في عودتها الثانية للكويت عام 1963م وضمن جولاتها المتعددة حول مناطق البدو غادرت الكويت الإنجليزية فيوليت (أم سعود) زوجة المفوض السياسي السابق في الخليج ديكسون متجهة إلى بدو وادي الباطن والمناطق الغربية والجنوبية من حفر الباطن برفقة كل من علي وناصر المري. غادروا مركز التفتيش في (قلمة شايع) وسلكوا طريق حفر الباطن وقبل وصولهم الحفر بنحو ثلاثين ميلاً استوقفتهم سيارة دورية سعودية مكدسة بالرجال المسلحين تركوهم يواصلون سيرهم بعد تفحص أوراقهم. وفي حفر الباطن توجهوا لمبنى الإمارة هناك ثم إلى منزل الأمير الذي كان قد غادر مكتبه وفي منزله الذي بني على الطراز الحديث على مشارف القرية -كما تقول- استقبلهم الأمير فهد بن عبدالواحد بنفسه استقبالاً حاراً وقدم لهم واجبات الضيافة على أرض غرفة الاستقبال البديعة وعندما أخبروه بوجهتهم أعطاهم ورقة توصية وتعريف وسألهم عن لون سيارة الدورية التي استوقفتهم وقال إنها تتبع لمركز الرقعي. ومن حفر الباطن تزودوا بالوقود الكافي مغادرين صوب (أم عشر) غرب حفر الباطن إلا أنهم حادوا الطريق قليلاً إلى (المضر)؟؟ وهناك استراحوا تحت ظل الأشجار وتناولوا بعض العصائر جلبوه بواسطة ثلاجة متنقلة بعدها ساروا عبر طريق منحدر إلى قاع وادي الباطن ومروا بأكثر من مئة شجرة من شجر العشر يمتد تحتها بساط أخضر من الحشائش وحوله قطيع من الأغنام. هذا الكم من أشجار العشر هي التي أعطت للمكان كما تقول اسمه (هجرة أم عشر) ويمكن أن يعثر الإنسان هناك على أعداد متفرقة من هذه الأشجار في الأراضي الرملية في محيطها. عبروا الباطن وسلكوا طريقا يرتفع على الجانب الشرقي فوق وادي عميق ضيق، مغطى ببعض بقايا الأعشاب توقفوا عندها قليلاً قبل ان يأخذهم الدليل باتجاه الجنوب الشرقي ثم استدار إلى المكان الذي يعسكر (ينزله) أل مرّة عندما تركهم وكانوا قد رحلوا عن المكان بالطبع. وعندما سألوا عنهم بعض الرعاة ذكروا بأنهم توغلوا جنوبا إلى (القرعة) وفعلاً عندما بحثوا عنهم وجدوهم هناك قبل غروب الشمس فكانوا مجموعة صغيرة من خمس خيام سوداء كبيرة في صف واحد واثنين آخرين بعيدين قليلاً الى الشرق. وقد غمرت الفرحة الدليل ناصر المري وهتف قائلا: هذه خيامنا وهذه وضحا (أخته) الى الشمال وهناك في الجهة الأخرى إحدى البنات الخمس (مهيوبه) زوجة أخي. وتستطرد (أم سعود) ضمن كتابها أربعون عاما في الكويت قائلة: وسرعان ما كنا هناك حيث أوقفنا السيارة بجوار خيمة مهيوبة حيث تبودلت الكثير من القبلات بين ناصر ومحمد والرجال الذين استقبلوهم وحتى الفتيات أيضاً رفعن براقعهن ونلن قبلات طويلة. وقد دعيت للذهاب لخيمة الشيخ علي بن هندي حيث كانت القهوة تعد بينما يتولى الأدلاء نصب خيامنا البيضاء وإنزال الامتعة، وكان المعسكر مقام على بقعة بديعة عند حافة الرمال الحمراء، حيث تنتشر مجموعات من نبات الخزامى الأرجوانية، وسرعان ما سمعنا انهم لم يكن لديهم ماء حيث تعطلت سيارة نقل الماء منذ خمسة أيام حيث يجري إصلاحها. وبعد تقديم واجبات الضيافة ذهبت الى خيمتي وقد أعد لي الخادم فراشي على الأرض ثم احضر لي قصعة من اللبن الطازج وكانت الرياح قد بدأت تعصف بقوة والرمال تتطاير حولنا وفي حوالي الساعة الحادية عشر جاء ناصر ليحكم أروقة الخيمة وكان الرمل قد بدأ في التسرب إلى داخلها، وعند ذلك شعرت وكأنني أنام داخل صندوق وكان الخوف ينتابني من احتمال أن تسقط الخيمة وتخمد أنفاسي. الا أن ناصر أكد لي انها لن تسقط، وفي حال سقوطها سيهرع لإنقاذي. وعلى أي حال بدأت الرياح تهدأ تدريجياً حتى الصباح الذي كان صافيا وبديعا. وبعد الإفطار أخذنا راشد إلى إبله التي كانت بعيدة عن المعسكر في وادي يعرف باسم زاروق (ربما تقصد زارق) وقد أخذ اسمه من أحد أنواع الثعابين لأنه كانا متلوياً كالثعبان باتجاه وادي الباطن. وفي المكان عثرنا على ناقة وصغيرها وقد حلبت في قصعتي وجلسنا واستمتعنا بشرب الحليب الطازج، كانت الأرض مغطاة بنبات السعدان وهو من النباتات الزاحفة كثيرة العصارة التي كانت الإبل تستمتع بها وقد استمتعت أيضا بمضغ البذور الحلوة النضرة. راعي الناقة الصغير هادي رفض أن يشرب الحليب في البداية حتى ارتوينا وغطت أنوفنا الرغوة. حيث اكتفى بغرف ما تبقى من الرغوة. (يتبع).. عشبة الخزامى رغوة حليب الإبل الإنجليزية فيوليت (أم سعود) تعد القهوة