يُعد قصر شبرا أحد أبرز المعالم التاريخية في مدينة الطائف، وواحدًا من أهم الشواهد العمرانية التي رافقت مراحل التحول السياسي والاجتماعي في المملكة منذ أكثر من 120 عامًا، فهذا القصر الذي يزداد جماله كلما تعاقبت عليه السنين، بدأ تشييده في عام 1323ه (1904م) بأمر من الشريف علي باشا بن عون، واستغرق عامين من العمل المتواصل حتى اكتمل في عام 1324ه (1906م)، ليصبح لاحقًا رمزًا معماريًا وثقافيًا يحتل مكانة خاصة في ذاكرة أهالي الطائف وزوارها.تميّز القصر منذ بدايته بطرازه الفريد الذي جمع بين الأسلوبين الإسلامي والروماني في تناغم دقيق قلّ أن يوجد في مبانٍ أخرى في المنطقة خلال تلك الحقبة. فواجهاته المزينة بالمشربيات والأقواس والزخارف الإسلامية، تتكامل مع الأعمدة الرخامية والنوافذ الواسعة ذات الطابع الأوروبي، في صورة معمارية جذابة جعلت من القصر تحفة فنية قائمة بذاتها. وقد سُمّي "شبرا" نسبةً إلى قصر شبرا في القاهرة، لما يحمله من تشابه واضح في التصميم وروح البناء. ويضم القصر أربعة طوابق تتوزع فيها قاعات واسعة وغرف متعددة الاستخدام، إضافة إلى السلالم الرخامية الشهيرة التي تعد من أجمل عناصره المعمارية. كما يتوسط القصر فناء داخلي يمنحه خصوصية تصميمية لطالما كانت موضع إعجاب زواره. ويقع القصر على أحد أوسع شوارع الطائف الرئيسة، وهو شارع شبرا الذي استمد اسمه من وجود هذا المعلم التاريخي العملاق. ومع دخول الطائف في المرحلة السعودية، اكتسب القصر أهمية جديدة جعلته جزءًا من المسار السياسي للدولة. فقد استخدمه الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود -طيب الله ثراه- منزلًا صيفيًا له ولأسرته، نظرًا لما تتمتع به الطائف من طقس معتدل وجمال طبيعي جعلها محطة موسمية مهمة لإدارة شؤون الحكم. وخلال تلك الفترة، شهد القصر اجتماعات ولقاءات تاريخية وقرارات مهمة كانت جزءًا من بدايات تأسيس الدولة الحديثة. وفي مرحلة لاحقة، أولى الملك فيصل بن عبدالعزيز -رحمه الله- القصر أهمية إضافية حين جعله مقرًا لرئاسة مجلس الوزراء خلال فصل الصيف، فكان المكان الذي تُناقش فيه القضايا الوطنية الكبرى، ويستقبل الوفود الرسمية، ويشهد على مرحلة من أكثر مراحل المملكة نشاطًا إداريًا وتنظيميًا. هذا الاستخدام الرسمي عزز قيمة القصر بوصفه نقطة محورية في إدارة الدولة، وليس مجرد مبنى تاريخي فحسب. ومع تطور المؤسسات الحكومية، انتقل القصر ليكون مقرًا تابعًا ل وزارة الدفاع والطيران لسنوات عدة، قبل أن يُتخذ قرار بتحويله من منشأة إدارية إلى معلم تراثي يحتضن تاريخ الطائف. وفي عام 1415ه – 1995م افتُتح القصر رسميًا كمتحف إقليمي لمحافظة الطائف، ليبدأ مرحلة جديدة من حياته، وليصبح محطة أساسية للباحثين والمهتمين بتاريخ الحجاز وتراث المملكة. ويضم المتحف اليوم عشرات القطع الأثرية والصور والوثائق التي تعكس تاريخ المنطقة، كما يستقبل آلاف الزوار سنويًا، مما يجعله عنصرًا مهمًا في المشهد السياحي والثقافي، خصوصًا في ظل توجه المملكة لتعزيز دور المتاحف والهوية العمرانية ضمن رؤية 2030. وقد خضع القصر لأعمال ترميم متتالية للمحافظة على أصالته وإعادة إحياء تفاصيله التي طالما جذبت الأنظار، ويعد القصر فصلا كاملا من تاريخ الطائف، وذاكرة معمارية وسياسية وثقافية تعكس بدايات الدولة السعودية وتحولات الزمن، وما زال يروي قصصه عبر جدرانه وأروقته وممراته، محافظًا على حضوره بوصفه واحدًا من أجمل وأهم معالم الطائف على الإطلاق.