التواصل مع العالم، والانفتاح على الآخر، نهجٌ سعوديٌّ راسخٌ، وعنوانٌ أصيلٌ في حركة التنمية الوطنية الشاملة، وهو نهجٌ لا يقتصر على الجانب الدبلوماسي أو الثقافي فحسب، بل يمتد إلى عمق القطاعات كافة، وفي مقدمتها القطاع الإعلامي الذي يُشكّل اليوم أحد أهم روافد التحديث والنهضة، وأداة فاعلة في بناء الصورة الذهنية للمملكة، وتعزيز مكانتها في المشهد الدولي. لقد أدركت المملكة مبكرًا أن الإعلام الحديث ليس مجرد وسيلة نقل للمعلومة، بل هو أداة استراتيجية لصياغة الخطاب الوطني، وإيصال الرسالة السعودية للعالم بلغات متعددة ورؤى منفتحة، ومن هذا الإدراك جاء إطلاق المنصّة الرقمية للتواصل الدولي بوصفها خطوة جديدة تعكس إيمان السعودية بأهمية أن تكون شريكًا فاعلًا في صناعة الإعلام العالمي، لا متلقيًا لمخرجاته. تُعد هذه المنصّة نقلة نوعية في مسار الإعلام السعودي، إذ تفتح آفاقًا رحبة للتعاون والتكامل مع المؤسسات الإعلامية الدولية، وتُجسّد نموذجًا سعوديًّا متقدمًا في صناعة المعرفة والشراكة والابتكار. كما تعكس إيمان المملكة العميق بدور الإعلام في دعم مسارات التنمية، وصناعة التأثير، وتعزيز القوة الناعمة، في عصر أصبح فيه الجمهور شريكًا فاعلًا في صياغة الرسالة الاتصالية، مما يستدعي امتلاك أدوات تحليل متطورة، وقدرات مهنية دقيقة لقراءة اتجاهات الرأي العام محليًّا ودوليًّا. وقد حقّقت المملكة خلال السنوات الأخيرة طفرةً واضحةً في قطاع الإعلام، انعكست في استثمارات ضخمة، وتطويرٍ للبنية التحتية الإعلامية، وبناء كفاءات وطنية قادرة على المنافسة عالميًّا، وأصبحنا نرى اليوم حضورًا سعوديًّا متزايدًا في المحافل الإعلامية الدولية ومنصات الحوار العالمي، يعكس صورة وطنٍ طموحٍ يصنع المستقبل بثقة وابتكار. هذا الحراك المتسارع هو امتداد لنهج رؤية المملكة 2030 التي أطلقها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- والتي فجّرت طاقات الإبداع الوطني في كل القطاعات، وجعلت المبادرة سمة أصيلة في الفكر السعودي الحديث. ولم يكن الإعلام بمعزل عن هذا الزخم، بل كان أحد أكثر القطاعات استفادة من برامج الرؤية ومبادراتها النوعية. ومن أبرز تلك المبادرات: المنتدى السعودي للإعلام، ومعرض مستقبل الإعلام، والبرنامج الإعلامي الموحّد، إلى جانب إعلان عام 2024 عامًا للتحول الإعلامي، الذي استند إلى أربع ركائز هي: الأرقام، والمؤشرات، والشغف، والعمل. وهي ركائز تعبّر بوضوح عن ملامح المرحلة الجديدة للإعلام السعودي، القائم على المهنية، والتقنية، والتكامل المؤسسي. وفي الختام، فإن المنصّة الرقمية للتواصل الدولي تُمثّل نتاجًا جديدًا من ماكينة الأفكار السعودية التي لا تعرف التوقف، وخطوة متقدمة على طريق ترسيخ مكانة المملكة بصفتها قوة إعلامية مؤثرة، ومصدر إلهام في فضاء الاتصال العالمي، حيث تُصاغ الرسائل بعقل رقمي، ورؤية وطنية، وتأثير عالمي متصاعد.