في مدن سعودية عالمية، ذات كثافة بشرية، متجددة، حيث قوافل العمرة، والحج، والسياحة، والزيارة، ووسط جهود حكومية غير مسبوقة، في تطوير الأحياء الشعبية، بإزالتها، وما ينتج عن ذلك من كميات مهولة من المخلفات المتنوعة، قال المتخصص في الحوكمة والقانون الدكتور فيصل بن غازي الحازمي ل"الرياض" لم تعد النفايات عبئاً بيئياً، بل تحولت إلى مورد اقتصادي واعد، خاصة مع رؤية المملكة 2030م، ومع التوسع في تقنيات تحويل النفايات إلى طاقة (WET) فالمملكة تنتج أكثر من 20 مليون طن من النفايات البلدية سنوياً، ما دفع الجهات المعنية إلى تبني حلول تدمج بين الاستدامة وتوليد الطاقة وخفض الانبعاثات، حيث تعتمد هذه المنظومة على عدة مسارات، أبرزها الحرق مع استعادة الطاقة، الذي يقلل حجم النفايات بنسبة تصل إلى 90 % ويولد كهرباء تغذي آلاف المنازل، كما في مشروع جدة لتحويل النفايات إلى طاقة، مع خطط لتكراره في مدن أخرى، مؤكداً بأن هذه الفوائد تعكس أهمية إدارة النفايات المستدامة، حيث تشمل الفوائد البيئية، ومنها خفض انبعاثات الميثان والملوثات الهوائية، والحفاظ على الموارد الطبيعية، وحماية التربة، والمياه الجوفية، إضافة إلى تعزيز التنمية المستدامة، واسهام إدارة النفايات في تحسين جودة الحياة، وتوفير فرص عمل. ويشير الحازمي إلى أن عدد الكيانات المرخصة من قبل المركز الوطني لإدارة النفايات (موان) نحو 1493 كياناً حتى عام 2025م، مما يعكس الجاذبية الاستثمارية للقطاع، مبيناً أن الفرص الاستثمارية في هذا القطاع ذاته واعدة، وتسهم في تعزيز النمو الاقتصادي، حيث يُقدّر حجم سوق إدارة النفايات في المملكة بأكثر من 25 مليار دولار في 2025م. وأضاف "وتبرز هذه التقنية كحل عملي للمدن ذات الكثافة العالية مثل مكة، المكرمة والمدينة المنورة خاصة خلال مواسم الحج. إلى جانب ذلك، يشهد الوقود المشتق من النفايات (RFD) نمواً متسارعاً، حيث يستخدم بديلا عن الفحم في الصناعات الثقيلة، وعلى رأسها صناعة الأسمنت، ما يخفف تكاليف الطاقة ويحد من الانبعاثات". ويرى الحازمي الذي عمل وكيلاً لإمارة منطقة مكةالمكرمة، حيث الإشراف على مواسم العمرة والحج والسياحة، أن ربط مدن مكةوجدةوالطائف في هذا المسار يسهم في تقليل الضغط التشغيلي على العاصمة المقدسة، خلال مواسم الذروة، أما الهضم اللاهوائي، فيعد خيار مثالي لمعالجة النفايات العضوية، التي تشكل النسبة الأكبر من مخلفات الحج، حيث تعمل مشاريع تجريبية على تحويل بقايا الطعام إلى غاز حيوي وسماد عضوي يستخدم في التشجير، -خصوصا- في الطائف والمناطق المحيطة. مؤكداً أن نجاح هذه التقنيات يرتبط مباشرة بتعزيز الفرز من المصدر، سواء في المنازل، أو المنشآت التجارية، أو في المشاعر المقدسة، مدعوما بحلول ذكية، وتقنيات إنترنت الأشياء، لتتبع الحاويات وتحسين الكفاءة، مشيراً إلى أن في ظل ارتفاع كلفة البنية التحتية، تتجه المملكة إلى شراكات موسعة بين القطاعين العام والخاص، عبر نماذج تشغيل واستثمار طويلة الأجل، لتحويل إدارة النفايات من خدمة بلدية إلى قطاع اقتصادي متكامل. وتابع الحازمي "بالنسبة لمكةالمكرمة، تصل معدلات النفايات فيها إلى نحو 6 آلاف طن يوميا خلال موسم الحج، وهو تحدي سنوي يمكن أن يتحول إلى فرص استثمارية، عبر نموذج تكاملي يربط مكةبجدةوالطائف، ويجعل من إدارة نفايات الحشود تجربة عالمية في الاستدامة". وقال إن هذه الكميات الهائلة من النفايات تتطلب استراتيجيات فعالة لإدارتها، وتحويلها إلى موارد اقتصادية. وأضاف بأن المملكة حالياً تنتج أكثر من 110 ملايين طن من النفايات سنوياً، تشمل النفايات البلدية، الصناعية، نفايات البناء والهدم، والنفايات الزراعية، فيما تُقدّر النفايات البلدية الصلبة بنحو 15–16 مليون طن سنوياً، بمعدل يومي للفرد يتراوح بين 1.4 و1.8 كجم. ولفت الحازمي إلى ان قطاع إدارة النفايات في المملكة العربية السعودية شهد خلال العقد الأخير تحولاً جوهرياً؛ إذ انتقل من كونه تحدياً بيئياً وخدمياً إلى قطاع استثماري استراتيجي مدفوع بأهداف رؤية السعودية 2030 والمبادرة السعودية الخضراء. ويقوم هذا التحول على تبني مبادئ الاقتصاد الدائري التي تهدف إلى تحويل النفايات من عبء بيئي إلى موارد اقتصادية ذات قيمة، بما يسهم في الاستدامة البيئية وتعزيز النمو الاقتصادي.