يعتقد المؤرخون أن اغلب الرحالة الاستخباريون مثل البريطاني ولفرد سيثيغر يمتلكون موهبة الرسم واتقانه ولكن ثيسيغر أو (مبارك بن لندن) زاد عليهم بأنه قد امتلك آلة تصوير منذ العام 1934م وما عاد الرسم يعبر عن الحقيقة كما تفعل الصور التي ابدع ولفرد في التقاطها هذا إضافة الى ان الاستخباريون جميعهم كانوا على مدى تاريخهم الطويل يهتمون بالوصف التفصيلي لهيئة وشكل من يهمهم استطلاع أمره ولكن آلة التصوير الخاصة بهذا الرحالة وفنون التصوير التي أجادها وروح الفنان التي ميزته اغنته عن ذلك كثيرا فصب جل اهتمامه على استكشاف مدى امتداد سلطان الشيوخ والقادة الذين قابلهم وبذلك التقط سيثيغر الافاً من الصور على مدى رحلته في جزيرة العرب فوثق اجمل واندر المشاهد لتلك المرحلة المهمة في تاريخ المنطقة شملت الأماكن ومجتمع الجزيرة العربية الذي ما كان يعرف الكمرة ولا التصوير وعلى الرغم ان الملك عبد العزيز طيب الله ثراه قد أمر بالقبض عليه وادخاله السجن مع رفاقه اثناء وصولهم للسليل لاجتيازهم حدود البلاد دون اذن قبل ان يعفي عنه الا انه قال عن الملك عبد العزيز: هو اعظم ملك في تاريخ العرب واقدرهم على حكم جزيرة العرب ومن الأشخاص الذين صورهم ادلائه سالم بن غبيشه وسالم بن كبينه الذين رافقاه في صباهما احدهما كان في سن الخامسة عشر والثاني في سن الثالثة عشر وقام ثيسيغر بإهدائهما كتابه رمال عربية والذي وثق فيه يومياته اثناء اجتيازه صحراء الربع الخالي مرتين عام 1945م وعام 1950م كأول أوروبي يستكشف مجاهل الربع الخالي وذلك تقديرا لهؤلاء الصبيان الصغار وامتنانا لهما كشركاء حقيقيون في إنجاح رحلاته بل انه عاد لهما مرتين بعد تجاوزهما سن السبعين عاما والتقاهم في الخليج العربي عام 1977م وعام 1990م وكانت الزيارة الأخيرة مشاركا في افتتاح معرض المصورات في أبو ظبي والذي كان يضم اكثر من 3000 صورة من صوره وجميعها توثق حياة الانسان في الخليج والجزيرة العربية. الا ان ثيسيغر انبهر عند ما شاهد التغيير الذي حدث في دول الخليج وارتقائها لمصاف الدول الكبرى خلال هذه الفترة القصيرة نسبيا في حساب تقدم الدول ومن جانبهما فقد امتدحا رفيقا رحلته أسلوب تعامله وذكروا انه قد سلحهم ببنادق جديدة ومن نفس نوع البندقية التي كان يحملها وانه كان يعطف عليهما ويصرف لهما أربعة ريالات فرانسية عن كل يوم وهو مبلغ كبير جدا في حساب الفترة بالإضافة الى اكراميات أخرى كانت تعطى لهم وكانت فرصة اثناء عودته ان يلتقط صورا معهم ومع بعضا من الذين عرفهم بعد هذه العقود من الزمن. وثمة صورة أخرى تعد من اجمل صوره كان قد التقطها ثيسيغر سنة 1947م لصبي كشف في السنوات الأخيرة عن اسمه وهو طالع جابر الهلالي من اهل عسير والذي وضعته الصدفة في درب الرحالة وهو لا يزال صبيا في سن الثالثة عشر هذا الرجل قام بزيارته الأستاذ محمد عتيق الرمالي في منزله في مدينة البرك والتقط له صورة حديثه والرمالي احد المهتمين بمقارنة صور الرحالة والمستشرقين الاوربيين حيث يقوم بتتبع الأماكن التي ظهرت في صورهم ويعيد تصويرها من نفس الزاوية وإعادة نشرها من خلال حسابه على منصة اكس ولكنه لم يتمكن كما قال من اجراء لقاء مع الهلالي بسبب ظروفه الصحية. لكن لحسن الحض فإن جريدة «الرياض» سبق وان وثقت له لقاء مختصرا عند ما زارة الزميل أحمد السلمي من مكتب أبها منذ ست سنوات تقريبا وأجرى معه لقاء ذكر له الهلالي أن الصورة تعود لفترة ما بعد توحيد هذه البلاد على يد الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- في إشارة الى وقت التقاط الصورة سنة 1947م تقريبا مستعيداً الحديث من الذاكرة قائلاً: «كنا مع مجموعة من الأطفال في تسابق محموم للوصول إلى مكان تواجده رغبة منا للاطلاع على هذا الوجه الغريب على مجتمعنا البدوي البسيط، فكنا نسابق الخطى للحضور إلى مكان إقامته المؤقتة لمشاهدة ما يحمله من أجهزة ومنها جهاز التصوير الذي أدهشنا لضخامة حجمه، وما يحمله من أجهزة وكيابل خاصة بالتصوير والتوثيق». مضيفا: لم نكن ندرك نهائياً هدف هذا الرحالة لصغر السن ولعدم رغبتنا إلا بمعرفة ما لديه من أجهزة خاصة، مؤكدا أدراكه بعد تجاوز مراحل الصبا والشباب أهمية هذا الرحالة البريطاني الذي عرف فيما كتب عنه وعن رحلته الاستكشافية لعدد من مناطق ومحافظات المملكة ومنها الربع الخالي والساحل البحري لجنوب المملكة. وأكد الهلالي ضمن اللقاء أن تلك الفترة قد بينت لهذا الرحالة البريطاني ثيسيغر والملقب «مبارك بن لندن» عمق حياة الإنسان البدوي الذي كان شديد الحرص على تقاسم رغيف العيش مع مجتمعه كما أسماها، ومنها الماء الآسن ولحم الإبل القاسي، وإن قانون هذه القبائل البدوية كان ينص قديماً على تقاسم الطعام بغض النظر عن قلته أو كثرته إضافة إلى الصفات الإنسانية الكريمة لهذه التجمعات البدوية ومنها الشجاعة والإقدام واحترام الغريب. طالع الهلالي في سن 13 ثم سن الشيخوخة «تصوير / محمد الرمالي» الهلالي مع الزميل أحمد السلمي