في كثير من الخلافات التي نعيشها اليوم، لا تكون المشكلة في الحدث نفسه، بل في الطريقة التي نفهم بها بعضنا. كلمة تُقال على عجل، رسالة تُقرأ بنبرة غير مقصودة، موقف يُفسَّر بغير حقيقته... فتبدأ المسافة بالاتساع، ويبدأ الصمت يأخذ مكان الحوار. أصبحنا نعيش في زمن السرعة؛ نحكم قبل أن نسمع، ونرد قبل أن نفهم، ونغلق الأبواب بدل أن نفتح نافذة للتفسير. ومع كل سوء فهم، نخسر شيئًا من علاقاتنا، دون ضجيج، ودون مواجهة، ودون إدراك لحجم الخسارة إلا بعد فوات الأوان. الخطير في سوء الفهم أنه لا يُحدث صدمة مباشرة، بل يتسلل بهدوء. يغيّر النظرة، ويزرع الشك، ويجعل النوايا الطيبة تبدو وكأنها إساءة متعمدة. ومع تكرار هذا المشهد، يصبح سوء الفهم عادة، ويصبح الاعتذار عبئًا، ويصبح الحوار آخر الحلول بدل أن يكون أولها. نحن لا نحتاج إلى كلمات أكثر، بقدر حاجتنا إلى إنصات أعمق. ولا نحتاج إلى تبرير كل موقف، بل إلى منح الآخرين مساحة حسن الظن، ومساحة الخطأ الإنساني. في المجتمعات الواعية، لا تُقاس قوة العلاقات بعدد الاتفاقات، بل بقدرتها على تجاوز الاختلاف دون أن تنكسر. فالاختلاف طبيعي، لكن القطيعة ليست حلًا، والصمت الطويل ليس حكمة دائمًا. ربما لو أعدنا سؤالًا بسيطًا قبل كل حكم: هل فهمت ما قيل... أم فسّرته بطريقتي؟ لتغيّر الكثير من مسارات العلاقات، ولخفّ حجم الخسائر الإنسانية التي نُراكمها دون أن نشعر. في النهاية، لسنا بحاجة إلى أن ننتصر في كل نقاش، بل إلى أن نحافظ على بعضنا. فالفهم... أحيانًا، هو أعظم أشكال الاحترام.