تُعد بلدة منفوحة التاريخية من أعرق بلدات وادي حنيفة، وواحدة من أقدم الواحات الزراعية في منطقة اليمامة، وبالتأكيد فإن موقعها على ضفاف الوادي جعلها مركزًا زراعيًا مزدهرًا، عُرفت منذ القدم بخصوبة أرضها ووفرة مياهها، مما ساعد على ازدهار زراعة النخيل والخضروات والحمضيات، فكانت منفوحة مصدرًا للمنتجات الزراعية وسلّة غذائية لمدينة الرياض، خاصة في وسطها القديم. ومن المؤكد أن منفوحة شهدت ازدهارًا كبيرًا في عهد الدولة السعودية المباركة، إذ كانت من أبرز مناطق الإنتاج الزراعي في وسط نجد، وشكّلت مع الدرعية والعيينة والرياض منظومة متكاملة تمدّ المنطقة بالتمر والغذاء. وكنت أسمع والدي –رحمه الله– وبعض كبار السن يتحدثون عن منفوحة، وكيف كانت سلّة غذائية للرياض، خصوصًا بتمورها وخضارها وفواكهها التي كانت تُنقل يوميًا إلى وسط العاصمة. كان المزارعون في منفوحة يجلبون منتجاتهم عبر طريق منفوحة – الرياض، وهو الطريق القديم الذي يمر بمحاذاة الحي المعروف اليوم باسم حي النشيز، والمقابل تقريبًا ل سوق عتيقة الحالي من الناحية الشرقية، وعلى هذا الطريق كان هناك جبل صغير "ضلع" يُعرف باسم مُريّح، يستريح عنده المزارعون والتجار القادمون من منفوحة ومنطقة صياح الزراعية قبل دخولهم إلى أسواق الرياض. وكان "مُريّح" بمثابة محطة يتجمع عندها المشترون وبعض التجار لشراء ما جلبه أهل منفوحة من تمور وخضروات طازجة، كما كان ملتقىً اجتماعيًا يتبادلون فيه الأخبار وأحاديث السوق. وبالتأكيد لم تكن منفوحة تُعرف بالنخيل فقط، بل كانت أرضًا خصبة لأنواع متعددة من الزروع والثمار، فقد اشتهرت بزراعة التمور بأنواعها الرفيعة مثل: الصقعي، السلج، المقفزي، الشيشي، النبوت، الخضري، وغيرها من الأصناف التي كانت تُعد زاد الأهالي في مواسم الخراف والصرام، وتُستخدم كذلك للضيافة والكرم. كما عُرفت منفوحة بزراعة الفواكه مثل: التين، والعنب، والرمان، والتفاح الصغير، والليمون أبوزهيرة، والبنبر، والعبري، والتوت البلدي، وكانت بساتينها تضفي على المكان جمالًا طبيعيًا أخّاذًا وروائح تعبق في أجواء الصباح. أما الخضروات فكان الأهالي يزرعونها في مزارعهم الصغيرة، وتشمل: القرع، والكوسة، والطماطم، والخيار وكانوا يطلقون عليها اسم الطروح. وكانت تُعرض في الأسواق وتُباع في الرياض بأسعار أعلى نظرًا لجودتها ونكهتها الطازجة. لقد كانت منفوحة آنذاك مركزًا نابضًا بالحياة، تجمع بين الزراعة والتجارة والكرم الأصيل، حتى أصبحت شريانًا اقتصاديًا واجتماعيًا يمد الرياض بالخير والبركة. ومن المؤكد أن طريق "مُريح" لم يكن مجرد ممر، بل كان شاهدًا على قصص إنسانية تعبق بروح الجد والعمل والوفاء، حيث تمتزج رائحة النخل بحداء المزارعين وصوت الباعة في الصباح الباكر. إن منفوحة التي أصبحت اليوم حيًّا من أحياء جنوبالرياض، ما زالت رمزًا للأصالة والعطاء، وجزءًا لا يتجزأ من ذاكرة الرياض القديمة، شاهدةً على تاريخٍ مجيدٍ حملت فيه الأرض خيراتها، وسطر فيه أهلها أروع صور الكرم والمروءة. إنها البلدة التي سقت من واديها العريق تاريخًا من الحب للوطن والأرض والإنسان. عبدالعزيز بن سليمان الحسين