عكرت بعض القضايا الشائكة صفو احتفالات المزارعين في شتى أرجاء المعمورة والذي يقام سنوياً ... حيث حازت قضايا تغيُّر المناخ والطاقة الحيوية على جُل تركيز يوم الأغذية العالمي وأنشطته هذا العام لدى ما يتوقع أن يبلغ 150بلداً حول العالم. حيث احتفال منظمة الأغذية والزراعة (FAO) بهذا اليوم الدولي في النصف الثاني من شهر أكتوبر - تشرين الثاني الأول منذ انشائها عام ..1945.كما تشكل ظاهرة الاحتباس الحراري مصدر قلق حقيقي على النطاق العالمي. وترى الكثير من الجهات الرسمية والعلمية أنه إذا لم تتخذ إجراءات حاسمة للحد من انبعاث الغازات الضارة بالبيئة فإن ذلك سيؤدي حتماً إلى تفاقم تلك الظاهرة، والسير حثيثاً نحو تغير مناخي سمته الأساسية ارتفاع درجة حرارة الأرض وما يترتب عليها من عواقب أخرى على الطبيعة وبالدرجة الأولى على المناطق الزراعية وسبق أن ورد في تقرير رسمي أن "مخاطر المتغيرات المناخية أعظم مما كان يعتقد في السابق.. وان من الواضح أن انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري المترافق مع النمو الاقتصادي والصناعي، الذي تضاعف بمعدل ستة أضعاف خلال مائتي عام، يزيد الاحتباس الحراري بمعدلات متفاوتة". ونقل عن الخبير أليكساندر مولير، المدير العام المساعد المسؤول عن إدارة الموارد الطبيعية والبيئة، لدى الفاو وعبر بيان صحفي اطلعت "الرياض" عليه بالقول "إن الاحتباس الحراري حقيقة قائمة، ولذا فسياسات التكيف باتت مُلحة ولا سيما في حالة البلدان الفقيرة الأشد تعرضاً لتهديداتها. فمئات الملايين من صغار المزارعين، والصيادين، وجميع الفئات المعتمدة على الغابات يقفون في الصفوف الأولى إزاء أشد الأضرار الممكنة من جراء تغيّر المناخ"... ارتفع إنتاج الوقود الحيوي الذي يعتمد على السلع الزراعية ثلاثة أضعافه في الفترة من العام 2000حتى العام 2007حيث انه يغطي حالياً نحو 2في المائة من الاستهلاك العالمي للوقود لأغراض النقل. ومن المتوقع أن يتواصل هذا النمو، غير أن دور الوقود الحيوي السائل - وأغلبه الإيثانول والديزل الحيوي - لأغراض النقل أو أكثر لأغراض الطاقة العالمية يبقى دوراً محدوداً، وقالت منظمة الأغذية والزراعة" في إصدارها الجديد للتقرير السنوي الرئيسي "حالة الأغذية والزراعة 2008" طبقاً لبيان آخر أصدرته واطلعت (الرياض) عليه ... أن السياسات التي تحكُم إنتاج الوقود الحيوي والإعانات المقدمة للقطاع ينبغي أن يُعاد النظر فيها على نحو عاجل بهدف صون أهداف الأمن الغذائي في العالم، وحماية المزارعين الفقراء، وتوسعة نطاق التنمية الريفية، وضمان الاستدامة البيئية، ومن جهتهم يشير منتقدو التوسع في إنتاج الوقود الحيوي إلى أن هذا التوسع يهدد التنوع البيئي ومصادر المياه، ويزيد درجة حرارة الأرض. وقد بدأت بالفعل إعادة النظر في مقترحات المفوضية الأوروبية، ويحاول مشرعون آخرون خفض الأهداف التي وضعت لإنتاج الوقود الحيوي.. وتم التصويت على هذه المسألة في البرلمان الأوروبي وعاودت الفاو .. أن الحاجة تلح لتطوير استراتيجيات التواؤم على الأخص في البلدان الفقيرة الأشد تعرضاً للظاهرة، وحيث يعيش أكبر عدد من الجياع على صعيد العالم فيما يتجاوز مجموعة 920مليون نسمة. كما يجب إعادة النظر في خطط استخدام الأراضي، وبرامج الأمن الغذائي، وسياسات الثروة السمكية والغابات بهدف حماية الفقراء من عواقب تغيّر المناخ". في الوقت الذي برزت من خلاله خلافات عميقة بين الباحثين المتخصصين واعتقاد بعض علماء البيئة الذين طالما أيدوا إنتاج الوقود الحيوي الصديق للبيئة بأن إنتاجه يزيد من عمليات التصحر في العالم، كما يحول الأراضي المزروعة بمحاصيل زراعية إلى زراعة الحبوب التي تنتج الوقود الحيوي. يُشار إلى أن رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون ضم صوته للمطالبين بإعادة النظر في الأهداف المقترحة للتوسع في إنتاج الوقود الحيوي بأوروبا. من جانبه قال الدكتور جاك ضيوف، المدير العام للمنظمة "ان الوقود الحيوي يتيح الفرص والمخاطر على حد سواء وتتوقف نتيجة ذلك على حالة كل بلد والسياسات المطبقة فيه، حيث إن السياسات الراهنة تميل لصالح المنتجين في بعض البلدان المتقدمة على حساب المنتجين في معظم البلدان النامية. فالتحدي القائم هو الحد من المخاطر وإدارتها في الوقت الذي يتم فيه المشاركة بالفرص المتاحة على نطاق واسع بدرجة أكبر". والمعروف أن الوقود الحيوي هو الطاقة المستمدة من الكائنات الحية سواء النباتية أو الحيوانية منها. وهو أحد أهم مصادر الطاقة المتجددة، على خلاف غيرها من الموارد الطبيعية مثل النفط والفحم الحجري وكافة أنواع الوقود الإحفوري والوقود النووي. أيضاً يتم الحصول على الوقود الحيوي من التحليل الصناعي للمزروعات والفضلات وبقايا الحيوانات التي يمكن إعادة استخدامها، مثل القش والخشب والسماد، وقشر الارز، والمجاري، وتحلل النفايات، ومخلفات الأغذية، التي يمكن تحويلها إلى الغاز الحيوي عن طريق الهضم اللاهوائي. والكتلة الحيوية المستخدمة كوقود يتم تصنيفها على عدة أنواع، مثل النفايات الحيوانية والخشبية والعشبية، كما أن الكتلة الحيوية ليس لها تأثير مباشر على قيمتها بوصفها مصدراً للطاقة. ظهر أبحاث الوقود الحيوي أن هناك العديد من النباتات التي يمكن زراعتها والاستفادة منها في إنتاج الوقود الحيوي كثيرة ولا تحتاج لكثير من الماء أو للمساحات المخصصة لإنتاج المحاصيل الغذئية. ومنها الأعشاب البرية التي تنمو في القارة الأمريكية "سويتش" وتستخدم حالياً كعلف للحيوان بالاضافة إلى نبات الصفصاف والقنب. وتشير تلك الأبحاث كذلك أن تلك النباتات تشكل مصدراً نظيفاً ورخيصاً للطاقة ويمكن أن تغطي حصة كبيرة حتى من احتياجات الطاقة العالمية. ويقول باحث في جامعة بالسويد إن قائمة النباتات المرشحة كمصدر للوقود الحيوي تتضمن القمح والذرة وقصب السكر. ويقول: إن الطاقة البيولوجية واسعة جداً ويتوقع معظم العاملين فيها سيطرة محاصيل جيدة على المدى البعيد". وعاود الدكتور ضيوف القول: "إن الفرص المتاحة أمام البلدان النامية للاستفادة من الطلب على الوقود الحيوي من شأنها أن تزيح الدعم المقدم للوقود الحيوي والرزاعي إلى حد كبير وكذلك الحواجز التجارية التي أوجدت سوقاً اصطناعياً يستفيد منها حالياً المنتجون في البلدان التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية على حساب المنتجين في البلدان النامية. وعلى صعيد ذي صلة ان التغيرات المناخية تأتي في مقدمة المخاطر البيئية التي تواجه العالم الفترة الراهنة، نظراً لما تسببه هذه الظاهرة من كوارث طبيعية شديدة الخطورة، منها الجفاف والفيضانات والأمطار الحمضية وارتفاع مستوى سطح البحر.