أخيرًا أُسدل الستار على معركة تيك توك TikTok، بين الولاياتالمتحدةالأمريكية وجمهورية الصين بعد الاتفاق النهائي بين الدولتين، والذي ينص على امتلاك تحالف أمريكي بقيادة شركة أوراكل نسبة 80% من أسهم الشركة، بينما تمتلك شركة بايت دانس الصينية حوالي 20% من الأسهم المتبقية. يستخدم تطبيق تيك توك حوالي 170 مليون أمريكي معظمهم من الشباب، والعدد في ازدياد كبير نظرًا لسرعة انتشار التطبيق بسبب الخوارزمية الذكية والمتميزة التي يستخدمها، وقدرتها على تدفق كميات كبيرة جدًا من المحتوى المتنوع الذي يبحث عنه الشباب، وقدرة التطبيق على فهم ومعرفة اهتمامات المستخدمين بدقة كبيرة، علاوة على تحقيقه أعلى نسبة مشاهدة يومية في الولاياتالمتحدةالأمريكية بين المستخدمين من حيث استهلاك الوقت، حيث سجل 52 دقيقة مقابل 35 دقيقة للإنستقرام، 30 دقيقة للفيس بوك، 26 دقيقة لسناب شات. هذا النجاح الهائل الذي حققه تطبيق تيك توك والهواجس الأخرى التي صاحبته، دعا الإدارة الأمريكية السابقة والحالية، للدخول في مفاوضات طويلة وشاقة مع الشركة الصينية المالكة للتطبيق، وذلك لعددٍ من الأسباب أهمها ما يلي: أولاً: المخاوف الأمنية من التجسس الصيني على المستخدمين داخل أمريكا، مما يثير الشكوك حول معلومات وطنية مهمة وحساسة، ولهذا جاء حظر استخدام تيك توك في الجهات السياسية والدبلوماسية والعسكرية في أمريكا. وقد نص الاتفاق النهائي بين الطرفين كحل لهذه الجزئية على تخزين بيانات المستخدمين على سحابة آمنة تديرها شركة أوراكل، ومنع وصول أي طرف آخر لبيانات ومعلومات المستخدمين. ثانيًا: الخوف من «الإستلاب الثقافي» الذي يُعرف بأنه السيطرة والهيمنة على الثقافة المحلية عن طريق ثقافة خارجية مهيمنة بقوة العولمة والتقنية والاعلام، مما أثار مخاوف الأمريكان حول قدرة التطبيق في التأثير المباشر وغير المباشر على القضايا والمواقف السياسية والاجتماعية من خلال نوعية المحتوى الذي يظهر للمستخدمين، وبالتالي التأثير على سلوكياتهم وثقافتهم وحتى ولائهم لدولتهم، وبحسب رأيي الشخصي فإن هذا أخطر الأسباب في قضية تيك توك. وفي هذا الشأن أجرت جامعة هارفارد بالتعاون مع هاريس بول دراسة حول هذا الموضوع، أثبتت نتائجها أن منصة تيك توك ساهمت في تغيير مواقف وآراء الشباب الأمريكي للفئة العمرية من (18-24) تجاه قضايا حساسة، أبرزها الحرب الإسرائيلية على غزة والتأثير سلبًا على سمعة إسرائيل عالميًا. ثالثًأ: المخاوف الاقتصادية من تطبيق تيك توك في منافسة تطبيقات أمريكية أخرى مثل فيس بوك Facebook وأنستغرام Instagram، حيث تُقدر مبيعات تطبيق تيك توك داخل أمريكا بعشرات الملايين من الدولارات يوميًا، ولو تُرِك هذا الأمر دون ضوابط أو قيود فلن يكون هذا في صالح المنصات الأمريكية الاجتماعية الأخرى. هذه الأسباب مجتمعة دعت الحكومة الأمريكية السابقة والحالية للتحرك ضد تطبيق تيك توك والمخاطر المحتملة له. في العالم الجديد، سوف تأخذ الحروب شكلاً مختلفًا عنه في العالم التقليدي ومختلف عن الأسلحة والجيوش المتعارف عليها. وسوف يكون الاستلاب الثقافي في مقدمة الأدوات التي ستحتل العالم الجديد، من خلال السيطرة والهيمنة الرقمية والنفوذ الرقمي المدعوم بخلفيات ثقافية وأفكار مؤدلجة، الهدف منها السيطرة على دول العالم وشعوبه من أطراف قوية جدًا تمتلك سلاح النفوذ الرقمي وأدوات الإعلام الحديث، وتكريس ثقافتها وحضارتها من خلال صناعاتها ومنتجاتها، لاحتلال العالم، ونهب خيراته وثرواته والتأثير على سلوكيات شعوبه ومواقفهم تجاه أوطانهم، دون استخدام أي سلاح عسكري أو حربي، ودمتم. * أستاذ نظم الحكومة الإلكترونية والمعلوماتية بجامعة الملك سعود