في مشهدٍ كرويٍ يحمل تناقضاً صارخاً، تُعلن قنوات عالمية من دازن في بريطانيا إلى فوكس سبورتس في الولاياتالمتحدة عن نقلها لمباريات دوري روشن السعودي، بينما يخرج "الأخضر" من منافسة إقليمية مثل كأس العرب 2025 بخيبة أمل جماهيرية جديدة. هذا هو التناقض الذي تعيشه كرة القدم السعودية اليوم: دوري يطمح لأن يكون بين أقوى 10 دوريات في العالم ومنتخب وطني يعاني من أزمات متكررة تدفع حتى مديره الفني العالمي، هيرفي رينارد، لتجديد انتقاده لكثرة الأجانب. فكيف وصلنا إلى هذه المفارقة؟ وكيف يمكن التوفيق بين طموح دوري نجمي ومنتخب قوي؟ لا شك أن الاستثمار الضخم وجلب نجوم العالم مثل كريستيانو رونالدو ونجوم آخرين قد حوّل دوري روشن إلى ظاهرة عالمية. لم يعد الدوري محصوراً بالمشاهد المحلي، بل انتقل إلى عشرات المنصات العالمية مما رفع قيمته التسويقية ووضعه على خريطة كرة القدم الدولية. هذا الإنجاز هو حصيلة إستراتيجية واعية لتحويل الدوري إلى منافس عالمي، وهو أمر مشروع وطموح. لكن كل تقدم له ثمن. مع ارتفاع عدد اللاعبين الأجانب المسموح لهم بالتسجيل إلى 10 لاعبين والمشاركة إلى 8 في المباراة بدأ الظل يطال اللاعب المحلي. تحول اللاعب السعودي في كثير من الأحيان إلى "حبيس دكة البدلاء مع مشاركات محدودة وتأثير ضعيف. النتيجة الطبيعية كانت منتخباً يفتقر للجهوزية البدنية والذهنية، حيث يعتمد على لاعبين "لا يلعبون بانتظام، ولا يعيشون أجواء المنافسة الحقيقية أسبوعًا بعد أسبوع". خروج المنتخب من كأس العرب 2025، حيث لم يحافظ على نظافة شباكه في أي مباراة هو انعكاس مأساوي لهذه الأزمة البنيوية. في مواجهة هذه المعضلة، تبرز أصوات عاقلة تدعو إلى إيجاد حلول إبداعية تحافظ على قوة الدوري العالمية دون التضحية بمستقبل المنتخب. أحد هذه الاقتراحات الواقعية هو إعادة إحياء وتطوير دوري رديف (تحت سن 23 عاماً) للاعبين المحليين فقط. هذه البطولة المقترحة، والتي يمكن أن تُلعب في منتصف الأسبوع بنقل تلفزيوني محلي، ستكون بمثابة منصة إنقاذ للكرة السعودية، حيث تحقق عدة أهداف في وقت واحد: 1. توفير دقائق لعب تنافسية: ستضمن للاعب السعودي الشاب ساعة أسبوعية من المنافسة الحقيقية، مما يطور جهوزيته وثقته. 2. خلق بيئة اختبار حقيقية: ستكون ساحة مثالية للمدربين الوطنيين لاكتشاف المواهب واختبارها تحت الضغط، بعيداً عن هيمنة النجوم الأجانب في الدوري الرئيسي. 3. بناء قاعدة عريضة للمنتخب: ستكون رافداً رئيسياً للمنتخب الأولمبي والمنتخب الأول، وتجهّز بدلاء جاهزين للأندية في حالات الإصابات. 4. تطوير الكوادر الوطنية: ستوفر منصة لتطوير المدربين والحكام والإداريين المحليين. الخيار ليس بين دوري نجمي ومنتخب قوي، بل هو بحث عن صيغة تكامل ذكية. وجود المحترفين العالميين ضرورة فنية وتسويقية، لكنه "يجب أن يكون وسيلة للتطوير لا أداة للإقصاء". إقامة دوري رديف تنافسي للمحليين ليست خطوة للوراء، بل هي استثمار استراتيجي في المستقبل. إنها الضمانة الوحيدة لتحقيق الحلم المزدوج: دوري روشن كمنارة عالمية، والمنتخب السعودي كقوة آسيوية وعالمية. فالاهتمام بالأندية أمر ضروري، لكن الاهتمام بالأندية من أجل الأندية فقط هو طريق مختصر نحو إضعاف المنتخب، وإذا استمر هذا النهج، "فقد نكسب دوريًا قويًا شكليًا، لكننا سنخسر منتخبًا قادرًا على المنافسة".