المجلس العالمي لمخططي المدن والأقاليم يختتم أعماله    المؤتمر العربي رفيع المستوى يدعو إلى تعزيز حماية الأطفال    اعلان مواعيد زيارة الروضة الشريفة في المسجد النبوي    "توكلنا" يحقق جائزة أفضل تطبيق حكومي عربي ذكي    ارتفاع أسعار النفط في ختام التعاملات    الجامعة الإسلامية تمدد فترة القبول في برامج الدراسات العليا    التوصل لإنتاج دواء جديد لعلاج مرض باركنسون "الشلل الرعاش"    هيئة الأدب والنشر والترجمة تنظّم مؤتمر الرياض الدولي للفلسفة 2025    أمين جازان يتفقد مشاريع الدرب والشقيق    كولينا : استخدام (فار) في احتساب الضربات الركنية لن يعطل المباريات    أمير تبوك يستقبل معالي وزير التعليم ويدشن ويضع حجر الأساس لمشروعات تعليمية بالمنطقة    جمعية سفراء التراث تحصد درجة "ممتازة " في تقييم الحوكمة لعام 2024    تهامة قحطان تحافظ على موروثها الشعبي    الدفاع المدني يحتفي بيوم التطوع السعودي والعالمي 2025م    رصد مسيرات بالقرب من مسار رحلة زيلينسكي إلى دبلن    واشنطن تستضيف قرعة كأس العالم 2026 اليوم    ملامح الخليج القادم    ب 56 ميدالية .. السعودية تتصدر العالم في بطولة كمال الأجسام    وزير التعليم يؤكد استمرار تطوير التعليم في تبوك وتعزيز البنية الرقمية وتهيئة البيئة التعليمية    هدف متأخر يقود سوريا لتعادل مثير مع قطر في كأس العرب    من ذاكرة الطفولة    بدأ العد التنازلي.. أقل من 30 يومًا تفصلنا عن انطلاق رالي داكار السعودية 2026    أمير جازان يؤدي واجب العزاء لأحد أفراد الحماية في وفاة شقيقته    معركة الرواية: إسرائيل تخوض حربا لمحو التاريخ    منتدى القطاع غير الربحي الدولي بالرياض.. خارطة طريق لتعزيز الاستدامة والابتكار في القطاع    غداً .. "الأخضر تحت 23 عاماً" يفتتح مشواره بمواجهة البحرين في كأس الخليج    سفير المملكة في الأردن يرعى حفل ذوي الإعاقة في الملحقية    نائب أمير الشرقية يطلع على عدد من الجوائز والاعتمادات العالمية لتجمع الشرقية الصحي    وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية يرعى حفل الجائزة الوطنية للعمل التطوعي    السعودية تسجل رقما عالميا في موسوعة غينيس كأكبر عدد من المشاهدين لدروس مباشرة عن التطوع    مفتي عام المملكة يستقبل الرئيس التنفيذي لهيئة الإذاعة والتلفزيون    نوفمبر دوري يلو".. غزارة تهديفية في 4 جولات    انطلاق العرض الدولي ال8 لجمال الخيل العربية الأصيلة في ال9 من ديسمبر الجاري بالرياض    الهيئة العامة للمحكمة الإدارية العليا تقرر اختصاص المحاكم الإدارية بنظر الدعاوى المتعلقة بمزاولة المهن الصحية    مفردات من قلب الجنوب ٣١    أمير منطقة تبوك يكرم المواطن فواز العنزي تقديرًا لموقفه الإنساني في تبرعه بكليته لابنة صديقه    أكد معالجة تداعيات محاولة فرض الأحكام العرفية.. رئيس كوريا الجنوبية يعتذر عن الأخطاء تجاه «الشمالية»    برعاية خادم الحرمين..التخصصات الصحية تحتفي ب 12,591 خريجا من برامج البورد السعودي والأكاديمية الصحية 2025م    1.3 مليار ريال للبنية التحتية والكهربائية ل«قمم السودة»    مقتل آلاف الأطفال يشعل الغضب الدولي.. العفو الدولية تتهم الدعم السريع بارتكاب جرائم حرب    سمر متولي تشارك في «كلهم بيحبوا مودي»    معرض يكشف تاريخ «دادان» أمام العالم    الناتو يشعل الجدل ويهدد مسار السلام الأوكراني.. واشنطن وموسكو على حافة تسوية معقدة    آل حمدان يحتفل بزواج أحمد    تعاون سعودي – كيني لمواجهة الأفكار المتطرفة    في ذمة الله    صيني يعيش بولاعة في معدته 35 عاماً    ابتكار علاج صيني للقضاء على فيروس HIV    الكلية البريطانية تكرم الأغا    هرمونات تعزز طاقة المرأة العاملة    قمة خليجية- إيطالية في البحرين لترسيخ الشراكة    افتتاح متحف زايد الوطني في أبوظبي    إقحام أنفسنا معهم انتقاص لذواتنا    لم يكن يعبأ بأن يلاحقه المصورون    الطلاق الصامت.. انفصال بلا أوراق يُربك الأسرة    القيادة تعزي رئيس سريلانكا في ضحايا إعصار ديتواه الذي ضرب بلاده    أضخم منصة عالمية للاحتفاء بالحرف اليدوية.. «الثقافية» تمثل السعودية بمعرض أرتيجانو آن فييرا    رجل الدولة والعلم والخلق الدكتور محمد العقلاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المملكة.. قوة إبداعية عالمية
نشر في الرياض يوم 04 - 12 - 2025

في سجل الأمم المتحفز للقفز نحو المستقبل، هناك لحظات يتجاوز فيها الإنجاز مجرد تحقيق الأهداف ليصبح بياناً فلسفياً عن قدرة الروح الوطنية على التسامي فوق التحديات.
كانت هذه الأرض، مهد الحضارات ونقطة التقاء الثقافات، ودائماً منبعاً للسرد العظيم، واليوم، لا تكتفي المملكة باستعادة هذا المجد الضارب في الجذور، بل تعمل على دمج عبق الماضي بومض المستقبل، محولةً تراثها الغني إلى وقود لنهضة عصرية غير مسبوقة.
إن هذه المسيرة ليست مجرد خطط اقتصادية مرسومة على الورق، بل هي سرد عظيم للتحول، يضع العقل البشري، والملكية الفكرية، والموهبة الفردية في صميم المعادلة التنموية، يعكس ذلك الأرقام القياسية المتوالية التي تسجلها المملكة في «موسوعة غينيس» التي أضحت شواهد دامغة على أن الريادة لم تعد تُقاس فقط بإنتاج الموارد التقليدية، بل بالقدرة على إطلاق العنان للإبداع، وتحويل الأفكار إلى إنجازات عالمية غير مسبوقة، فهذا الإنجاز المتراكم يؤكد أن المملكة تتخذ من الاقتصاد الإبداعي بوابة لعبور آمن نحو مستقبل مستدام، هدفها النهائي ليس مجرد رقم يُسجل، بل خلق بيئة خصبة للازدهار الفكري والمعرفي تضمن ألا يبقى أي طموح بلا سقف.
ثروة العقول.. الاقتصاد الإبداعي كخيار إستراتيجي
يُمثل «الاقتصاد الإبداعي»، أو ما يُعرف دولياً باسم «الاقتصاد البرتقالي»، جوهر الاقتصادات المتقدمة والتوجه العالمي الجديد للثروة، لذا فإن هذا المفهوم الاقتصادي يرتكز على دورات إنشاء وإنتاج وتوزيع السلع والخدمات التي تتخذ من رأس المال الفكري والملكية الفكرية مدخلاً أساسياً بدلاً من الاعتماد المفرط على الموارد المادية التقليدية، فالقيمة هنا لا تُستمد من باطن الأرض، بل من أصالة الفكرة وعبقرية التصميم التي يضيفها العنصر البشري، هذا الاقتصاد الواسع يتسع ليشمل كل الأنشطة التي تتغذى على الفن، والثقافة، والتصميم، والتكنولوجيا، ويهدف إلى توليد الثروة والوظائف من خلال الإبداع المنظم والممنهج.
الأهم في السياق السعودي هو أن الاقتصاد الإبداعي يخاطب ود الدول التي تمتلك مخزوناً ثقافياً وتراثياً وحضارياً كبيراً، كالمملكة. هذا الربط يخلق ميزة تنافسية فريدة؛ إذ يتم دمج الأصالة والعراقة التاريخية مع التقدم التقني المتسارع.
وتتعامل رؤية المملكة مع هذا الاقتصاد كإطار شمولي للتنمية الشاملة، تتنوع قطاعاته لتشمل محاور حيوية، تبدأ ب التراث والحرف اليدوية كصناعة ذات قيمة مضافة، مروراً ب الترفيه والمهرجانات الكبرى التي تُعد مُحركاً للنمو، ولا تُغفل الفنون البصرية والمسرحية، والإعلام وصناعة الأفلام، والتصميم الجرافيكي والأزياء، كما أن هذا الاقتصاد يشمل جوهر التطور التقني مثل تطوير الألعاب الإلكترونية، والبرمجة المتقدمة، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، والابتكار الهندسي والمعماري في المشاريع العملاقة.
إن الاستثمار في هذه القطاعات هو استثمار مباشر في خلق فرص عمل نوعية قائمة على المهارات المحلية وتعزيز الهوية الثقافية للمملكة.
«غينيس».. تحويل الإنجاز إلى حافز اقتصادي وإعلامي
إن تحويل الإنجازات الوطنية إلى أرقام قياسية عالمية معترف بها في موسوعة غينيس لا يُنظر إليه في إطار الرؤية الجديدة كعمل عابر، بل هو أداة إستراتيجية وإعلامية بالغة الأهمية، حيث إن عملية الدخول إلى الموسوعة تفرض التزاماً لا يقبل التهاون بمعايير عالمية صارمة في التصميم، والتنفيذ، والتوثيق، مما يدفع المؤسسات والكوادر السعودية إلى تبني ثقافة الابتكار الممنهج والسعي الدائم للتميز المطلق، وهي ذات السمات التي يتطلبها الاقتصاد الإبداعي.
تؤثر هذه الأرقام القياسية بشكل مباشر على النمو المحلي لأنها ترتبط بتحويل الإبداع إلى قيمة معترف بها عالمياً، وعندما يسجل مشروع إبداعي سعودي رقماً قياسياً، فإنه يحصل على تسويق إعلامي لا يُقدر بثمن، مما يرفع من قيمته السوقية والترويجية عالمياً ويُعزز السياحة الإبداعية التي تبحث عن التجارب الفريدة والمنشآت التي تكسر الأرقام، كما أن هذا الإنجاز يحفز على حماية الملكية الفكرية لهذه الابتكارات بشكل مكثف، ويشجع على رعاية المواهب الفردية التي هي رأس مال بشري لا ينضب، فالمسار الممنهج يرسخ مبدأ أن التنافسية العالمية للمملكة لن تُبنى إلا على أساس الابتكار والملكية الفكرية.
الأرقام القياسية السعودية..
سجل عبقرية التنوع والريادة
إن سجل الأرقام القياسية السعودية في موسوعة غينيس، الذي تجاوز ال 130 رقماً، هو الدليل الأكثر وضوحاً على التنوع المنهجي في إستراتيجية الابتكار عبر جميع محاور الاقتصاد الإبداعي. إن الإنجاز لم يعد مقتصراً على قطاع واحد، بل امتد ليشمل قفزات نوعية في مجالات متكاملة:
* الهندسة المعمارية والإبداع العمراني:
تُظهر الأرقام القياسية في هذا المحور القدرة السعودية على تحدي المألوف في التصميم والبناء، مما يضع المملكة في مقدمة الدول التي تقود الابتكار في البنية التحتية، فيبرز مسرح مرايا في العلا كأكبر مبنى مغطى بالمرايا في العالم، وهو نموذج مذهل للاندماج بين الفن والهندسة المستدامة، محولاً منطقة العلا التراثية إلى مركز إبداعي معماري عالمي، وهذا يُعتبر استثماراً مباشراً في السياحة الإبداعية، وإلى جانب ذلك، تُشير الأرقام القياسية المسجلة ل أكبر ساعة على برج (أبراج البيت في مكة المكرمة)، ول أكبر قبة جيوديسية بلا أعمدة (سوبردوم جدة)، إلى الكفاءة السعودية في إدارة وتنفيذ المشاريع الإنشائية العملاقة التي تتطلب حلولاً إبداعية ومعمارية غير مسبوقة، مما يرفع من جودة قطاع المقاولات والتصميم.
-الابتكار في التقنية والبنية التحتية الذكية:
تؤكد الإنجازات في هذا الجانب على الريادة في الاقتصاد الرقمي وتطبيقاته العملية، من هنا يكون توثيق أكبر شبكة مترو بدون سائق في العالم (مترو الرياض ( كواحد من أهم الإنجازات التقنية التي تعكس التخطيط الحضري المتقدم وترسيخ مكانة المملكة كمركز للتقنيات الذكية في النقل والمواصلات، كما أن الأرقام القياسية المرتبطة بالترفيه التقني، مثل تسجيل أكثر نسخ هولوغرام متشابهة ومتزامنة لإنسان في الفعاليات الفنية، يبرز التطور في صناعة المحتوى الرقمي المبتكر والإعلام التفاعلي.
* اقتصاد الفضاء كنموذج إبداعي ناجح:
يُعد قطاع الفضاء نموذجاً رائداً في الاقتصاد الإبداعي القائم على المعرفة، ويبقى نجاح إطلاق الأقمار الصناعية الصغيرة، مثل «روضة سكوب» و»أفق»، التي صُممت بالكامل بأيادٍ طلابية ضمن مسابقة «ساري»، ليس مجرد نجاح تقني، بل هو إنجاز إبداعي خالص يرسخ مكانة المملكة في سوق الخدمات الفضائية العالمية، فهذا النوع من الإنجازات يشجع الجامعات على أن تصبح محركات لتوليد الملكية الفكرية بدلاً من مجرد كونها مراكز للتعليم النظري، مما يضمن تدفق الابتكارات الوطنية إلى هذا القطاع الحيوي.
* الثقافة والترفيه والفنون:
في هذا المحور، عملت المملكة على دمج إحياء التراث مع متطلبات الترفيه المعاصر، فالأرقام القياسية المسجلة في مهرجانات الإضاءة الفنية - مثل ألمع زينة مضيئة معلقة- وفي الفنون التراثية الكبرى، تساهم في إحياء التراث وتقديمه للعالم بطريقة إبداعية تدمج الأصالة بالمعاصرة، مما يرفع من قيمة الحرف اليدوية والفنون البصرية كمنتجات اقتصادية وسياحية تنافسية، ليؤكد هذا المزيج على أن صناعة الترفيه السعودية أصبحت محفلاً للإبداع المحلي ومنافساً إقليمياً وعالمياً.
السينما والألعاب الإلكترونية.. بناء المحتوى الرقمي المربح
تُعد صناعة السينما والألعاب الإلكترونية أبرز قطاعات الاقتصاد البرتقالي التي تشهد نمواً هائلاً في المملكة، فمن جهة، يمثل قطاع الألعاب الإلكترونية ورياضاتها سوقاً استهلاكياً ضخماً محلياً، وتسعى المملكة لتحويله إلى مركز إنتاج وتطوير عالمي من خلال دعم إستوديوهات الألعاب المحلية وتطوير البنية التحتية الرقمية. الاستثمار هنا يذهب مباشرة إلى رأس المال الفكري المتخصص في البرمجة وتصميم البيئات الافتراضية.
ومن جهة أخرى، تشهد صناعة السينما قفزات نوعية بدعم من هيئة الأفلام وصندوق التنمية الثقافي، مع إنتاج محتوى سينمائي ودرامي سعودي يروي قصصاً محلية قادرة على المنافسة في المهرجانات العالمية، مما يخلق حاجة ملحة للمخرجين، والكتاب الإبداعيين، والفنيين، ويضمن أن تكون القصص السعودية مصدراً للملكية الفكرية المربحة.
الثقافة والأدب.. توسيع السوق المعرفي عبر الترجمة
يُركز الاقتصاد الإبداعي أيضاً على الأصول غير الملموسة ك الأدب والنشر والترجمة. إن الاستثمار في صناعة الترجمة ليس عملاً ثقافياً فحسب، بل هو استثمار اقتصادي في رأس المال المعرفي. فترجمة المحتوى الفكري والأدبي من وإلى اللغة العربية تفتح أسواقاً جديدة للمحتوى السعودي وتتيح للمواهب المحلية الوصول إلى منصات عالمية، وتساهم في إثراء المحتوى المحلي لمراكز البحث والجامعات. هذا التوسع يعزز دور النشر كأداة اقتصادية ويحفز كتّاب السيناريو والمحتوى على توليد ملكية فكرية جديدة، مما يعكس أهمية اللغة والثقافة كجسر للتواصل الاقتصادي، ليضمن هذا القطاع أن يبقى الجانب الفكري والمعرفي من الاقتصاد الإبداعي متجذراً ومتنامياً.
برامج الموهوبين.. استثمار العبقرية
من المدرسة إلى السوق
لضمان استدامة تدفق الابتكار، تبني المملكة جسراً متيناً يربط التعليم بسوق العمل عبر برامج تدريب الموهوبين المتخصصة. هذه البرامج، التي تبدأ من المراحل المدرسية وتتطور في الجامعات، تركز على مجالات الصناعات الرقمية المتقدمة كالذكاء الاصطناعي، الأمن السيبراني، وتصميم الأقمار الصناعية الصغيرة (مثل مسابقة «ساري» التي أنتجت فائزين في غينيس)، ليظل الهدف الأسمى هو تزويد الطلاب بالمهارات التطبيقية المطلوبة في اقتصاد المستقبل، وتحويلهم من متلقين للمعرفة إلى منتجين للحلول، مما يضمن أن تكون كل دفعة خريجين جاهزة للمساهمة الفعالة في الاقتصاد الإبداعي القائم على المعرفة. هذا الاستثمار في البنية التحتية البشرية هو ما يضمن استمرار كسر الأرقام القياسية في المستقبل.
الحجم العالمي..
للاقتصاد الإبداعي كقوة اقتصادية ضخمة
إن الإقبال السعودي على تطوير قطاعات الإبداع ليس مجرد طموح محلي، بل هو انخراط واعٍ في تيار اقتصادي عالمي هائل الحجم. تُشير الإحصاءات الدولية الصادرة عن منظمات مثل اليونسكو والأونكتاد إلى أن الاقتصاد الإبداعي يُعد أحد أسرع القطاعات نمواً في العالم، متجاوزاً قيمة تريليوني (2,000,000,000,000) دولار أمريكي سنوياً في التجارة العالمية، ويُسهم بأكثر من 7 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. هذه الأرقام الضخمة تؤكد أن العوائد المادية للإبداع والتكنولوجيا توازي عوائد قطاعات تقليدية ضخمة، كما أن هذا الاقتصاد يوفر ما يقارب 30 مليون وظيفة على مستوى العالم، أغلبها من نصيب الفئة الشابة والمؤهلة. وبالتالي، فإن الاستثمار السعودي المكثف في هذا القطاع، والموثق بأرقام قياسية عالمية، يُترجم إلى محاولة جادة للاستحواذ على حصة فاعلة في هذا السوق المستقبلي المربح، والتحول من مستهلك للإبداع إلى مصدر له، مما يعزز مكانة المملكة كلاعب رئيس في حركة التجارة العالمية القائمة على المعرفة والملكية الفكرية.
التصميم الجرافيكي والأزياء.. أصالة بروح الابتكار
يمكننا التوسع في قطاع التصميم، الذي يُعد جسراً حقيقياً بين الفن والصناعة. ففي المملكة، تشهد مجالات التصميم الجرافيكي وتصميم الأزياء قفزة نوعية بدعم من المبادرات الثقافية. لا يقتصر الأمر على مجرد تلبية الذوق المحلي، بل يمتد إلى استثمار التراث الغني في الأزياء والمخطوطات والمشغولات اليدوية، كالسدو والزخارف النجدية، وإعادة تقديمها بلمسة عصرية مبتكرة، هذا القطاع هو مثال حي على كيفية تحويل الأصول الثقافية غير الملموسة إلى منتجات تجارية ذات جاذبية عالمية.
إن المصمم السعودي الذي ينجح في دمج الزخرفة المحلية بتقنيات التصميم الرقمي أو في تصنيع أزياء مستدامة ومبتكرة، لا يسجل إنجازاً فنياً فحسب، بل يساهم بشكل مباشر في الاقتصاد الإبداعي عبر تطوير العلامات التجارية المحلية وحماية التصاميم الجديدة كملكية فكرية، مما يخلق سوقاً تنافسية ويثري المحتوى البصري والثقافي للمملكة.
القطاع الخاص.. استثمار التميز لدعم الاقتصاد الإبداعي
تظل الإنجازات التي تُسجل في موسوعة غينيس طاقة للإبداعية، ليست حكراً على الجهات الحكومية أو الأكاديمية، بل هي دليل قاطع على دور القطاع الخاص السعودي كشريك فاعل وداعم للاقتصاد الإبداعي. فالمشاريع العملاقة، كالمنشآت الترفيهية والمراكز التجارية والشركات التقنية التي تسجل أرقاماً قياسية في التصميم والتنفيذ، تمثل استثماراً مباشراً لرأس المال الخاص في الإبداع.
يدرك القطاع الخاص أن تحقيق رقم قياسي عالمي هو في جوهره تكتيك تسويقي يضمن جودة المنتج والمشروع، ويعزز العلامة التجارية للمؤسسة على الساحة الدولية. هذا التنافس الإيجابي بين الشركات لتبني أعلى معايير الابتكار هو ما يُنشئ بيئة عمل خصبة للمواهب السعودية، ويدفع باتجاه توظيف الكفاءات في مجالات التصميم والتكنولوجيا المتقدمة، مما يحول الأفكار الإبداعية إلى مشاريع تجارية ذات جدوى اقتصادية، ويعزز مساهمة الشركات الخاصة في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي.
من «الاستهلاك» إلى «التصدير الإبداعي»..
إستراتيجية التحول
يركز الهدف الإستراتيجي الأعمق للاقتصاد الإبداعي في المملكة على التحول الجذري من مرحلة «الاستهلاك الإبداعي» إلى مرحلة «التصدير الإبداعي».
لعقود طويلة اعتمدت المنطقة على استيراد المنتجات الثقافية والفنية والترفيهية، واليوم تمثل الأرقام القياسية السعودية شهادة على القدرة على إنتاج محتوى ثقافي وفني وتقني منافس عالمياً، هذا التحول يعني أن الخدمات والمنتجات الإبداعية، من الأفلام المصنوعة محلياً والبرامج التقنية المطورة بأيدٍ سعودية إلى الحلول الهندسية التي كسرت الأرقام العالمية، يجب أن تصبح سلعاً قابلة للتصدير، حيث يضمن إن بناء مركز إقليمي لصناعة الألعاب أو لتصميم الأزياء أو الخدمات الفضائية، تدفقاً مستداماً للعملة الصعبة إلى البلاد، ويُرسخ المكانة كقوة إبداعية منتجة، مؤكداً أن الاستثمار في المواهب هو الطريق الأكثر ضماناً لفتح أسواق تصدير جديدة قائمة على الإبداع والملكية الفكرية.
تعزيز الهوية الثقافية ورعاية المواهب
الأثر الأكثر أهمية لهذه الأرقام يكمن في البناء الاجتماعي والفكري. الإنجازات المتتالية في غينيس تمنح المواطنين، وخاصة الجيل الجديد، شعوراً هائلاً بالفخر والثقة في القدرات الوطنية على تحقيق المستحيل، مما يحفز على الانخراط في مجالات العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات (STEM)، ويرسخ ثقافة الابتكار المفتوح والتحدي الإيجابي.
إن الأرقام القياسية المرتبطة بالثقافة والتراث تساهم بشكل فعال في تعزيز الهوية الثقافية من خلال عرض التراث والقدرات الوطنية في قالب معاصر ومنافس عالمياً، مما يشجع على رعاية المواهب الفردية ويخلق جيلاً من المبدعين والمنتجين بدلاً من المستهلكين، فهذا الدعم للمواهب والملكية الفكرية يضمن التنمية الشاملة التي لا تقتصر على المدن الكبرى، بل تمتد لتشمل مناطق المملكة كافة، مما يخلق فرص عمل نوعية في كل القطاعات الإبداعية.
المكانة العالمية والنمو الاقتصادي
تخدم هذه النجاحات هدفاً إستراتيجياً أسمى يتعلق ب المكانة العالمية للمملكة، حيث تعمل الأرقام القياسية ك «علامات جودة» عالمية، تُسهم في تغيير الصورة النمطية للمملكة لتصبح وجهة عالمية للإبداع، والابتكار، والتكنولوجيا المتقدمة، وتؤكد أنها رائدة في صناعة المستقبل. هذا التراكم في الإنجازات يزيد من مصداقية المملكة كشريك موثوق به في المشاريع العالمية الكبرى، ويزيد من جاذبيتها للاستثمار الأجنبي المباشر النوعي الذي يسعى للتعاون مع بيئة عمل تتبنى التحدي والتميز كمنهج، ويؤكد على أن المملكة أصبحت فاعلاً رئيسياً في اقتصاد المستقبل العالمي.
هذا التحول يدعم مساهمة القطاعات الإبداعية في الناتج المحلي الإجمالي وخلق ثروة مستدامة لا ترتهن بتقلبات أسعار الموارد التقليدية.
المملكة.. إنجاز بلا سقف
تتجلى الأرقام القياسية السعودية في موسوعة غينيس ليس كأهداف بحد ذاتها، بل كشهادات عبقرية تُؤطر بوضوح نجاح إستراتيجية وطنية متكاملة تهدف إلى تحفيز الاقتصاد الإبداعي واستثمار رأس المال الفكري والمواهب الفردية.
إن رحلة المملكة، التي تدمج عراقة الحضارة مع أحدث التقنيات لإنتاج ثروة لا تنضب قائمة على الإبداع، تؤكد أن هذا الإنجاز المستمر يمثل خريطة طريق واضحة نحو الريادة العالمية في اقتصاد المعرفة، من العمارة المستدامة، إلى تقنيات الفضاء بأيادٍ طلابية، مروراً بتعزيز صناعات الترفيه والفنون، تثبت المملكة أنها تملك كل مقومات القيادة في اقتصاد المستقبل الذي لا يعترف بسقف للطموح، بل بتسجيل الأرقام القياسية لتأكيد الريادة.. فالسماء سقف الطموح السعودي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.