من الأمثال الألمانية الشائعة المثل القائل «العاطفة مستشارٌ سيئ»! والحقيقة أن العاطفة «في الغالب» مستشارٌ بلا عقل، مستشارٌ مُتعجلٌ عجلة العالم من حولنا، عالمٌ يزخر بالمصالح المتقاطعة وبالبيانات المضللة والدعايات المشبوهة، وبالعواطف المشحونة حد التخمة! في المقابل يرى كثيرٌ من الناس أن المجد للعقل والمنطق، وأن العاطفة في بنية التواصل الاجتماعي أو التعاملات اليومية إنما هي ثغرةٌ يتسلل منها الفشل، لذا علينا - حسب قولهم - أن نُنحي مشاعرنا جانبًا ونتعامل بمادية مُطلقة تقوم على جداول البيانات، ودراسات الجدوى، والعلاقات المادية التي أساسها حساب المخاطر لا حساب الخواطر! جاءت أبحاث علم الأعصاب لتعطي مؤشرًا مهمًا على ضرورة الدمج بين العواطف والمنطق، إذ تبين أنهما ليسا منفصلين كما نعتقد؛ فالقشرة الجبهية، وهي المسؤولة عن الوظائف المعرفية العليا والتفكير المنطقي، واللوزة الدماغية وهي مركز معالجة المشاعر وتنظيم الانفعالات، مترابطتان إلى حدٍ كبير. الأمر الذي يجعل قراراتنا تتأثر بمزيج من المدخلات المنطقية والعاطفية. لاحقًا أظهرت الدراسات العلمية والتجارب العملية في علم الإدارة والتخطيط فشل الإدارة المبنية على المنطق المحض، أو تلك الإدارات التي تطغى فيها العاطفة على المنطق، بينما تأكد أن السبيل للنجاح يتمثل في المنطق الرشيد الذي لا يتجاهل السياق الإنساني، مع ضرورة التنبه لفخ المنطق التابع حين نتصرف بناءً على عواطفنا، ونستخدم المنطق لاحقًا لمجرد التبرير وشرعنة قراراتنا! وعلى مستوى العلاقات الاجتماعية نجد أكثر الناس تحسرًا وشعورًا بالخيبة، هُم من جعلوا عواطفهم جسرًا لعبور من حولهم دون حساب، وليس أقل منهم حسرةً وخيبةً أولئك الذين تعاملوا بقسوةٍ وأوصدوا أبواب قلوبهم دون الناس، وجعلوا عنوانهم في الحياة: أنا ومن بعدي الطوفان! في لُجَّة هذا العالم ومفاهيمه المتداخلة، نحتاج قبل اتخاذ القرارات أو تحديد المواقف للكثير من المهارة والدراية والمراعاة، فالأمر ليس حقًا مُطلقًا دون أي اعتبار، وليس مصلحة ذاتية تتحقق على حساب الآخرين دون مخاطرة، بل نحن أمام علمٍ يلزمنا التبحر فيه لإدارة الذات أولًا، ولسائر الإدارات ومستوياتها تاليًا، إدارةٌ تستند إلى العقل دون أن تُغفل العاطفة، إذ إن للإنسان جناحين يعلو بهما في سماء التواصل والأخذ والعطاء: العقل والعاطفة، ضدان يُمكن الجمع بينهما تحت مِظلة: تكامل الأضداد؛ بما يضمن اتخاذنا قراراتٍ ومواقف تجعل الإنسانية أولًا!