يصادف اليوم العالمي للفيزياء 7 نوفمبر من كل عام، وهو اليوم الذي تحتفل فيه المنظمات العلمية بهذا المجال لزيادة الوعي بأهميته، وقد تم اختيار هذا التاريخ نسبةً إلى يوم ميلاد العالمة الفيزيائية ماري سكلودوفسكا-كوري 1867م. وتُعدّ المملكة من الدول التي أولت العلوم الأساسية، وفي مقدمتها الفيزياء، اهتمامًا متزايدًا خلال السنوات الأخيرة، انسجامًا مع مستهدفات رؤية 2030 التي تسعى إلى بناء اقتصاد معرفي متنوع قائم على البحث والابتكار، ويأتي اليوم العالمي للفيزياء مناسبة لإبراز جهود المملكة في هذا المجال الحيوي الذي يُعتبر أساسًا لتقدّم العلوم والتقنية والصناعة. على صعيد التعليم، تعمل الجامعات السعودية على تطوير برامج الفيزياء لتواكب المتغيرات العالمية، فجامعة الملك سعود وجامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل وجامعة القصيم وجامعة تبوك وغيرها، تقدم تخصصات في الفيزياء النظرية والتطبيقية والطاقة المتجددة، كما تشهد الجامعات مشاركة متزايدة للطالبات في التخصصات العلمية، ما يعزز دور المرأة السعودية في مجالات البحث والابتكار. وفي مجال البحث العلمي، فقد أنشأت المملكة مراكز متخصصة مثل المركز السعودي للفيزياء النظرية -SCTP- الذي يستقطب الباحثين في الفيزياء الحديثة ويعمل على دعم الدراسات النظرية المتقدمة، إلى جانب برامج المدينة الجامعية للعلوم والتقنية -KACST- التي ترعى مشروعات بحثية في الفيزياء والرياضيات، كما تُعد جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية -كاوست- منارة بحثية عالمية، تضم مختبرات في الفيزياء التطبيقية وعلوم المواد والضوء والطاقة، وتسهم في إنتاج علمي متقدم في مجلات عالمية. وفي إطار التعاون الدولي، تشارك المملكة في مشاريع فيزياء عالمية مثل مباحثات التعاون مع المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية -CERN-، بالإضافة إلى تبنّي استراتيجيات وطنية لدعم تقنيات فيزياء الكم، ضمن منظومة الثورة الصناعية الرابعة، لما تمثله من مستقبل واعد في مجالات الاتصالات والطاقة والأمن السيبراني، وتسهم وزارة التعليم والجهات الداعمة للابتكار في إعداد جيل من الباحثين السعوديين من خلال برامج الابتعاث والجوائز العلمية، التي مكّنت العديد من الشباب السعودي من العمل في مجالات الفيزياء التطبيقية والأبحاث المتقدمة في مراكز دولية مرموقة. إعداد جيل من الباحثين عبر الابتعاث والجوائز الدولية أول كلّية وبدأ الاهتمام بعلم الفيزياء في المملكة منذ منتصف الخمسينيات الميلادية -1375ه تقريبًا-، عندما أنشئت أول كلّية للعلوم بجامعة الملك سعود عام 1958م، وكان قسم الفيزياء من أوائل الأقسام التي تأسست لتدريس الفيزياء الكلاسيكية والحرارية والضوء والكهرباء، وكان الهدف في تلك المرحلة إعداد كوادر وطنية للتدريس في المدارس الثانوية، ثم تطور الأمر لاحقًا إلى إعداد باحثين ومهندسين مع بداية مرحلة التصنيع وبناء محطات الطاقة، وفي السبعينات الميلادية، ومع الطفرة الاقتصادية وبداية النهضة الصناعية، توسع التعليم الجامعي ليشمل جامعات جديدة مثل جامعة الملك عبدالعزيز وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن وجامعة أم القرى وجامعة الملك فيصل، فأنشئت أقسام فيزياء متعددة ركزت على الفيزياء التطبيقية والطاقة والمواد والاتصالات، كما تأسست مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية عام 1977م لتكون مركزًا بحثيًا وطنيًا احتضن أول مختبرات الفيزياء الحديثة في المملكة، وفي العقدين التاليين، ازداد الوعي بأهمية البحث العلمي، فبدأت الجامعات السعودية إطلاق برامج دراسات عليا في الفيزياء النظرية والطبية والنووية، كما شاركت المملكة في المنتديات العربية والدولية، وأسست مجلات علمية متخصصة في العلوم الفيزيائية. نقطة تحوّل وشهد عام 2009م نقطة تحول محورية مع تأسيس جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية -كاوست-، التي احتضنت مختبرات بحثية متقدمة في فيزياء المواد والطاقة والضوء، وأسست قاعدة للبحث العلمي العالمي في الفيزياء التجريبية والحوسبة الكمية، ومع إطلاق رؤية 2030 دخلت الفيزياء مرحلة جديدة من الاهتمام الاستراتيجي، باعتبارها من ركائز الاقتصاد المعرفي والابتكار التقني، وتوسعت المملكة في دعم أبحاث الفيزياء في مجالات الطاقة المتجددة، والفيزياء النووية، وتقنيات الكم، والنانو، والفضاء، كما تأسس المركز السعودي للفيزياء النظرية عام 2022 ليكون منصة وطنية تجمع الباحثين والمبتكرين في هذا المجال، ومسيرة الفيزياء في المملكة تمتد لأكثر من ستة عقود من العمل المؤسسي المتواصل، انتقلت خلالها من التعليم الأكاديمي التقليدي إلى البحث التطبيقي المتقدم، لتصبح اليوم جزءًا من البنية العلمية والاقتصادية التي تقود رؤية المملكة نحو مستقبل يقوم على المعرفة والابتكار. وهذه الجهود المتكاملة لم تتحقق لم تكن لتتحقق لولا الله ثم الطرق التي تعاملت بها المملكة مع الفيزياء، ليس كمجال أكاديمي فحسب، بل كركيزة أساسية لبناء مستقبل يعتمد على المعرفة والابتكار والتقنية، ومن خلال الاستثمار في التعليم والبحث العلمي، وتمكين الكفاءات الوطنية، تمضي المملكة بخطى واثقة نحو صناعة إنجازات علمية تواكب طموحاتها التنموية، وتُسهم في تقدم الإنسانية في هذا العلم الدقيق والمُلهم. شراكة استراتيجية وحققت المملكة ممثلة في مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع -موهبة- ووزارة التعليم، خمس جوائز عالمية في الأولمبياد الآسيوي للفيزياء APhO 2024 في نسخته 24، والذي نظمته دولة ماليزيا في مدينة كامبار، بمشاركة 208 طلاب يمثلون 27 دولة، وكان خلال الفترة من 3 إلى 10 يونيو 2024، وحصد المنتخب السعودي للفيزياء، الذي ضم 8 طلاب، ميدالية برونزية، وأربع شهادات تقدير، وتم الاحتفاء بالموهوبين السعوديين الذين عملوا واجتهدوا، لتحقيق هذه النتائج المشرفة، والإنجازات الباهرة، بدعم من أسرهم ومدارسهم ومعلميهم، وجاء هذا الإنجاز بما اتخذته المملكة من خطوات استراتيجية في ترسيخ وتكريس منظومتها في رعاية الموهبة والإبداع، ورسم ملامح مجتمع المعرفة والابتكار، وإعلاء قيم التنافسية لتعزيز ريادتها، وهو ما تظهر فيما يحققه الموهوبون السعوديون في المحافل والمسابقات الدولية من جوائز عالمية، بما يتماشى مع توجهات القيادة الرشيدة، وتنطلق هذه الجهود من شراكة استراتيجية بين "موهبة" ووزارة التعليم، وترتكز على رؤية أساسها اكتشاف ورعاية وتمكين الموهوبين السعوديين، وفق أحدث الأساليب العلمية، وبناء قدراتهم في مختلف مجالات العلوم والتقنية، لإعداد أجيال سعودية تمتلك أدوات التميز، للإسهام في تحقيق مستهدفات ومبادرات رؤية 2030، وصياغة الحلول المبتكرة للتحديات المحلية والعالمية من أجل ازدهار البشرية. رؤية 2030 تقودنا نحو المعرفة والابتكار والتميّز تقديم بحوث وبمناسبة اليوم العالمي للفيزياء نستعرض لمحة عن أبرز جهود المملكة في مجال الفيزياء، التعليم، البحث، والبُنى التحتية، مع ربطها برؤية رؤية 2030، فمن خلال التعليم والتأهيل في الفيزياء، فقد سبق وأطلقت المدينة الجامعية للملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية -KACST- البرنامج الوطني للرياضيات والفيزياء والذي يُركّز على التميز في البحث والتعليم في الفيزياء والرياضيات، ومن مهامه تقديم بحوث أساسية وتطبيقية، ودعم البُنى التحتية للبحث والتدريب، كما أن لدى عدد من الجامعات السعودية أقسام فيزياء، مثل جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل، جامعة القصيم، جامعة تبوك، وهذه الأقسام تُعلّم الفيزياء الأساسية وتطبيقاتها، وتسعى إلى ربطها بحاجات التنمية المحلية، وهناك اهتمام متزايد بتعليم الفيزياء للطالبات، مثل برنامج الفيزياء والطاقة المتجددة للإناث في إحدى الجامعات السعودية، وهذه الخطوات تُعزّز قدرات المملكة في العلوم الأساسية، وتُعدّ بنية مهمة لدعم المزيد من الابتكار والبحث في المجالات المتقدمة، وفي مجال البحث والتطوير في الفيزياء والمجالات المرتبطة تبرز جهود المركز السعودي للفيزياء النظرية -SCTP- وهو مخصص لاستقطاب باحثين مميزين في الفيزياء النظرية، ويهدف إلى خلق بيئة بحثية مبتكرة تُعزز مكانة المملكة دولياً، وفي جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية -KAUST- هناك مختبرات بحث في الفيزياء التطبيقية وعلوم المواد، مثل مختبر "الحوسبة الفيزيائية وعلوم المواد" -CPMS- الذي يُجري محاكاة أولية لمواد ذات خصائص فيزيائية - كيميائية استثنائية، وهناك تعاون دولي في مجال فيزياء الجسيمات، حيث خرج تقرير يفيد بأن منظمة الأبحاث النووية الأوروبية -CERN- تدرس فتح مركز بيانات في جامعة سعودية لدعم أبحاث فيزياء الجسيمات، وتستشرف المملكة ما يمكن أن توفره تقنيات "فيزياء الكم" من فرص اقتصادية، وتعمل على بناء منظومة بحث في هذا المجال ضمن استراتيجيتها للثورة الصناعية الرابعة، وهذا التركيز البحثي في الفيزياء يُعدّ من المحركات الأساسية نحو الاقتصاد المعرفي، والذي تُريده رؤية 2030. توسع كبير ومن جهة البُنى التحتية والمبادرات الاستراتيجية، فالبُنى التحتية في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية جعلتها من الجامعات الرائدة في العلوم الفيزيائية، وقد صُنّفت ضمن الجامعات الصاعدة عالمياً بفضل نتاجها البحثي، ومن جهة التوجه الاستراتيجي، فالمملكة تعمل على بناء منظومة فيزياء قوية لدعم التكنولوجيات المستقبلية بما في ذلك فيزياء المواد، فيزياء الطاقة، وعلوم الكم، كجزء من خطتها التنموية، كما أن تأسيس وتطوير التخصصات في الفيزياء في الجامعات السعودية يشهد توسّعا كبيراً، مع جهود لربط الخريجين بسوق العمل والابتكار الصناعي، كما أن ربط جهود الفيزياء برؤية 2030 يعد أحد المحاور في الرؤية وهو التنمية المعرفية والبحث والابتكار، والفيزياء كعلم أساسي تُعدّ حجر الزاوية في هذا، وعبر بناء قدرات البحث والتعليم في الفيزياء، فالمملكة تُهيّئ الجيل المقبل من العلماء والباحثين والمبتكرين، ما يُسهم في تنويع الاقتصاد وتوطين التكنولوجيا، وفي مجالات مثل فيزياء الكم، علوم المواد، فيزياء الطاقة المتجددة، فهي تُعدّ من مجالات المستقبل التي تسعى المملكة لأن تكون فيها رائدة، وقد وضحت تقارير أن المملكة تستعد لدور قيادي في "العصر الكمّي"، وتُظهر جهود المملكة في مجال الفيزياء تطوراً ملموساً، من التعليم الجامعي، إلى البحث العملي، إلى البُنى التحتية والمبادرات الاستراتيجية، ومن المهم الإشارة إلى أن هذه الجهود لا تقتصر على "المظاهر" بل تقع في صلب التحول المعرفي والتنموي في المملكة. حضور علمي وشهدت المملكة خلال العقد الأخير حضورًا علميًّا متناميًا في مجال الفيزياء، سواء على مستوى المسابقات الدولية أو على مستوى الأبحاث والجوائز المهنية، ما يعكس التطور النوعي في التعليم والبحث العلمي والاهتمام بالعلوم الأساسية ضمن مستهدفات رؤية المملكة 2030، ففي الجوائز الطلابية الدولية ارتفع مجموع الجوائز السعودية في أولمبيادات الفيزياء الدولية إلى أكثر من 50 جائزة بين ميداليات وشهادات تقدير، لتصبح المملكة ضمن الدول الخمس الأولى عربيًا في هذا المجال، والمملكة حاضرة دوماً بمناسبات الفيزياء من خلال المشاركة في المسابقات الدولية لطلاب الفيزياء، مثل أولمبياد الفيزياء الدولي وأولمبياد الفيزياء الآسيوي، كما أنها استضافت النسخة ال 56 من أولمبياد الكيمياء الدولي في عام 2024، واستضافت المملكة فعاليات علمية أخرى مثل أولمبياد الكيمياء الدولي: واستضافته المملكة بنجاح بالنسخة ال 56 في عام 2024، واستضافت أولمبياد الفيزياء الآسيوي عام 2025، ما يعكس مكانة المملكة في مجال العلوم والتعليم على المستوى الدولي، وقد حققت المملكة العديد من الجوائز الأكاديمية والبحثية على المستوى البحثي، حيث حقق باحثون سعوديون في الجامعات الوطنية إنجازات مشهودة في فيزياء المواد والطاقة والضوء، من أبرزها، حصول أستاذ في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية -كاوست- على زمالة الجمعية الفيزيائية الأميركية -APS Fellow- عام 2019، وهي من أعلى التكريمات العلمية في مجتمع الفيزياء العالمي، وفوز أحد طلاب جامعة كاوست بجائزة دولية مشتركة من الجمعية الفيزيائية الأميركية -APS- وجمعية معلمي الفيزياء الأميركية -AAPT- عن بحث متخصص في فيزياء المواد النانوية (Gd-doped ZnO)، ومشاركة مراكز الأبحاث السعودية في تعاونات مع المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية (CERN) ضمن مشاريع فيزياء الجسيمات، وهو ما يضع المملكة في مصاف الدول المسهمة بالبحث العلمي الدولي. وهذه الجوائز والمشاركات لا تقتصر على الجانب التنافسي، بل تُعدّ مؤشرًا على نضج بيئة البحث العلمي في المملكة، وتكامل منظومة اكتشاف الموهبة ودعمها حتى تصل إلى العالمية، وبذلك، تواصل المملكة مسيرتها في تعزيز مكانتها العلمية ضمن مشهد الفيزياء العالمي، مؤكدةً أن الاستثمار في العقول السعودية هو بوابة الريادة العلمية في القرن الحادي والعشرين. الطلاب السعوديون يحصدون الجوائز تمثيل مُشرّف للمملكة مشاركات مميزة على المستوى الدولي