في إطار رؤية 2030، تسعى المملكة إلى بناء اقتصاد قائم على المعرفة وتعزيز مكانة الرياض كمركز إقليمي للأعمال، وذلك من خلال جذب الشركات متعددة الجنسيات لإنشاء مقراتها الإقليمية في العاصمة، بما في ذلك شركات التكنولوجيا الحيوية. في مقال سابق، أوضحت أن هذه المبادرة تهدف إلى زيادة الاستثمارات الأجنبية، وخلق فرص عمل جديدة، بالإضافة إلى دعم توطين الصناعات الرئيسة. ومع ذلك، على الرغم من انتقال العديد من شركات التكنولوجيا الحيوية إلى الرياض، فإن غياب أنشطة البحث والتطوير المحلية لهذه الشركات يقوض من الفوائد المرجوة لهذه الخطوة. فالشركات التي تكتفي بوجود إداري دون أن تُجري أبحاث أو مشاريع تطويرية محليًا تترك فجوة واضحة في منظومة التوطين، غياب هذه الأنشطة يحرمنا من مكاسب استراتيجية، أبرزها غياب الشراكات بين القطاعين العام والخاص، والتي تعدّ ركيزة أساسية لخلق مشاريع مشتركة ذات قيمة عالية، كما أن الشركات الدولية عادةً ما تنقل التكنولوجيا والمعرفة المتقدمة من خلال إنشاء فرق بحثية مشتركة، وتدريب الكفاءات المحلية، والعمل على مشاريع تطويرية داخل الدولة المضيفة. ومع غياب هذا المسار، يبقى الاعتماد على الخارج قائمًا، ويتعذر على القدرات الوطنية الوصول إلى مستوى النضج المطلوب لقيادة قطاع مثل التكنولوجيا الحيوية، ولا ننسى أن الصناعات الحيوية لا تقوم من دون منظومة معقدة من الخدمات المساندة تشمل كيانات مثل: مراكز البحوث التعاقدية، وتحليل البيانات، وشركات الاستشارات المتخصصة، لن توجد جدوى اقتصادية من قيام هذه المنظومة محلياً إلا عندما تبدأ الشركات الدولية تنفيذ جزء من أعمالها التطويرية محليًا، مما يخلق طلبًا على هذه الخدمات ويحفّز نموها. في المقابل، فإن التزام شركات التكنولوجيا الحيوية بتنفيذ جزء من أنشطتها البحثية داخل المملكة يحقق فوائد كبيرة للطرفين، عندما تتبنى الشركات الدولية البحث والتطوير المحلي، تفتح هذه الشركات الدولية أبواب التعاون مع الجامعات والمستشفيات ومراكز الأبحاث السعودية. هذا التعاون يقود يؤدي إلى شراكات استراتيجية طويلة الأمد، ويساعد الشركات الدولية على فهم أعمق للسوق السعودي والأسواق المجاورة. هذا الفهم يمكّنها من تصميم منتجات وخدمات تلبي الاحتياجات المحلية وتتلاءم مع المتطلبات التنظيمية، مما يزيد من حصتها السوقية ويعزز نموها في المنطقة. إن نجاح الرياض كمركز إقليمي للتكنولوجيا الحيوية لن يتحقق بمجرد نقل المقرات الإدارية، بل بمدى قدرة الشركات على الاندماج الحقيقي في المنظومة البحثية والعلمية المحلية، ولذلك ينبغي تحفيز هذه الشركات، وفق سياسات واضحة، على تنفيذ جزء من أنشطتها البحثية داخل المملكة؛ ليس فقط أنشطة البحث والتطوير في المراحل المتقدمة مثل التجارب السريرية ومراقبة ما بعد السوق، بل أيضًا أنشطة البحث والتطوير في المراحل الأولية التي تقود إلى استثمارات استراتيجية في البنية التحتية وبناء قدرات محورية في توطين الصناعة. وأخيرًا، يجب تقديم الحوافز للجهات المحلية التي تلعب دوراً في سلسلة قيمة التكنولوجيا الحيوية، إذ سيُمكّنها هذا الدعم من النمو وتقديم الخدمات المساندة للشركات الموجودة في المملكة وتطوير النظام البيئي للصناعة، مما يدعم نمو الشركات الناشئة ويزيد من فرص نجاحها، دافعاً توطين القطاع إلى الأمام.