تشير (النظرية النقدية) إلى تيار فكري وفلسفي تشكل في النصف الأول من القرن العشرين، وارتبط تاريخياً بمدرسة فرانكفورت ومعهد البحوث الاجتماعية في ألمانيا. انطلقت هذه النظرية من نقد جذري للمجتمع الرأسمالي الحديث، وللعقل النفعي الذي حوّل المعرفة والعلم والتقنية إلى وسائل للسيطرة بدلاً من التحرر. النظرية النقدية لا تنظر إلى المجتمع بوصفه بيئة محايدة، بل باعتباره فضاءً تحكمه علاقات قوة ونفوذ تتحكم بشكل خفي في المحتوى الثقافي والإعلامي. لذلك، لا تقف النظرية عند الوصف والتفسير، بل تتجاوز ذلك نحو النقد والكشف والسعي إلى تحرير الفرد من سلطة الرأسمالية، معتبرة أن وظيفة النظرية ليست فهم العالم فقط، بل المساهمة في تغييره. تقوم النظرية النقدية على فكرة مركزية مفادها أن المعرفة ذات طابع اجتماعي وتاريخي، وأنها لا تنفصل عن الإيديولوجيا والمصالح. ومن هذا المنطلق رفض مفكروها الحياد المزعوم للعلوم الاجتماعية، ورأوا أن البحث العلمي الذي يتجاهل علاقات السلطة يساهم، عن قصد أو غير قصد، في تكريسها. في هذا السياق، تعاملت النظرية النقدية مع وسائل الإعلام بوصفها مؤسسات ثقافية مركزية في المجتمعات الحديثة، لها دور فعّال في إعادة إنتاج النظام الاجتماعي، وتشكيل الوعي، وتوجيه الإدراك الجمعي. في هذا الخصوص، يحتل مفهوم (صناعة الثقافة) موقعاً محورياً في النظرية النقدية، خاصة في أعمال الناقد الألماني الشهير ثيودور أدورنو وزميله ماكس هوركهايمر. يشير مفهوم صناعة الثقافة عندهما إلى تحول الثقافة في المجتمعات الرأسمالية المتقدمة إلى صناعة تخضع لمنطق الإنتاج والربح، على غرار أي سلعة أخرى. فالفن، والموسيقى، والسينما، والبرامج الإذاعية والتلفزيونية، لم تعد تعبيرات حرة عن الإبداع الإنساني، بل منتجات نمطية ومتشابهة، يتم تصميمها لتلبية متطلبات السوق، وضمان الاستهلاك الواسع، وتقليل التفكير النقدي. وفق هذا التصور، لا تعمل وسائل الاعلام على تنوير الجمهور، بل على تسكينه ودمجه في النظام القائم، من خلال الترفيه، والتكرار، وتطبيع القيم السائدة. يرى أدورنو وهوركهايمر أن صناعة الثقافة تخلق وهماً بالاختيار والتنوع، بينما هي في الواقع تعيد إنتاج المعاني نفسها، وتفرض أنماطاً موحدة من التفكير والذوق والسلوك. وبهذا المعنى، تصبح وسائل الإعلام أدوات للهيمنة الناعمة، حيث يتم ضبط الوعي دون اللجوء إلى القسر المباشر، وعبر تحويل الثقافة إلى آلية امتثال يومي. من جانب آخر، واجهت النظرية النقدية العديد من الانتقادات المنهجية والفكرية، كان من أبرزها اتهامها بالنزعة التشاؤمية والمبالغة في تصوير المجتمع الحديث بوصفه منظومة هيمنة شبه مكتملة لا تترك مجالاً فعلياً للفعل الفردي أو التغيير الاجتماعي. كما انتقدها بعض الباحثين لاعتمادها المكثف على التحليل الفلسفي والنظري على حساب البحث التجريبي، الأمر الذي جعل تطبيقها المنهجي في الدراسات الاعلامية موضع نقاش. كذلك وُجه لها نقد يتعلق بنظرتها الكلية للإعلام والجمهور، حيث يُنظر إلى المتلقين في كثير من الطروحات النقدية بوصفهم خاضعين ومنساقين، دون الأخذ بالاعتبار تنوع السياقات الثقافية، واختلاف أشكال التلقي، وقدرة الأفراد على التفسير والمقاومة. ومع ذلك، تظل النظرية النقدية في الإعلام اطاراً تحليلياً ضرورياً لفهم العلاقة المعقدة بين الإعلام، والثقافة، والسلطة. فهي تكشف كيف تتغير أشكال الهيمنة دون أن تختفي، وكيف يعاد إنتاج السيطرة الرمزية عبر وسائل تبدو في ظاهرها ترفيهية، أو اختيارية، أو محايدة تقنياً. ومن هنا تكتسب النظرية النقدية أهميتها المستمرة في الدراسات الثقافية والإعلامية، بوصفها أداة فكرية قادرة على مساءلة الاعلام المعاصر، وكشف ما يتخفى خلف خطاب الحرية والتعدد والاتصال المفتوح.