"ناصر بن جريّد".. هكذا بدون ألقاب تسبقه أو تصفه، فقد طوت الجزيرة اسمه وعطاؤه وتجاوزها إلى خارج الحدود. "ناصر بن جريّد" باختصار شاعر وأديب ومؤرخ وكاتب صحفي ورياضي وبعض من تاريخ الفن بل من أبرز معالمه، وقدم الكثير من الفنانين للساحة عبر كلماته وشاعريته، إنه "مجموعة إنسان". "سكة التايهين" أبرز أو أشهر كلماته والتي لحنها طارق عبدالحكيم وتغنى بها محمد عبده، ويقول البعض إنها انطلاقته أو سبب شهرته، والحقيقة أنها سبب شهرة محمد عبده وانطلاقته، فقد كتبها -رحمه الله- في منتصف الستينات، وقتها كانت بداية ظهور محمد عبده وحاجته لمثل هذه الأعمال ليبرز منافسًا لطلال مداح -رحمه الله-، كما كتب "الليل أبو الأسرار" ولحنها سامي إحسان، وكانت سبب شهرة عبدالله رشاد وانطلاقته، وتغنى له طلال مداح وكبار المطربين العرب، ولم يكتفِ بالشعر الغنائي بل كانت له قصائد وطنية عبرت عن إخلاصه وولائه لهذا الوطن وقادته. وفي المجال الصحفي كانت "سفينة حنان" يبحر بها كل أسبوع حاملًا فيها ما لذ وطاب من نثر وشعر من نقله ومنقولة رأسيًا بها في أكثر من مرفأ "الجزيرة" و"اليمامة" حتى استوت على "الرياضية"، وكان له عمود صحافي "مجرد كلام" يناقش فيه الكثير من القضايا لكنه لم يكن "مجرد كلام" بقدر ما كان أبلغ كلام. في الرياضة كان أحد روادها ومسهمًا في بنائها في السنين الأولى من اعتماد الأندية وتصنيفها رسميًا كعضو في مجلس إدارة نادي الهلال بداية الستينات الميلادية وسكرتيرًا حيث كان عشقه الدائم وانتماؤه. أصوله النجدية وتربيته الحجازية وتردده على مصر شكل عنده ثقافة مميزة ذات أبعاد مختلفة. عمل في الأمانة العامة لمجلس الوزراء ثم رئيسًا للمراسم في إمارة منطقة الرياض، فكسب ثقة أميرها آنذاك خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -يحفظه الله-. هذا المزيج من الثقافات وتعدد المواقع والخبرات المتعددة شكلت لدى "ناصر بن جريّد" شبكة علاقات واسعة مع أصحاب القرار والوجهاء وطبقات اجتماعية مختلفة وتوجهات متعددة ربما لم تتوفر لغيره، صنعت منه رجل علاقات عامة من طراز نادر. منذ أن عرفته قبل ما يقارب نصف قرن ثم تعرفت عليه فيما بعد لم التقه يوماً إلا وابتسامته تسبقه وروحه المرحة تسود المكان يأسر من حوله بالحديث وذاكرة الزمان والمكان. احترم الكبير وتواضع لمن هو أصغر، لهذا لم يختلف معه أو حوله اثنان مهما اختلفت ميولهم الرياضية أو ذائقتهم الفنية أو توجهاتهم الفكرية. رحم الله الأخ الفاضل والصديق العزيز الأستاذ ناصر بن جريّد وأسكنه فسيح جناته وجمعنا به (في جنات ونهر * في مقعد صدق عند مليك مقتدر)، والله من وراء القصد.