يُعَدّ التحدث بالجوال بصوت عالٍ في الأماكن العامة من أكثر السلوكيات المزعجة التي انتشرت في السنوات الأخيرة مع الاستخدام الواسع للهواتف المحمولة في مختلف شؤون الحياة. وعلى الرغم أن الهاتف جاء ليكون وسيلة تواصل سهلة وسريعة، إلاّ أن سوء استخدامه يحوله أحياناً إلى مصدر إزعاج وإحراج وانتهاك لخصوصية الآخرين، خاصةً حين يرفع البعض أصواتهم بشكل مبالغ فيه أثناء المكالمات في أماكن يفترض أن يسود فيها الهدوء والاحترام. وحين يتحدث شخص بصوت مرتفع عن تفاصيل حياته الخاصة في مكان عام كوسائل النقل أو صالات الانتظار أو المصاعد أو المرافق الخدمية، فإنه يُجبر الآخرين -رغماً عنهم- على سماع حوار لا علاقة لهم به ولا يريدونه، مما يكسر مبدأ الخصوصية الذي يعد حقاً أصيلاً لكل فرد. وتمتد هذه السلبية لتشمل تأثيرها الواضح على الجو العام، خاصةً في الأماكن المغلقة، ففي المصاعد على سبيل المثال، وهي أماكن ضيقة ومزدحمة، يصبح أي صوت مرتفع مصدر إزعاج مضاعف بسبب ارتداد الصوت وضيق المساحة، وفي صالات الانتظار في المستشفيات والمصارف والمراكز الخدمية يجد الناس أنفسهم مضطرين للجلوس لفترات قد تكون طويلة في جو يتطلب الهدوء والتركيز والراحة، لكن وجود شخص يتحدث عبر الهاتف بصوت مرتفع يحول المكان إلى مساحة متوترة تقل فيها راحة الجالسين وتزيد فيها حالة الانزعاج بشكل ملحوظ. ويظهر هذا السلوك بشكل واضح في وسائل النقل المختلفة، حيث يتوقع الركاب احترام بعضهم البعض وعدم الإخلال بجو الرحلة، فالراكب الذي يجلس بجوار شخص يتحدث هاتفياً بصوت مرتفع يجد صعوبة في النوم أو القراءة أو الاسترخاء. والمُلفت في هذه الظاهرة أن معظم من يرفعون أصواتهم أثناء المكالمات لا يدركون أنهم ينتهكون خصوصياتهم قبل خصوصيات الآخرين، فالكثير منهم يتحدث في أمور شخصية جداً أمام غرباء لا يعرفونهم ولا يثقون بهم، وهذا قد يعرضهم لمواقف محرجة أو مشكلات أو استغلال لمعلوماتهم دون قصد منهم. هذه المشكلة ليست مسؤولية الجهات التنظيمية فقط، بل هي مسؤولية فردية تبدأ من وعي الإنسان بذاته وبمن حوله، فالمجتمع الراقي يُبنى من خلال احترام كل فرد للمساحة العامة ولراحة الآخرين، والتزامه بسلوك حضاري ينسجم مع المكان والزمان.