محاولات تنفيس الإنسان عن مشاكله للكمبيوتر بدأت متواضعة في 1966 بواسطة البروفيسور جوزيف وزنبوم في معهد ماساتشوستس للتقنية بأميركا، وكانت من خلال شات بوت يعمل بواسطة تقنية تعتمد على معالج الذكاء الطبيعي، الذي أسماه إيليزا، وقد كان مصمماً كطبيبة نفسية، إلا أنه أحدث تأثيراً سلبياً بالغاً فيمن استخدموه، أسموه فيما بعد ب"إيليزا إيفكت".. في أواخر أغسطس من العام الجاري، أطلقت شركة هيوماين السعودية للذكاء الاصطناعي نموذج الدردشة الخاص بها، والمعروف باسم: هيوماين شات، وهو تطبيق محادثة تفاعلي بالعربية، لا يختلف عن شات جي بي تي، وكوبايلوت، وبنغ وجيميناي وكلود وغيرها، بالإضافة إلى أنه يعمل بطريقة الذكاء الاصطناعي التوليدي، والمعنى أنه كلما زاد عدد مستخدميه زادت قدراته وتحسن أداؤه، وروبوت الدردشة الجديد يستهدف 400 مليون عربي، ومعهم مليارا مسلم، ممن لا يجدون احتياجاتهم في النماذج الأخرى، وسيهتم في ردوده على المستخدمين بالثقافة العربية، وبالقيم والتراث والتاريخ العربي، ولا أتصور غياب غير المقبول ثقافياً عن قائمة أولوياته، وتحديداً في هذه المجتمعات، لأنها تمثل ميزة تنافسية تستحق الاستثمار أخلاقيا واقتصاديا، والنموذج سيتم تطبيقه أولاً في المملكة، ومن ثم سيتوجه لبقية العالم. بالتأكيد روبوت الدردشة السعودي سيراجع تجارب نظرائه، والقائمون عليه يدركون أنه ذكاء مهاري وليس واعيا، بإمكانه فهم المشاعر والأحاسيس الإنسانية وتعقيداتها، فقد حذرت دراسة متخصصة، نشرتها صحيفة الغارديان البريطانية في مايو الماضي، من أن بعض الناس يستغلون هذه الروبوتات في الحصول على معلومات تساعدهم على تنفيذ جرائم معينة، مثل اختراق شبكات الكمبيوتر أو صناعة وتهريب المخدرات، أو غسل الأموال وتصنيع القنابل، وهم قد يتلاعبون في صياغة السؤال، ولا يحددون الغرض الحقيقي من ورائه، لتعطيل عمل ضوابط الأمان الموجودة في الروبوتات وإقناعها بتقديم الردود المطلوبة، وإن كانت خطرة، وعرضت الدراسة السابقة لنماذج ذكاء اصطناعي مستحدثة يسمونها: نماذج اللغة الآلية المظلمة، التي صممت بصورة مقصودة دون ضوابط أمان، ولديها خاصية دعم الأنشطة الإجرامية على اختلافها، ومن الأمثلة عليها: جريمة النصب ضد مستر بيست في 2023. ملايين الناس حول العالم يطرحون آلامهم النفسية وأسرارهم الأسرية، وحتى نزاعاتهم القانونية، في روبوتات الدردشة، لاعتقادهم أنها أكثر تفهما وأقل قسوة في أحكامها، مقارنة بمجتمعاتهم الواقعية، ولكن سام ألتمان، الرئيس التنفيدي لشركة أوبن أيه آي، له رأي مختلف، فقد قال في يوليو من العام الحالي إنه لا توجد خصوصة قانونية في المحادثات مع روبوتات الذكاء الاصطناعي، وكل ما يكتبه الشخص قد يتحول إلى دليل ضده في المحكمة، بما في ذلك الرسائل التي يتم حذفها، لأنها تبقى محفوظة ومؤرشفة في خوادم الشركة لشهر أو أكثر، ونصح بعدم الاعتماد الكامل عليها في طلب المشورة النفسية.. وأتفق معه تماماً.. لأنها سبق وأن أقنعت أشخاصا بالانتحار أو القتل، ومن هؤلاء سويل سيتزر، صاحب ال14 ربيعاً، الذي انتحر في 2024 بعد علاقة غرامية مع روبوت دردشة، استخدمه في البداية بغرض الدعم النفسي، ومعه جيسونت سيهول وعمره 21 عاما، الذي تم تحريضه في ظروف مشابهة على قتل ملكة بريطانيا الراحلة اليزابيث الثانية في 2021 باستخدام قوس ورمح، والثاني قبضت عليه الشرطة البريطانية، وحكم عليه بالسجن تسعة أعوام، وأشارت دراسة قامت بها كينغز كوليدج البريطانية بالشراكة مع جامعة نيويورك الأميركية، وتم نشرها مؤخراً، أن هناك 17 حالة شخصت بالذهان نتيجة للتفاعل مع روبوتات الدردشة، وقبل أعوام كانت المسألة لا تتجاوز أفلام الخيال العلمي، كفيلم هير في 2013، أو فيلم بلايد رانر 2049 في 2017، إلا أن الأمور تغيرت حالياً. محاولات تنفيس الإنسان عن مشاكله للكمبيوتر بدأت متواضعة في 1966 بواسطة البروفيسور جوزيف وزنبوم، في معهد ماساتشوستس للتقنية بأميركا، وكانت من خلال شات بوت يعمل بواسطة تقنية تعتمد على معالج الذكاء الطبيعي، الذي أسماه إيليزا، وقد كان مصمماً كطبيبة نفسية، إلا أنه أحدث تأثيراً سلبياً بالغاً فيمن استخدموه، أسموه فيما بعد ب"إيليزا إيفكت"، وما سبق شكل إلهاماً لشريحة واسعة من المبرمجين، ومن بينهم أبو الذكاء الاصطناعي جيفري هنتون، وهو صاحب أول مجهود بحثي جعل من الذكاء الاصطناعي التوليدي أمرا ممكنا، إلا أنه تأسف قبل فترة على كل ما قام به طوال حياته، وقال إن روبوتات الدردشة ستصبح أذكى من الإنسان وأخطر عليه، ولعل من كوابيسها الحالية منصتي ربليكا وكاريكتر أيه آي، وكلاهما يوفر صداقة رقمية يمكن ترقيتها إلى علاقة غرامية بلا قيود، وبمقابل يصل إلى سبعين دولارا في حالة ربليكا، والنموذجان يسوقان لعلاقات سامة، والأصعب أنهما متاحان في متاجر التطبيقات. روبوتات الدرشة مفيدة دون شك، إذا اُستخدمت لأغراض عملية أو مهنية، وبعيداً عن خسارة ساعات طويلة في أمور تافهة، لأن السابق قد يصيب الشخص بذهان الذكاء الاصطناعي، وقال كيث ساكاتا، أستاذ الطب النفسي في جامعة كاليفورنيا الأميركية في مقابلة أجراها مع شبكة سي إن إن، منذ نحو ثلاثة أشهر، أنه أشرف على علاج 12 شخصا أدخلوا إلى المستشفيات بسبب هذه الربوتات، وأنها أضرت بصحتهم النفسية، والأنسب أن تعمل شركة هيوماين وسدايا وشركائهما، على إيجاد بيئة آمنة ومنضبطة لاستخدامات روبوتات الدردشة في المملكة، وبما يحول دون حدوث تداعيات غير مرغوبة أو متجاوزة.