كثيرًا ما يتردّد السؤال عن مستقبل التعليم في ظلّ التطورات المتسارعة، ولا سيّما بعد بروز ملامح الثورة الصناعية الخامسة التي تمزج بين التقنية والإنسانية. كيف ستبدو مدارسنا في عام 2050؟ سؤال يعكس قلقًا مشروعًا ورغبة في المشاركة بصياغة عالم الغد. فبين مدرسةٍ تقليدية بجدرانٍ وسبّورةٍ وجداولٍ يومية، ومدرسةٍ افتراضيةٍ تحكمها الخوارزميات والروبوتات، يقف جيلٌ كامل من الطلاب على أعتاب تحوّلات جذرية يتساءل فيها عن موقعه ودوره والقيم التي سيتعلّمها في عالمٍ سريع التغيّر. تشير الدراسات الحديثة إلى أن تخطيط مستقبل التعليم غالبًا ما يتم من منظور النخب الأكاديمية وصنّاع القرار، دون إشراك الطلاب أنفسهم في رسم صورة المدرسة القادمة. ففي دراسة نُشرت عام 2025 في مجلة Futures بعنوان Supporting students' construction of future school scenarios، تبيّن أن إشراك الطلاب في تخيّل المدرسة المستقبلية يمنحهم ثقة ودافعية أكبر للتعلّم ويجعل السياسات أكثر واقعية. كما أوضحت أبحاث أخرى مثل Toward Education 2050 (2024) أن المناهج الحالية للتخطيط المستقبلي ما زالت تفتقر إلى المرونة الكافية للتعامل مع تغيّرات التكنولوجيا والمجتمع، فيما عبّرت دراسات حديثة عن مخاوف الطلاب من فقدان البعد الإنساني لصالح الأنظمة الذكية. أمام هذه التحديات، يبرز سؤال جوهري: إذا احتلّت الروبوتات والذكاء الاصطناعي مكان المعلّم، فمن سيعلّم القيم ويفهم المشاعر؟ إن التعليم لا يقوم فقط على نقل المعرفة، بل على بناء الوجدان وتشكيل الشخصية. وهنا تبرز الحاجة إلى إعادة تعريف دور المعلّم ليغدو مرشدًا وملهِمًا للقيم الإنسانية، في حين تتولى الأنظمة الذكية مهام الشرح والتقييم والمتابعة. هذا النموذج الهجين يجمع بين الدقة التقنية والعمق الإنساني، وهو ما دعا إليه تقرير مشترك لليونسكو وجامعة هارفارد بعنوان The Futures of Education for Participation in 2050، حيث أكّد أن المدرسة المستقبلية يجب أن تكون بيئة مفتوحة تجمع بين التكنولوجيا والإنسانية، بين الواقع والافتراض، وبين قيم الاستدامة والابتكار. إن مستقبل التعليم ليس مشهدًا تشاؤميًا كما قد يتصوّر البعض، بل فرصة لإعادة اكتشاف جوهر التعلم بوصفه مشروعًا إنسانيًا قبل أن يكون تقنيًا. فطالبات اليوم اللواتي يحلمن بمدرسة عام 2050 لا يبحثن فقط عن قاعات ذكية أو مختبرات افتراضية، بل عن قيمٍ أعمق: العدالة، الإبداع، والمسؤولية تجاه البيئة والمجتمع. وربما يكون هذا الصوت الطفولي البسيط هو البوصلة الأصدق لواضعي السياسات التعليمية، حتى لا تتحوّل مدارس المستقبل إلى مصانع معلومات بلا روح. فالتعليم في جوهره تربية للإنسان، والروبوت مهما بلغ ذكاؤه لن يعلّمنا كيف نكون بشرًا.