الاستشراق كما هو معروف بدأ منذ العصور الوسطى، ومهمتهم الاهتمام بعلوم الشرق عامة ومنها الثقافة والآداب والعادات والتقاليد، ومن هذه الثقافة الشعر نبطي. قدم المستشرقون خدمات جليلة وكبيرة للشعر النبطي في حفظ بعض المخطوطات وتدوين بعض القصائد حتى أصبحت دراساتهم وتدوينهم مرجع ومصدر لبعض القصائد ويعتبر تشارلز هوبير أول من حفظ مخطوط بالشعر النبطي كما ذكر ذلك الباحث والمحقق الدكتور سعد الصويان بقوله: إن مخطوطات هوبير تمثل أقدم ما وصل إلينا أو ما استطعنا الوصول إليه من مخطوطات الشعر النبطي. كما أن ألبرت سوسين Albert صاحب أول ديوان مطبوع لشعر النبطي حيث ذكر الصويان في كتابة فهرست الشعر النبطي: في العقد الثامن من القرن التاسع عشر كان ألبرت سوسين Albert Socin يتجول في الشام وبلاد الرافدين ويقوم بجمع الشعر من البلقا وحوران ودمشق وحلب وبغداد وسوق الشيوخ، وحتى من ماردين على الحدود السورية التركية. ونشر حصيلته الضخمة عام 1900م والتي هي بمثابة أول ديوان يطبع في الشعر النبطي مع ترجمات ودراسات لغوية وإثنولوجية مفصلة ويقع الكتاب في حوالي ثماني مئة صفحة ويتضمن مئة واثنتي عشرة قصيدة. قابل سوسين في طريقه من دمشق إلى بغداد حملة من تجار العقيلات الذين أرشدوه في بغداد إلى مهاجر من أهالي بريدة اسمه محمد ويلقب بالأفندي لأنه يجيد القراءة والكتابة. وأملى محمد على سوسين الكثير من القصائد التي كان يحفظها عن ظهر قلب. وقابل سوسين شخصا من مدينة عنيزة اسمه مسفر كتب عنه بعض القصائد لكن روايته لم تكن بجودة رواية محمد. ومحمد الحساوي من الأحساء هو الراوية الثالث الذي قابله سوسين في سوق الشيوخ ووصفه بالغباء وعدم الفهم لكنه اكتتب منه بعض القصائد واشترى منه ديوانا مخطوطا يحتوي على الكثير من القصائد. وفي ماردين جمع سوسين بعض النصوص الركيكة من فلاح قال له إنه من قبيلة طي. ويقول سوسين إنه رأى الكثير من مخطوطات الشعر النبطي، من ضمنها ديوان نمر بن عدوان. وفي عام 1428 ه - 2007 م قامت (منشورات الجمل) بطباعة المجلد الأول لألبرت سوسين وهو أحد ثلاثة مجلدات تحت عنوان (ديوان الشعري النبطي للجزيرة العربية في القرن التاسع عشر) بدل الاسم الأصلي (ديوان من وسط الجزيرة العربية) بنحو 216 صفحة، علما أن المجلدات الثلاث جاءت باضعاف هذا العدد وقد سبق للأستاذ قاسم الرويس أن تطرق لهذا الديوان بإسهاب من خلا هذه الصفحة في العدد 14514 يوم الخميس 12 ربيع الأول 1429ه - 20 مارس 2008م -» وقدم ملاحظات ونقدا هادفا للديوان. وفي هذا العدد سوف نستعرض بعض ما جاء في هذا الديوان الذي جاء بدون مقدمة فقط نبذة مختصر عن المؤلف قال فيها: ولد البرت سوسين عام 1844 في مدينة بسويسرا وتوفي عام 1899 في مدينة لايبزغ بألمانيا. بعد الدراسة قام بسفراته الكبيرة الأولى الى البلدان الإسلامية. نال الأستاذية بشكل مبكر ومارس التدريس في بازل وتوبنغن نشر العديد من الأبحاث في اللغات الشرقية واهتم بجمع الأشعار والحكايات الشفوية في مناطق الجزيرة العربية والتي نشرت بعد وفاته 1900 - 1901. ومن الغريب أنه تحت عنوان هذا الكتاب على الغلاف الخلفي والذي عادة ما يكون تعريف مقتضب للكتاب جاء فيه قصيدة بمقدمتها وجاءت كما يلي: واحد شاف له حرمة وأراد يخطبها من أهلها وعيوا بها فجاب فيها قصيدة وعقب القصيدة أعطوها إياه: البارحة من ضيقة البال ما غضيت والقلب حن وتك بالصدر عبرات الحبر والقرطاس يا العشر دنيت ويصفح صافي الطلح سجلت الابيات عدل البناء الفتهن عقب ما صحيت ومدامعي من كثر الاهمال حرقات يا مسندي يا زبن من ضيم يا ليت خلي يجي يسقي الحشا عقب ما مات وبعض القصائد جاءت بدون مقدمات ودوان ذكر صاحب القصيدة كما جاء في القصيدة رقم 1 في الديوان والقصيدة كما هو معروف للشاعر محمد العبدالله القاضي التي مطلعها: برقٍ شعق نوره شَرَقْ يسحر الخلق اسفر وضاح ولاح من بين الآفاق وانجال جلباب الدجى عنه واشرق نوره غشى البلّور من نور الاشعاق لا مشعل الدهليز لا موضي البرق لا شمس لا بدرٍ طغى حسنه أنساق لا حصّ ولا ياقوت لا جوهر طلق لا در لا فيروز من علقه ماق بيما نجده يذكر اسم القاضي في صفحة 38 عندما ذكر قصيدة القاضي بالقهوة التي مطلعها: يا مل قلبٍ كل ما التم الأشفاق من العام الأول به دواكيك وخفوق وفي صفحة 105 أورد قصيدة ابن لعبون الشهيرة (سقى صوب الحيا) بدون ذكر صاحب القصيدة التي مطلعها: سقى صوب الحيا مزن تهامى على قبر بتلعات الحجازي يعط بها البختري والخزامى وترتع فيه طفلات الجوازي وغنى راعبيات الحماما على ذيك المشاريف النوازي صلاة الله ربي والسلاما على من فيه بالغفران فازي وكان قد ذكر ابن لعبون في صفحة 65 عندما أورد قصيدته التي مطلعها: يا ركب ما سرتوا بيوسف ليعقوب قبل الفرج ينباج والليل غربيب ومن المغالطات في الديوان أنه أورد قصيدة محمد بن منصور بن ريس (الضلعان) التي مطلعها: قل هيه هلا يا شايبات المحاقيب أقفن من عندي اجداد الأثاري أقفن بالرخصة كما يقفي الذيب لا طالع الشاوي إبليل الغداري إليا كن لسب أذيالهن بالعراقيب رقاصة تبغي بزينه إتماري يا بن رخيص كب عنك الزواريب عمارنا يا بن رخيص عواري لم يذكر اسم شاعرها الريس ووضع لها مقدمة وقصة تخالف لماهو المعروف حيث قال: هؤلاء عرب (أبو الرخيص) غزوا على سبيع يبي ياخذون الإبل يوم أنهم وصلوا العرب وأغاروا عليهم ركبوا عليهم العرب على خيل وجيش وكسروا أبو الرخيص، وضربوا واحد من قوم أبو الرخيص بالتفق وكسروا ساقه طاح بالقاع نخي أبو الرخيص قال لأبو الرخيص نبي نصلبك بالشداد قال ما بي قوة، نخى واحد من أخويائه وقال له فلان يا خوي قام الولد وقعد عند المصيوب جاء أبو الرخيص وقال له نشدّ فلان بالشداد وقال ما يقدر وراحوا خلوه هو وايا -خويه تمثل الولد المصيوب . بينما القصيدة والقصة كما هو معروف عند جميع الروات حدثت أثناء العودة من الحج ولعل أكثر من يوثق هذا ابن الرس فهد المنيع الرشيد الذي ذكرها في ديوان شعراء من الرس الطبعة الرابعة 1407 ه - 1987 م حيث قال: في بداية القرن الثاني عشر الهجري كانت هناك قافلة حجاج من أهالي الرس قادمة على الجمال من بيت الله الحرام بعد أداء فريضة الحج وفي أول الطريق أصيب أحد الركب بمرض الجدري واستمرت القافلة بسيرها والمصاب بصحبتهم وعند منتصف الطريق وعند جبل بلغة ، اشتد المرض على المصاب مما جعل ركوبه على الراحلة متعذراً كلياً فقرر رجال القافلة أن يحمل المريض فيربط بالحبال على أحد الجمال ويكون بصحبتهم حتى يقضي الله في أمره وحيد هذه الفكرة أمير أو رئيس القافلة ويدعى ابن رخيص ولكن البعض الآخر لم يوافق على هذا القرار بل رأى أنه من الضروري ابقائه والجلوس بصحبته في هذا المكان لأن الرباط بالحبال على الراحلة يضر الصحيح فكيف برجل مريض جلده يشبه الزجاجة من حبات الجدري المختلطة مع بعضها في جلده . إن هذا الإجراء لو تم لكان رهيناً بوفاة الرجل وقد قام بطل من هؤلاء الرجال ونذر نفسه بأن يجلس عند هذا المريض حتى يقضي الله في أمره إما بوفاة دون تعزير أو حياة يريدها الله له بسبب هذا الاجراء. وهذا البطل أحد رجالات الرس ويدعى محمد ابن منصور بن ريس حيث جلس مع المصاب في سفح جبل وبين أودية ليس فيها إلا الضباع والذئاب ونظم هذا البطل قصيدة أرسلها مع الركب إلى والدته بالرس حيث أنها لا بد ستسأل عن ابنها الذي لم يصل ضمن صحبه. وعندما برئ المصاب من المرض عاد الاثنان إلى الرض وسمي ابن ريس بعد ذلك ب (أبا الضلعان). تكريماً له على هذا العمل البطولي ولا تزال سلالة المذكور تعرف بهذا الإسم إلى اليوم. وبرغم أهمية الديوان إلا أنه يفقد أدنى أصول الفهرس ويحتاج إلى تحقيق وتنقيح ومراجعة، كما أنه أورد أشياء يُترفع عن نشرها بالإضافة أن هناك تصفيحا أخل بالمعنى كقوله العمل (العم) بركان (بركات) الربيع (الربيعة) الزلفة (الزلفي) شعل (شرط). سعد الصويان ألبرت سوسين الغلاف الخارجي مخطوطة قصيدة حميدان الشويعر - المصدر مكتبة فرنسا الوطنية مخطوطة قصيدة المهادي - المصدر مكتبة فرنسا الوطنية تشارلز هوبر