من الرعاية المتصلة إلى التصنيع المحلي والذكاء الاصطناعي: بي دي العالمية تؤكد التزامها بدعم مستهدفات رؤية السعودية 2030 في حوار خاص مع الرياض على هامش ملتقى الصحة العالمي 2025، تحدّث بلال محسن، نائب الرئيس التنفيذي ورئيس قطاع "الرعاية المتصلة" في شركة بيكتون ديكنسون (BD)، إحدى أكبر الشركات العالمية في مجال الأجهزة الطبية، عن رؤية الشركة لدعم التحول الصحي في المملكة العربية السعودية، واستراتيجيتها في دعم قدرات التصنيع والابتكار إقليميًا، ودورها في تحسين جودة الرعاية عبر حلول رقمية متقدمة. كما تناول الحوار مفهوم التوازن بين الذكاء الاصطناعي واللمسة الإنسانية، وأهمية بناء منظومة محلية متكاملة قادرة على خدمة السوق السعودي والإقليمي في السنوات القادمة. كيف تساهم بيكتون ديكنسون في دعم التحول الوطني للرعاية الصحية في المملكة بما ينسجم مع مستهدفات رؤية السعودية 2030 وبرامج التحول الصحي؟ بيكتون ديكنسون هي شركة عالمية تُعدّ من أكبر الشركات المصنعة للأجهزة الطبية في العالم. نحن نُنتج أكثر من 34 مليار جهاز سنويًا، وتُستخدم منتجاتنا اليوم في أكثر من 190 دولة حول العالم. يتم استخدام أجهزتنا يوميًا من قبل أكثر من مليون ممرض وممرضة على مستوى العالم، وهو رقم يعكس حجم الأثر الذي نحدثه في قطاع الرعاية الصحية. خلال السنوات الماضية، شهدت المملكة العربية السعودية تحولًا كبيرًا في قطاع الرعاية الصحية، ونحن في بي دي نسير في المسار نفسه من التحول، بحيث أصبح تركيزنا منصبًا على أن نكون شركة تكنولوجيا طبية (MedTech) وليس فقط شركة تُعنى بالأجهزة فقط. هذا التحول يتماشى تمامًا مع أهداف رؤية السعودية 2030ويعكس التوجه الرقمي المتسارع في المملكة، ويُعدّ قطاع "Connected Care – الرعاية المتصلة" المحرّك الرئيس لهذا التحول داخل الشركة. فكرة الرعاية المتصلة تقوم على ربط جميع الأجهزة الطبية والمنصات التقنية ضمن منظومة واحدة متكاملة — بدءًا من الصيدليات والروبوتات العاملة فيها، مرورًا بأجهزة صرف الدواء في المستشفيات، ووصولًا إلى أجهزة التسريب الوريدي والمراقبة الحيوية — بحيث يتم تجميع وتحليل هذه البيانات في سحابة رقمية الهدف من ذلك هو رفع جودة الرعاية الصحية وتحسين تجربة المريض والطبيب في الوقت نفسه. وفي هذا السياق، يُعدّ تطوير مشروع سحابي متكامل داخل المملكة، يتيح تدفق البيانات من المستشفى إلى المنزل والعكس عنصرًا أساسيًا في تعزيز مفهوم استمرارية الرعاية. ويُشكّل هذا المشروع جزءًا من منصة "BD Incada" وهي منظومة سحابية متكاملة ومدعومة بالذكاء الاصطناعي، تُسهِم في جمع بيانات الأجهزة الطبية، محددةً معيارًا جديدًا لعمليات الرعاية الصحية الموحدة والمعتمدة على البيانات. وقد بدأنا رحلتنا في هذا المجال من خلال جهاز "BD Pyxis Pro"، وهو أول جهاز يستفيد من القدرات الذكية لمنصة BD Incada"" من خلاله يستطيع المستخدم اليوم الاستفادة من قدرات الذكاء الاصطناعي القائم على اللغة الطبيعية، فيسأل النظام أي سؤال للحصول على تقرير كامل دون الحاجة إلى جمع البيانات من أنظمة متعددة ودمجها يدويًا في تقرير واحد. هذه هي أولى خطواتنا في بناء منظومة رقمية متكاملة للرعاية، حيث نهدف على المدى البعيد إلى أن تصبح جميع عمليات اتخاذ القرار الطبي مدعومة بذكاء اصطناعي وتحليل شبه فوري للبيانات، وصولًا إلى مرحلة الإنذار الذكي(Smart Alarms) التي تُنبّه مقدّمي الرعاية في الوقت المناسب، مما يعزز دقة القرارات وسلامة المرضى. ما هي أبرز جهود BD لضمان أعلى معايير سلامة المرضى، وكيف تتكامل هذه الجهود مع أولويات وزارة الصحة والجهات التنظيمية في المملكة؟ منذ أن أنشأنا قسم "Connected Care"، تغيّر تركيزنا بالكامل ليصبح قائمًا على المريض أولًا، حيث لا نسعى فقط لربط الأجهزة من نقطة إلى أخرى من أجل نقل البيانات، بل نعمل وفق أهداف قائمة على النتائج. في الواقع، نحن نُفكر دائمًا في الفائدة التي سيحصل عليها المريض والطبيب والمنشأة الصحية من كل حل نقدّمه. فعلى سبيل المثال، نركّز على كيفية متابعة المريض من لحظة خضوعه للعملية إلى وجوده في العناية المركزة، ثم انتقاله إلى وحدة النقاهة، وأخيرًا عودته إلى المنزل، بحيث تكون البيانات متصلة في كل هذه المراحل. الغاية الأساسية من هذه الحلول هي تحقيق نتائج ملموسة مثل: * إنقاذ حياة عدد أكبر من المرضى، وخفض معدلات الوفيات. * تسريع عملية الخروج من المستشفى لتقليل مدة الإقامة داخل المنشأة الصحية. * تحسين تجربة المريض في المنزل، وتعزيز سرعة التعافي. كل أهدافنا تدور حول تحسين جودة الرعاية وجعلها أكثر تركيزًا على المريض وأقرب إلى الواقع العملي، وهذا ما يجعلنا في انسجام تام مع مستهدفات وزارة الصحة السعودية ضمن برنامج التحول الوطني، لأننا نشاركهم الرؤية ذاتها في بناء نظام صحي رقمي قائم على القيمة. يُعدّ استثمار BD في المملكة خطوة استراتيجية مهمة — كيف ينعكس ذلك على تعزيز الابتكار المحلي، ونقل المعرفة، وخلق فرص عمل نوعية للمواهب السعودية؟ لطالما كانت المملكة من الأسواق الاستراتيجية لشركة بيكتون ديكنسون، وهذا ما تجسّد مؤخرًا في حضور الرئيس التنفيذي العالمي السيد توم بولن إلى الرياض للمشاركة في حفل افتتاح ملتقى الصحة العالمي 2025 حيث تم الإعلان عن شراكة استراتيجية مع وزارة الصحة السعودية لتوطين التقنيات الطبية، وتقديم التدريب السريري، وبناء القدرات، بقيمة استثمارية تبلغ مليار ريال سعودي. يُمثّل هذا الإعلان بداية مرحلة جديدة لوجود BD في السوق السعودي، تهدف إلى بناء شراكة مع السعودية لتعزيز القدرات الإقليمية ودعم أهدافها للتحول نحو منظومة رعاية صحية عالمية المستوى. ولا يقتصر هدفنا على الاستثمار المالي، بل يتجاوز ذلك إلى بناء منظومة بيئية متكاملة قادرة على تطوير المهارات والكفاءات المحلية وتعزيز استدامة الابتكار داخل.المملكة. وفي الحقيقة، لدينا تجارب ناجحة أسواق مثل الولاياتالمتحدة وأوروبا، لكن الشرق الأوسط – والسعودية تحديدًا –يُمثّلان اليوم الآفاق القادمة للنمو الحقيقي، ونحن حريصون على دخول هذا السوق بالطريقة الصحيحة والمستدامة. وفي المرحلة المقبلة، نسعى لاستكشاف شراكات تصنيع يمكن أن تخدم دول الخليج والأسواق المجاورة مثل إفريقيا وتركيا، وبذلك نسهم في تعزيز مكانة المملكة كمركز إقليمي للتصنيع والابتكار الطبي. كما أننا حريصون على العمل مع الجامعات السعودية لاستقطاب المواهب المحلية وتطويرها ، إلى جانب التعاون مع مؤسسات أكاديمية دولية متخصصة لإطلاق برامج بحث وتطوير مشتركة تُسهم في نقل المعرفة وبناء القدرات داخل المملكة. ما هي الابتكارات والتقنيات الأكثر تأثيرًا في إعادة تشكيل منظومة الرعاية الصحية وجعلها أكثر استباقية واستدامة؟ في المراحل الأولى من تطور الصناعات الطبية داخل المملكة، كانت معظم الشركات تعتمد على أساليب التصنيع اليدوي التقليدية، وهو ما حدّ من قدرتها على التوسع والإنتاج على نطاق واسع. لكن الابتكار الحقيقي لا يكمن في تصنيع عدد محدود من الأجهزة، بل في تطوير منظومات إنتاج ذكية وفعّالة قادرة على تصنيع ملايين الوحدات بنفس الجودة والدقة، وبكفاءة تشغيلية عالية. فعندما تتحدث عن إنتاج مئات الأجهزة سنويًا، يختلف الأمر جذريًا عن تصنيع مئات الملايين أو حتى المليارات من الأجهزة، فذلك يتطلّب تفكيرًا هندسيًا مختلفًا، وتصميمًا متقدّمًا، ومنهجيات اختبار أكثر صرامة تضمن الاتساق والجودة في كل مرحلة. نحن في بيكتون ديكنسون نمتلك خبرة فريدة في التصنيع الصناعي واسع النطاق، إذ ننتج نحو 34 مليار جهاز سنويًا، وهي قدرة إنتاجية لا تضاهيها أي شركة أخرى في السوق. هذه الخبرة الواسعة تتيح لنا تطبيق أساليب تصنيع مبتكرة وتقنيات إنتاج متقدمة تُعيد تعريف مفهوم الابتكار في قطاع الرعاية الصحية، ليس فقط على مستوى المنتج النهائي، بل على مستوى الكفاءة التشغيلية والاستدامة الصناعية كذلك. وهذا ما يميزنا عن غيرنا، ويجعلنا قادرين على تقديم قيمة مضافة فريدة للسوق، من خلال منتجات وحلول تجمع بين الدقة، والسرعة، والاعتمادية، والاستدامة في الوقت نفسه. كيف تنظر BD إلى التكامل بين الذكاء الاصطناعي واللمسة الإنسانية في تقديم الرعاية الصحية؟ وما الخطوات التي تتخذونها لضمان بقاء المريض في قلب هذا التوازن؟ في بيكتون ديكنسون نؤمن أن الذكاء الاصطناعي لا يهدف إلى استبدال مقدمي الرعاية أو الطبيب، بل إلى تمكينهم وتسهيل مهامهم. نحن نستخدم الذكاء الاصطناعي كأداة لتسريع العمل وتخفيف العبء الإداري عن مقدّمي الرعاية، بحيث يتمكن الطبيب من قضاء وقت أطول مع المريض بدلًا من القيام بمهام روتينية تستنذف وقته. الذكاء الاصطناعي بالنسبة لنا ليس صندوقًا أسود غامضًا نُغذّيه بالبيانات لنقبل نتائجه كما هي، بل هو نظام يفهم الفسيولوجيا البشرية ويعمل ضمن حدودها. نحن نحرص دائمًا على أن يعرف الطبيب سبب كل توصية أو تنبيه يصدر عن النظام، لضمان الشفافية والثقة في التقنية. وبهذا الشكل نحافظ على التوازن بين الذكاء الاصطناعي واللمسة الإنسانية، وفي هذا الإطار نعمل على تطوير منتجات مدعومة بالذكاء الاصطناعي تساعد على ضمان أن تظل التقنية أداة داعمة وليست بديلة، بينما يبقى المريض محور العملية العلاجية. من وجهة نظركم، ما الخطوة التالية لتسريع تطور قطاع الرعاية الصحية في المملكة، وما الدور الذي يمكن أن تلعبه الشراكات الدولية في ذلك؟ عند النظر إلى المشهد الصحي العالمي، نجد أن المملكة العربية السعودية أصبحت في موقع متقدم جدًا من حيث التوجه الاستراتيجي والرؤية المستقبلية. وتُظهر سياسات وزارة الصحة أن الحكومة اليوم تدفع بقوة نحو الابتكار وتشجيع مشاركة القطاع الخاص لدعم حلول رعاية صحية مستدامة وعالية الجودة للمرضى في المملكة. اليوم نرى بيئة صحية تشجع الابتكار، والاستثمار، والشراكات الدولية، حيث تُفتح الأبواب أمام الشركات العالمية لتكون جزءًا من عملية التحول الوطني. ونحن في BD نؤمن أن هذا الانفتاح هو فرصة تاريخية للمشاركة في بناء الجيل الجديد من الأنظمة الصحية في المملكة، ونتطلع لأن نكون شريكًا طويل الأمد في تحقيق الأهداف المشتركة بين القطاعين العام والخاص عبر الارتقاء بمستوى الرعاية الصحية، وتمكين الابتكار، ودعم الكفاءات التي تقود هذا التحول.