الكترونية يعاني منها أغلب قراء الوطن العربي، وأمية ثقافية وأدبية تشمل أمية النشر أيضاً..! وهذا يحيلنا إلى هذا التساؤل: كيف يستخدمها هؤلاء أيضاً؟ البعض يلجأ إليها تدليلاً على إجادته التعامل مع أدوات العصر، كما أشرنا، وبعضهم الآخر يتعامل معها لاستقطاب المزيد من الجنس الآخر، ثالث البعض يعتمدها وبأحدث الإخراجات لتحقيق سبق ٍ الكتروني في إخراج النص فنياً وبصرياً، ورابعهم للتفاخر بوجود موقع خاص به على الشبكة.. وخامسهم يترك موقعه للقراء، فيتبادل الآراء والرسائل معهم.. تتعدد الغايات، والغرض واحد: النشر والانتشار وليس النشور الإبداعي.. .. (3/8) التوثيق الالكتروني: إلى أية درجة موثوقة من الممكن اعتبار ما تقدمه الشاشة الالكترونية مرجعياً؟ وكيف لنا أن نميز السم المدسوس في الدسم على كافة المستويات المعلوماتية: الإنسانية/ الحياتية/ اليومية/ السياسية/ التاريخية/ الأدبية/ الدينية/ الفلسفية/ العلمية/...؟ بالطبع، الإجابة تكمن في بصيرة القارئ، والقارئ أنواع: قارئ بسيط فيه من الجهل ما يكفيه لأن تمر عليه كل المعلومات الصحيحة والخاطئة بسهولة، فيقتنع بكل ما يُقدَّم له دون مساءلته، أو مجادلته، أو مناقشته، فيظن خاطئاً بأن الشبكة المعلوماتية لا تخطئ أبداً! قارئ متوسط التعليم والثقافة يتأرجح بين مخزونه وما يقرأه من الشاشة، فيبحث أو لا يبحث للتأكد من المعلومات في حال تناقضها أو تضادها، فيقبل أو لا يقبل ما يقرأه، أو يظل في حيرة سرمدية.. قارئ حصيف ونبيه، لا يتقبل كل ما يقرأ ويقارنه بشكل دائم مع ما قرأه سابقاً في الكتب الورقية الموثوقة. ونضيف بأن الجهات الالكترونية التي تحترم نفسها وتحترم غيرها قليلة إذا ما قورنت بالمنثور المهدور، ومن هذه الجهات مثلاً: موقع اتحاد الكتاب العرب والذي مقره في دمشق، وزارة الثقافة السورية، مواقع وكالات الأنباء العربية والأجنبية، مواقع الفضائيات الالكترونية كقناة الجزيرة والعربية والبي بي سي والدنيا وإلخ.. (4/8) السرقات والصحافة والكتابة: فتح (النت) البوابات الواسعة أمام النسخ والتحوير والتحريف ثم اللصق.. ولقد امتهن الكثيرون مهنة النسخ من هنا وهناك واللصق التجميعي بغية إنشاء مادة يوقعون عليها اسمهم بكل بساطة، وتمر ببساطة أكبر على رؤساء ومدراء تحرير الدوريات الصحافية المقروءة (الورقية والالكترونية!) من مجلات وجرائد، كما يمر بعضها بهيئة كتب تطبعها دور النشر الخاصة كما تطبع مثلها المؤسسات والاتحادات الحكومية! وهذا يدل على التمادي في الابتعاد عن القراءة والمتابعة، ومن معنى آخر، يدل على أن الإنسان المناسب ليس في مكانه المناسب! كما يدل على الفداحة الإجرامية التي يقوم بها هؤلاء المفبركون الواجب كشفهم واتخاذ أشد العقوبات بحقهم من تشهير وفصل من أماكن عملهم، أو سحب العضوية منهم، إضافة إلى الغرامة المالية الضخمة، والوصول بهم إلى السجن أيضاً.. لماذا؟ لأن القانون يحاسب ويعاقب الطفل السارق حتى ولو سرق لأنه جائع، أي حتى لو سرق رغيف خبز ليأكله، فكيف لا نحاسب ونعاقب من يسرق أغلى وأرفع ما أعطاه الله للإنسان: الكلمة؟ (5/8) التهويل الحربي: حرب الكترونية تستخدم فيها الكلمات المضادة والدسائس الصاروخية والإشاعات ذات المعاني النووية المهدمة والمفجرة لمعنويات الآخر باعتباره عدواً.. وتصرخ هذه الحرب الإعلامية كوسيلة سلاحية حديثة بكل وسائطها المسموعة والمقروءة والمصورة من خلال الأجهزة لتستقر في دماء وعقول الذين لا يجيدون لعبة المناورة الالكترونية في الاستقبال والدحض والرد.. غالباً، ما وصلت هذه الحرب المعلوماتية المعاصرة إلى غاياتها الأساسية ليس فقط في التصويب على العدو، بل في التصويب على شعب السلطة القائمة بالحرب! كيف؟ وماذا أعني؟ لنسأل الإعلام الأمريكي عن حرب أمريكا على العراق وذلك من خلال إجابات الشعب الأمريكي المضلل.. ثم، لنسأل العراق! (6/8) تعويم المعلومة: للمطلع على العديد من المواقع أن يلاحظ كيف يتم تعويم المعلومات، فتبدو سطحية، تنم عن عدم الإلمام بالدلالة المقصودة، وما فيها من دلالات أخرى، وقد يتم ذلك تحت شعار المعلومة البسيطة، أو تبسيط المعلومة، أو المعلومة المبسطة، ظناً من أصحاب هذا المبدأ أن القارئ ساذج، بسيط، جاهل، وأشبهَ ما يكون بالأمي! هناك مواقع لا تقيد المعلومة، بل تتركها مفتوحة للإضافة والبحث والحذف كما في موسوعة الويكبيديا مثلاً.. حيث يشترك في إنجاز المعلومة عدة قراء من مختلف أنحاء العالم.. وهناك مواقع تسمّي نفسها منتديات (ثقافية/اجتماعية/ أسرية/...الخ) تخلط المعلومات بين الدقة وعدمها، فإذا أخذنا هذا الاختلاط بحسن نيّة وجب علينا القول: هناك جهل لا يغتفر لكنه قابل للتصحيح.