قبل أيام كنتُ في ضيافة أحد الأصدقاء حين اقترح علي المشي - بعد طعام العشاء - في أحد الشوارع الرئيسية القريبة.. ورغم أنني لا أؤمن بمقولة "اتعشى واتمشى" إلا أنني وافقت بشرط السير في أحد الشوارع الخلفية الموازية - وليس في الشارع الرئيسي نفسه.. وحين سألني مستغرباً "لماذا؟"، أجبته "لأنني أنوي العيش لمائة عام"، استغرب أكثر وقال "وما علاقة هذه بتلك؟"، أجبته "لأن احتمال التعرض لحادث مميت في أحد الشوارع الرئيسية يزيد ب 15ضعفاً على التعرض لها في أحد الشوارع الخلفية الموازية!!" ورغم أن هدفي الأساسي كان البعد عن ضجيج السيارات، إلا ان المبدأ صحيح بحد ذاته.. ففي حين يسعى كل إنسان للحفاظ على صحته - وفي حين قد يكفيه الله شر الأمراض المهلكة - قد يموت فجأة بسبب حادث طارئ أو مراهق طائش لم يحسب له حساباً! فنحن أيها السادة نموت لثلاثة أسباب رئيسية: @ الأول: الشيخوخة التي تضعف أجسامنا وجهازنا المناعي.. @ والثاني: الأمراض الخطيرة؛ كمشاكل القلب والدورة الدموية.. @ والثالث: حادث خطير ومفاجئ - لا يتعلق بأي من السببين السابقين... والخبر الجيد هنا أن احتمال وفاتنا بالسببين الطبيعيين الأول والثاني يزيد على (96%). وفي حال نجحنا في تجاوز هذين السببين (بحيث لا يبقى غير الثالث) يمكننا العيش لأكثر من 1743عاماً! - ولكن، لماذا 1743عاماً بالذات!؟ .. لأن إحصائيات معهد ماكس بلانك للدراسات السكانية (Max Planck Institute) تشير إلى وجود احتمال واحد (من بين 1743احتمالاً) لوفاتنا بسبب حادث خطير.. وهذا يعني انه في حال نجاة الإنسان من الوفاة بسبب الشيخوخة والأمراض المهلكة يرتفع متوسط عمره فجأة إلى 1743عاماً.. ليس هذا فحسب؛ بل لاحظ أنه يتحدث عن "متوسط العمر" مما يعني ان مزيداً من الحرص (مثل تجنب السير في الشوارع الرئيسية) قد يرفع هذا الرقم لأكثر من 15ضعفاً وبالتالي امكانية العيش لأكثر من 20.000ألف عام!! وبالطبع؛ نحن نتحدث عن احتمالات احصائية مجردة لا تثبت أو تتنبأ بوفاة إنسان بعينه؛ غير أن مجرد اطلاعنا على أكثرها خطورة واحتمالاً يمنحنا رؤية أفضل لكيفية تجنبها وينسجم مع قوله تعالى (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة).. فرغم استحالة تحديد العمر المتوقع لوفاة أي إنسان، يمكننا استنتاج معدل تعرضه للوفاة من خلال طبيعة عمله وعادته الصحية أو اليومية الخطيرة.. فالاحصائيات أثبتت ان النحاف يعيشون أطول من السمان، وغير المدخنين أكثر من هواة السفر.. ورغم استحالة الحديث عن شخص بعينه اتضح - أيضاً - أن النساء يعشن أطول من الرجال؛ وسكان الجبال أكثر من السهول، وأهل القرى أكثر من المدن، ومواطنو الدول المتقدمة أكثر من الدول المتخلفة.. ... ورغم كل هذه الاحتمالات تظل الشيخوخة والهرم المدخل الرئيسي لوفاة معظم البشر (والتي لولاها لتجاوز متوسط أعمارنا آلاف الأعوام).. وفي حين يبدو أي احتمال آخر قابل للتجاوز والاستدراك يصعب تجاوز عقبة الهرم أو إيقاف عجلة الشيخوخة مصداقاً لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم (إن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء إلا الهرم)!