لم يكن إعلان منصة "إكس" عن إظهار الموقع الجغرافي للحسابات الشخصية حدثًا مفاجئًا بالنسبة لنا كسعوديين بقدر ما كانت المفاجأة مدوية وصادمة خارج حدود الوطن وخاصة للمنضوين والمسخرين لإدارة تلك الحسابات التي بدا في ظاهرها أنها خاصة بمعرفات سعودية، لأن المواطن السعودي كان يقرأ تحولات الخطاب الرقمي ببصيرته قبل أن تكشفها سياسة المنصة مؤخّرًا. والحقيقة أن هذا الوعي لم يكن من وحي الصدفة، ولكن جرت تداعياته من خلال خبرة طويلة أمضاها السعوديون مع الاحتكاك اليومي بالفضاء الرقمي وفهم دقيق لسلوك المنصات وتقلبات الخطاب العام من خلالها، أدت إلى كشف أي حساب وهمي يحاول تأليب الرأي العام أو التحدث بلسان وطني، فهم يميزون بمفهومهم بين ما هو حقيقي وما هو منتحل. وهو ما يؤكد أن التفكير الناقد صار منهجًا سعوديًا في فرز ما هو وهمي وغير حقيقي، تشكل مع مرور الزمن وبفعل بيئة رقمية تتطلب الوعي والتحليل وقراءة ما خلف الكلمات ، من خلال سياقها وتاريخها وظرفها وطريقة عملها. والحقيقة أن الوعي الذي صاغه المجتمع جعله قادرًا على رؤية التحولات قبل أن تكون، وعلى تحليل مقدماتها قبل أن تتحول إلى قرار تنتهجه المنصة، وهو ما يشكل جوهر التفكير الناقد في نسخته السعودية الذي ظهر كتفكير هادئ، وواعٍ لا يمر عليه شيء دون تفكيك وفهم وإدراك، ما مكن من تعزيز التماسك الاجتماعي، وبالتالي الحماية من الوقوع في فخ التضليل الذي شرعته المعرفات الوهمية، فاستقراء الواقع والخطاب وتحليله، كشف المستور وأكد أن الوعي السعودي لم يعد قابلاً للاختراق.