تُعدّ الأسواق الشعبية واحدة من أبرز الملامح التراثية التي ما زالت تحافظ على حضورها في الذاكرة الاجتماعية والاقتصادية، بوصفها ملتقىً يعيد إلى الأذهان ماضي المكان وحكايات الناس، وامتدادًا لتقاليد متوارثة منذ عشرات السنين. ورغم التحولات العمرانية واتساع المدن، لا تزال هذه الأسواق محتفظة برونقها الخاص، وجاذبيتها التي تجمع بين الماضي والحاضر. وقد حظيت الأسواق الشعبية باهتمام متواصل في ظل ما يشهده الوطن من تنمية وبناء وتطوير في مختلف مناحي الحياة، لما تمثله من قيمة ثقافية واقتصادية، وما تتميز به من خصائص تختلف عن المراكز التجارية الحديثة؛ إذ توفر بيئة مفتوحة للبيع والشراء، وتُسهم في دعم الباعة، لا سيما أن مواقع البسطات غالبًا ما تكون دون أعباء إيجارية، فضلًا عن ارتباطها بتسويق المواشي والمنتجات المحلية. ومن بين هذه الأسواق العريقة، يبرز سوق ثلاثاء يبة بمركز القوز بمحافظة القنفذة، الذي يمتد عمره إلى أكثر من قرن ونصف، وقد حظي باهتمام عدد من الكُتّاب والمهتمين، وتناولته وسائل إعلام متعددة، بوصفه أحد أبرز الأسواق الشعبية في المنطقة. ولا يزال السوق محافظًا على مكانته، حيث يستقطب المتسوقين من مناطق مختلفة، منها جدة ومكة وجازان وعسير والباحة ونجران والحجاز، ويُعرف خصوصًا بنشاطه في تسويق المواشي. وقد شهد السوق توقفًا مؤقتًا قرابة عام 1400ه، نتيجة انحراف الطريق الدولي جدة - جازان عن موقعه القديم، ما جعله بعيدًا عن مسار الحركة الرئيسة. وفي إطار الحرص على استمرار هذا الموروث، جرت جهود أهلية بالتعاون مع الجهات المعنية لإعادة السوق إلى موقع أقرب للطريق الدولي، بما يسهم في استعادة نشاطه ودوره الاقتصادي والاجتماعي. وتمت إعادة السوق في موقعه الحالي بعد تهيئة الأرض المناسبة، وإقامة حفل افتتاح حضره محافظ القنفذة آنذاك وعدد من رؤساء الدوائر الحكومية والمشايخ والأعيان، ليعاود السوق نشاطه بشكل منظم وتحت إشراف مباشر، واستمر عطاؤه -ولله الحمد- إلى يومنا هذا. واليوم، ومع ما تشهده المملكة في ظل رؤية 2030 من عناية بالتراث ودعم للمبادرات التنموية، يظل سوق ثلاثاء يبة نموذجًا حيًا للأسواق الشعبية القادرة على مواكبة التطور، مع الحفاظ على هويتها الأصيلة. ويُعد السوق مصدر رزق لعدد كبير من الباعة، حيث تُعرض فيه مختلف الاحتياجات، إضافة إلى مشاركة الأسر المنتجة، ومنهن النساء اللاتي يقدمن المأكولات الشعبية التي ارتبطت بذاكرة السوق، مثل الخمير، والباذنجان، والسمك، وزيت السمسم. ويعكس هذا الحراك صورة من صور الاقتصاد المحلي المتصل بالمكان والإنسان، ويؤكد أن الأسواق الشعبية ليست مجرد فضاءات للبيع والشراء، بل ذاكرة حية، ومورد رزق، وعلامة من علامات التوازن بين الأصالة والتنمية.