تدخل «رؤية السعودية 2030» مرحلتها الثالثة (2026–2030)، وهي مرحلة حاسمة تتطلب مضاعفة الجهود وتسريع وتيرة الإنجاز لتحقيق الأهداف الطموحة التي وضعتها القيادة الرشيدة. وفي هذا السياق، يبرز القطاع البلدي والإسكان كأحد الركائز الأساسية لتحقيق التنمية المستدامة وتحسين جودة الحياة للمواطنين، تماشيًا مع توجيهات سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حفظه الله، الذي أكد أن الأرقام هي المعيار الحقيقي للتقدم وصنع القرار. الإيرادات غير النفطية: أساس الاستدامة المالية بلغت الإيرادات غير النفطية في ميزانية 2025 نحو 501 مليار ريال، وهو أعلى مستوى في خمسة أعوام، لتغطي 37.5 % من الإنفاق الحكومي البالغ 1.34 تريليون ريال. كما مثلت هذه الإيرادات 46 % من إجمالي الإيرادات البالغة 1.1 تريليون ريال، مقارنة ب7 % فقط في 2011 و27 % في 2015. هذه القفزة تعكس نجاح برامج الإصلاح الاقتصادي ضمن «رؤية السعودية 2030»، وتؤكد أن التنويع المالي أصبح قاعدة صلبة للاستدامة. أما ميزانية 2026، فقد اعتمدت المصروفات العامة عند 1312.8 مليار ريال مقابل إيرادات قدرها 1147.4 مليار ريال، بعجز متوقع يبلغ 165.4 مليار ريال. هذا العجز يظل تحت السيطرة في ظل النمو المتواصل للإيرادات غير النفطية، التي أصبحت مصدرًا رئيسيًا لتمويل المشاريع التنموية، بما في ذلك البلديات والإسكان. القطاع البلدي: محرك للتنمية المحلية خصصت ميزانية 2026 جزءًا كبيرًا من الإنفاق لدعم المشاريع البلدية، بما يشمل تطوير الطرق، تحسين المرافق العامة، وتعزيز الاستدامة البيئية. وقد نجحت وزارة البلديات والإسكان في خفض نسبة المشاريع المتعثرة من 11% إلى 4.5% خلال 2025، وهو إنجاز يعكس قوة المتابعة والحوكمة. كما شهدت المدن السعودية إضافة أكثر من 2.5 مليون متر مربع من المسطحات الخضراء، وإعادة تأهيل 1732 كيلومترًا من الطرق الحضرية، إلى جانب تحسين العقود التشغيلية عبر الانتقال إلى عقود أداء رفعت كفاءة القطاع الخاص. هذه الأرقام تؤكد أن البلديات أصبحت محركًا رئيسيًا لجذب الاستثمارات وتعزيز جودة الحياة. كما أوضح معالي الوزير ماجد الحقيل أن 73 % من سكان المدن يمكنهم الوصول إلى حدائق أو مساحات عامة على بعد لا يتجاوز 800 متر، وأن المخالفات الحضرية انخفضت من 2000 مخالفة لكل كيلومتر مربع إلى 90 فقط بفضل منصة «راصد». كما تم إطلاق 19 واجهة حضرية تعكس الهوية الجمالية لكل منطقة، وإنشاء مركز التفتيش الوطني ومركز الكود الإنشائي لرفع مستوى السلامة والجودة في المشاريع. الإسكان: تحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي يستهدف قطاع الإسكان في ميزانية 2026 ضخ 80 ألف وحدة وأرض سكنية بالشراكة مع المطورين العقاريين، باستثمارات تقارب 70 مليار ريال. كما سيخدم القطاع أكثر من 100 ألف مستفيد من الدعم السكني، بينهم 20 ألف أسرة من الفئات الأشد حاجة ضمن برنامج الإسكان التنموي. وقد بلغ حجم التمويل السكني في المملكة 938 مليار ريال بنهاية الربع الثالث من 2025، فيما وصلت نسبة تملك المواطنين للمساكن إلى 65.4 % في 2024، مع خطة للوصول إلى 66 % في 2026، وتحقيق الهدف الاستراتيجي برفع النسبة إلى 70 % بحلول 2030. كما استفادت أكثر من 1.2 مليون أسرة من برامج الإسكان حتى نهاية 2025، منهم 920 ألف أسرة سكنت منازلها فعليًا. هذه الأرقام تعكس حجم الإنجاز وتؤكد أن الإسكان أصبح أولوية وطنية مدعومة مباشرة من القيادة، بما في ذلك تبرع سمو ولي العهد بأكثر من مليار ريال لدعم برامج الإسكان. كما أوضح معالي الوزير أن برامج الإسكان التنموي مكنت أكثر من 50 ألف أسرة من تملك مساكنها، مع إستهداف توفير 20 ألف وحدة إيجارية جديدة في 2026، وهو ما يعزز المعروض العقاري ويحقق التوازن المطلوب في الأسعار. كما شهدت برامج البناء للتأجير توقيع أكثر من 20 ألف عقد، مع استمرار وزارة البلديات والإسكان في ضخ أكثر من 60 ألف وحدة لهذه البرامج، وأكثر من 100 ألف وحدة للبيع على الخارطة في 2026. كما حصل أكثر من 250 ألف مواطن على ضمانات بنكية لتجاوز تحديات القبول. الابتكار العقاري والتحول الرقمي شهد عام 2025 إتمام أول عملية ترميز عقاري لصك ملكية في المملكة، وهو ابتكار تنظيمي عالمي يمكّن من تحويل الملكيات الكبيرة إلى وحدات رقمية قابلة للتداول، ما يوسع قاعدة المستثمرين ويزيد من سيولة السوق. كما تستهدف وزارة البلديات والإسكان التوسع في مشاريع استراتيجية المدن الذكية وتحويل خدمات القطاع البلدي والسكني إلى «ذكية»، من خلال استخدام التقنيات الرقمية وإنترنت الأشياء لتوفير الخدمات المعززة للازدهار الاقتصادي والاستدامة البيئية، والإشراف الحكومي الفاعل، وأن يعتمد 30 % من عملياتها على الذكاء الاصطناعي بحلول 2026، مع تحقيق وفورات تصل إلى 2.5 مليون ساعة عمل عبر الأتمتة. التحديات والفرص رغم وجود تحديات مثل الحاجة إلى تمويل كبير خاصة مع التوسع في المدن الذكية والمستدامة، والمشاريع والمبادرات في مختلف القطاعات من المواقف والأنظمة الذكية للمحافظة على البيئة، والتخلص من النفايات، إلى الإسكان والإدارة المجتمعية الذكية، وتحسين المشهد الحضري، وأيضاً الحاجة إلى مواجهة البيروقراطية لتحسين كفاءة القطاع الحكومي في تنفيذ المشاريع بسرعة وفعالية، إلا أن الأرقام تكشف أن الفرص أكبر بكثير. فانخفاض نسبة تعثر المشاريع البلدية، ارتفاع نسبة تملك المساكن، وضخ عشرات المليارات في برامج الإسكان كلها مؤشرات على أن المملكة تسير بخطى ثابتة نحو تحقيق أهدافها. وفي الختام، مع دخول «رؤية السعودية 2030» مرحلتها الثالثة، يقف القطاع البلدي والإسكان أمام فرصة تاريخية لتحقيق نقلة نوعية في التنمية المحلية وجودة الحياة. الأرقام الواردة في ميزانية 2026 -من 1312.8 مليار ريال مصروفات، و1147.4 مليار ريال إيرادات، و70 مليار ريال استثمارات إسكانية، إلى 65.4 % نسبة تملك المساكن- كلها تتحدث بوضوح عن حجم الإنجاز والتحدي. إن الاستثمار في البنية التحتية والإسكان ليس مجرد إنفاق مالي، بل هو استثمار في الإنسان السعودي وفي مستقبل المملكة. ومع توجيهات سمو ولي العهد بمضاعفة الجهود، نتوقع أن تشهد المرحلة القادمة إنجازات غير مسبوقة، تكرس مكاسب التحول الوطني للأجيال القادمة، وتجعل المملكة نموذجًا عالميًا في التنمية المستدامة.