ترسخ المملكة العربية السعودية موقعها كأكبر لاعب في سوق التمويل الأخضر بالشرق الأوسط، بعد أن بلغت قيمة الإصدارات المرتبطة بالتمويل المستدام والاستثمارات الخضراء نحو 12 مليار دولار خلال العام الجاري، وسط تزايد الطلب العالمي على الاستثمارات البيئية داخل المملكة. وأكد وزير الاستثمار خالد الفالح خلال مشاركته في "مؤتمر التمويل التنموي" بالرياض أن السعودية تمتلك حصة سوقية مهيمنة بفارق كبير في مجال التمويل الأخضر والمتوافق مع المعايير البيئة والاجتماعية والحوكمة، موضحًا أن المملكة تستحوذ على نحو ثلثي السوق على مستوى الشرق الأوسط ككل، وليس فقط دول مجلس التعاون. وفي إطار دعم هذا التوجه، أصدرت وزارة المالية في مارس من العام الماضي إطار التمويل الأخضر الذي يحدد ثمانية مجالات رئيسية للمشروعات المؤهلة للحصول على تمويل من مبيعات "الديون الخضراء"، وتشمل الطاقة المتجددة، ووسائل النقل النظيفة، والمبادرات المخصصة للتكيف مع التغير المناخي في البيئة الصحراوية للمملكة. وأشار الفالح إلى أن المملكة تبنت أهدافًا طموحة يمكن تحقيقها عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي، باستثمارات تُقدر بنحو 30 مليار دولار، تهدف إلى ترسيخ موقع السعودية كمركز عالمي للذكاء الاصطناعي خلال السنوات المقبلة. وفي سياق متصل، أصدرت هيئة السوق المالية هذا العام دليلًا تنظيميًا لإصدارات الديون الخضراء والمستدامة، إلى جانب إنشاء منصة رقمية لتداول أرصدة الكربون ضمن سوق "تداول". وقد نفذت المنصة أكبر مزاد عالمي لتداول أرصدة الكربون حتى الآن. وفي أكتوبر 2022، طرح صندوق الاستثمارات العامة أول سنداته الخضراء عبر ثلاث شرائح، إحداها تمتد لأجل 100 عام، وجذبت طلبات بقيمة 18 مليار دولار. وأكد الفالح في أكتوبر أن المملكة تتقدم بخطى أسرع من المستهدف في مسار خفض انبعاثات الكربون، مشيرًا إلى التزام المملكة بالوصول إلى الحياد الصفري بحلول 2060 عبر استثمار يقارب تريليون دولار في مشروعات البنية التحتية حتى عام 2030 أو بعدها بقليل، مع توقع أن يمول القطاع الخاص ما بين 400 إلى 500 مليار دولار من هذه المشروعات. وقد ارتفعت مساهمة القطاع الخاص في إجمالي الاستثمارات بالمملكة إلى 76% في عام 2024، في الوقت الذي خفّضت فيه الحكومة إنفاقها الرأسمالي المباشر لصالح تمكين الشركات المحلية والعالمية من قيادة المشروعات الكبرى في قطاعات الكهرباء، والتحلية، والموانئ، والمطارات، والخدمات اللوجستية. وأشار الفالح إلى أن مشروعات البنية التحتية الجديدة تعتمد بصورة واسعة على الطاقة المتجددة، مستشهدًا بمشروع وجهة البحر الأحمر الدولية، الذي تم بناؤه وفق معايير المباني الخضراء المعتمدة بنظام الريادة في الطاقة والتصميم البيئي، إضافة إلى مطار بانبعاثات صفرية، وأنظمة تحلية مياه تعمل بالكامل بالطاقة المتجددة. مضيفا أنه ستتم مراعاة معايير الاستدامة والتمويل الأخضر في جميع المشروعات. على صعيد متصل، أعلنت شركة أكوا باور و بابكو إنرجيز عن توقيع اتفاقية تطوير مشترك لتطوير محطة طاقة شمسية كهروضوئية مدعومة بتقنية تخزين الطاقة في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية. جاء الإعلان عن هذه الاتفاقية الاستراتيجية خلال اجتماع مجلس التنسيق السعودي - البحريني الذي عُقد في ديسمبر 2025، واستعرض خلاله التزام الطرفان بالمشاركة في تطوير محطة طاقة شمسية بقدرة إنتاجية متوقعة تصل إلى 2.8 جيجاواط على عدة مراحل. ومن المقرر تصدير كامل الطاقة المنتجة من هذه المحطة إلى مركز الأحمال لشركة بابكو إنرجيز في مملكة البحرين لدعم احتياجات الطاقة الوطنية البحرينية وتسريع تحول اعتماد مملكة البحرين على مصادر طاقة متجددة، ويعزز هذا المشروع عند تنفيذه وتشغيله ريادة المملكة في مجال الطاقة بأن تكون مركزاً لإنتاج وتصدير الطاقة المتجددة، ومساعدة الدول في تحقيق مستهدفاتها في خفض الانبعاثات. يشكل هذا المشروع جزءاً من التزام بابكو إنرجيز باستراتيجية البحرين الوطنية للطاقة، التي تركز على تحسين كفاءة طلب الطاقة، وتنويع مزيج الطاقة الوطني لتشمل الطاقة المتجددة، وضمان وصول الطاقة بصورة آمنة وبأسعار تنافسية، من خلال دعم تدفق الطاقة النظيفة عبر الحدود، كما تعتبر هذه الاتفاقية لبنة أخرى لتعزيز شراكات الطاقة عبر مجلس التعاون الخليجي، وبالنسبة لشركة أكوا باور، فإن هذا المشروع يوسع محفظتها العالمية من أصول الطاقة المتجددة ويعزز ريادتها في دفع عجلة تحوّل الطاقة عبر المنطقة والعالم. على صعيد منفصل، أوضح نائب رئيس مجلس إدارة صندوق التنمية الوطني محمد التويجري أن منظومة الصندوق قدمت أكثر من 52 مليار ريال تمويلات خلال عام واحد، وأسهمت بإضافة 47 مليار ريال للناتج المحلي غير النفطي، إضافة إلى دعم ما يزيد على مليون مستفيد. صندوق التنمية الوطني ويعمل صندوق التنمية الوطني عبر 12 صندوقًا وبنكًا تنمويًا على تمكين القطاعات الحيوية وتحفيز التمويل التنموي، وقد موّل بالفعل مشروعات هيدروجين أخضر بطاقة 3.8 جيجاوات، ومشروعات طاقة شمسية بطاقة 2.6 جيجاوات من خلال 25 جهة إقراض، مع تخصيص 20 % من محفظة الصندوق الصناعي لمشروعات الطاقة المستدامة مثل مشروعات الهيدروجين الأخضر. كما دعم صندوق التنمية السياحي أكثر من 200 مشروع سياحي، فيما موّل صندوق التنمية الثقافي نحو 1500 مشروع ثقافي، وأسهم الصندوق الصناعي في تمويل 400 مشروع. إلى ذلك، دشنّت مدينة الملك سلمان للطاقة (سبارك)، مصنع "سمارت موبيلتي" المتخصص في تصنيع شواحن المركبات الكهربائية، وأول محطة شحن للمركبات الكهربائية في سبارك. ويمثل هذا المشروع خطوة مهمة في تعزيز إستراتيجية توطين الصناعة في المملكة، بما يعزز برنامج "صُنع في السعودية" ضمن سياسات المحتوى المحلي. وأكد الرئيس التنفيذي ل"سمارت موبيلتي" الأمير فهد بن نواف، أن إنشاء المصنع في "سبارك" كان مدروسا ومخططا له إستراتيجيا، وأن شحن المركبات الكهربائية يجب أن يُعامَل كبنية تحتية وطنية، وأن يُطَور بالتوازي مع منظومة الطاقة الكبرى في المملكة. من جهة أخرى، تم صرف أولى دفعات مبادرة "استرداد" لدعم المنشآت السعودية الناشئة لأكثر من 1700 منشأة. وأعلنت الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة (منشآت) الاستمرار في صرف أكثر من دفعة للعام الجاري، إضافة لاستمرار التسجيل والصرف للمنشآت المؤهلة خلال فترة المبادرة. وتشمل المبادرة استرداد المقابل المالي لعشرة من الرسوم والتكاليف المالية، إذ تتضمن إعادة 80 % من المقابل المالي للعامل الأجنبي، ونشر عقد التأسيس، والسجل التجاري، والرخص البلدية، واشتراكات البريد السعودي والغرف التجارية، وتسجيل العلامة التجارية. وتهدف مبادرة "استرداد"، إلى تمكين المنشآت الصغيرة والمتوسطة من تجاوز التحديات التشغيلية في مراحلها التأسيسية؛ وقد استفاد من المبادرة في نسختها الأولى أكثر من 27 ألف منشأة، أسهمت في توفير أكثر من 89 ألف وظيفة، وبلغت نسبة استمراريتها 75 %؛ ما يبرز الأثر المباشر للمبادرة في توفير فرص العمل ودعم النمو والتنويع الاقتصادي. من جهة أخرى، مول صندوق التنمية السياحية السعودي 10 آلاف منشأة في 3 سنوات، بحسب وزير السياحة أحمد الخطيب، موضحًا أن هذه الشركات تمثل جزءًا أساسيًا من هيكل القطاع، وأن 80 % من أنشطة السياحة عالميًا تُدار عبر منشآت صغيرة ومتوسطة. وأشار الخطيب، خلال مؤتمر التمويل التنموي في نسخته الاولى بالرياض، إلى أن القطاع يوظف 10 % من القوى العاملة حول العالم، أي نحو 350 مليون شخص، مع توقعات بارتفاع العدد إلى نحو 500 مليون بحلول عام 2034. وقال إن دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة يوفر فرص عمل مناسبة للشباب والنساء، ما يجعله مساهمًا مباشرًا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. تطرق الوزير لدور القطاع السياحي في تنويع الاقتصاد، مشيرًا إلى أن المملكة تسعى لزيادة مساهمة السياحة إلى ما بين 13% و15% من الناتج المحلي لتصبح ثاني أكبر قطاع اقتصادي بعد النفط. وأوضح أن تعزيز مساهمة القطاع يتطلب رفع قيمة إنفاق الزائر، إلى جانب التوسع في تطوير مواقع جديدة، وتوفير البنية التحتية التي تسمح للقطاع الخاص بزيادة استثماراته.