إذا كانت إسرائيل ترغب في أن يتم قبولها في الشرق الأوسط وتحقق وصولها إلى هذه المكانة في المنطقة فإن عليها الإدراك أن التضحية بالشعب الفلسطيني أو حتى التفكير بالتخلص منه لن تتحقق، فشواهد التاريخ تؤكد ذلك، كما أن دولة كبرى مثل المملكة التي أثبتت تصريحاتها المعلنة أنها تتمسك بحق الفلسطينيين بدولة مستقلة لن تتراجع عن موقفها الثابت منذ عهد الملك عبدالعزيز -رحمه الله-.. في الزيارة التاريخية التي قام بها سمو ولي العهد إلى واشنطن قبل أيام استحوذت فكرة التطبيع السعودي الإسرائيلي على المسار الأكبر، وتناقلت وسائل الإعلام الكثير من التصريحات انطلاقا من حقيقة ترى أن حدوث عملية التطبيع تعتبر عاملا مهما يمكنه التأثير المباشر على الجغرافيا السياسية لمنطقة الشرق الأوسط، ومن هذا المنطلق تجاهلت الكثير من التحليلات السياسية أن عملية التطبيع بين السعودية وإسرائيل معقدة، وفي ذات الوقت هي ليست ملزمة بالنسبة للسعودية دون تحقيق شرطها الأساس، فالأهداف الاستراتيجية خلف هذه العملية معقدة ومرتبطة بمواقف ومكانة السعودية عربيا وإسلاميا. عملية التطبيع بحسب الموقف الرسمي السعودي المعلن لا يمكن أن تمر بدون حل الدولتين، والرئيس ترمب الذي استقبل سمو ولي العهد في واشنطن هو الأكثر إدراكا أن التطبيع ليس عملية تؤخذ في المناسبات واللقاءات، وهو يدرك أن السعودية طرحت مسار التطبيع ولكن بشرط أساسي أن التطبيع لابد أن يمر عبر دولة فلسطينية مستقلة، السعودية هدفها الرئيس هو الدفع نحو مسار واضح وموثوق نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة. إسرائيل تدرك مكانة السعودية وتعلم أن التطبيع مع السعودية يمنحها الفرصة التي لم تحصل عليها منذ ثمانية عقود، فرغم مسارات التطبيع والعلاقات الثنائية التي حققتها إسرائيل مع بعض الدول العربية إلا أن التطبيع مع المملكة العربية السعودية يشكل مسارا استراتيجيا بالنسبة لإسرائيل يمنحها الحياة والبقاء، ورغم أن إسرائيل تحاول المراهنة على ظروف انتهاء الحرب في غزة وأن ذلك يمكن أن يكون فرصة قادمة لتحقيق تقدم في مسار التطبيع إلا أن إسرائيل مازالت لا ترغب في فهم شروط التطبيع بدقة. وعندما يعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خلال مقابلاته أنه "لن تكون هناك دولة فلسطينية" فإن الرد الطبيعي أنه لن يكون هناك تطبيع، وهذا يعني أن الشروط المطروحة من الجانبين لا يمكنها أن تلتقي إلا بتحقيقها، السعودية كما تقول تصريحات مسارها السياسي متمسكة بشروطها الأساسية ولن تعرّض القضية الفلسطينية للخطر، كما أن السعودية سوف تحافظ على مصالحها الحيوية فيما يخص قيادتها السياسية للمنطقة العربية وللعالم الإسلامي. عندما تحدث الرئيس ترمب في وقت مضى عن فكرة "المستقبل المشرق للشرق الأوسط" وأن الشرق الأوسط ينتظره مستقبلا مشرقا ودعا شعوب الشرق الأوسط إلى وضع الخلافات جانبا والتركيز على المصالح، كان هذا الحديث رائعا ولكن تنقصه الإشارة إلى القضية الفلسطينية وكيف سيكون هناك مستقبل للشرق الأوسط مفصولا عن مستقبل القضية الفلسطينية. المنطقة بشعوبها أدركت أن احتلال الأرض لم يتغير في الفكر الصهيوني رغم كل هذه السنوات ورغم كل هذه الامتيازات التي حصلت عليها إسرائيل والدعم الدولي، وهذا ما منح بقية الدول التي لم تطبع مع إسرائيل أن تفكر بطريقة أكثر وعيا حول فكرة التطبيع وشروطها، وهنا أدركت الدول أنه لا يمكن أن يقدم التطبيع بشكل مجاني، فكرة أن إسرائيل تأخذ دون أن تعطي انتهت في قاموس السياسة العربية وخاصة أن الوعي الشعبي العالمي حول إسرائيل يمر بمرحلة تحول جذري، فما فعلته إسرائيل في غزة مثل عملية صعود في الوعي العالمي حول إسرائيل وسلوكها العدائي واحتلالها الأرض ورغبتها في إبادة شعب عربي والقيام مكانه. إذا كانت أميركا تسعى إلى تعزيز نفوذها في منطقة الشرق الأوسط فيمكنها الضغط على إسرائيل بقبول دولة فلسطينية مستقلة، فالمطلوب كما تراه شعوب المنطقة هو ضمان الحق الفلسطيني بدولة مستقلة، وبدون قيام دولة فلسطينية لن يكون هناك أي تنسيق إقليمي ولن تتمكن أميركا من مواجهة النفوذ القادم من قوى دولية على رأسها الصين، أميركا تدرك أن التطبيع بين السعودية وإسرائيل هو الضمان الوحيد لتغيير ديناميكيات الشرق الأوسط على جميع المستويات سواء الجيوسياسية؛ حيث ستجد إسرائيل مكانتها الدائمة في الشرق الأوسط، أما المستوى الاقتصادي فستجد إسرائيل المساحة المناسبة للتبادل الاقتصادي، أما جغرافيًا فستكون إسرائيل دولة من الشرق الأوسط. إذا كانت إسرائيل ترغب في أن يتم قبولها في الشرق الأوسط وتحقق وصولها إلى هذه المكانة في المنطقة فإن عليها الإدراك أن التضحية بالشعب الفلسطيني أو حتى التفكير بالتخلص منه لن تتحقق، فشواهد التاريخ تؤكد ذلك، كما أن دولة كبرى مثل المملكة العربية السعودية التي أثبتت تصريحاتها المعلنة أنها تتمسك بحق الفلسطينيين بدولة مستقلة لن تتراجع عن موقفها الثابت منذ عهد الملك عبدالعزيز -رحمه الله-، ولذلك فلن يضير القضية الفلسطينة والحق الفلسطيني أن تمضي ثمانية عقود أخرى من الكفاح والنضال، وإذا كانت إسرائيل تراهن على ذوبان القضية دون أن تقدم تنازلات أساسية بقيام دولة فلسطينية مستقلة فإن ذلك من سيكون من الخيال السياسي.