تضطلع المؤسسات الثقافية بدور مهم في صناعة الفكر وتعظيم المردود الإيجابي على الأفراد والمجتمعات بشكل عام وعلى فئة الشباب على وجه الخصوص، ومن ثمّ فإن هذا الدور منوط بتحقيق غاية سامية تفضي في نهاية المطاف إلى تحقيق النماء والازدهار من خلال تشجيع ونشر المعرفة والمساهمة في تشكيل أجيال المستقبل ومد جسور التواصل بينها وبين العالم. وإذا ما تحدثنا عن عالمنا العربي فإن دور المؤسسات الثقافية يتكامل مع أهداف واقعية تتمثل في الحفاظ على التراث التاريخي والمعرفة واستدامة اللغة العربية ووظائفها بالإضافة إلى تعزيز الإنتاج الثقافي على مستوى إصدارات الكتب أو الإنتاج الفني والمسرحي والأدائي. وفي القلب من هذه المؤسسات، يقوم مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء) – مبادرة أرامكو السعودية- منذ أكثر من 10 أعوام بتطبيق رؤيته ورسالته الهادفة إلى إثراء حياة الملايين في المملكة والمنطقة والعالم من خلال برامج وفعاليات بناءة تستقطب مختلف فئات المجتمع، وتسخّر إمكانياتها في سبيل تنوير عقول الشباب وصقل مهاراته وتعريفه بمستجدات الساحة الثقافية العالمية إيمانًا بالمكتسبات الناجمة عن الارتقاء بالفكر والمعرفة على صعيد المجتمع. ولعل أقرب مدخل إلى طريق استدامة المشهد الثقافي وتعزيز مخرجاته هو القراءة باعتبارها أم المدخلات، ومن ثمّ عكف إثراء منذ تأسيسه على الاستثمار في تنمية القراءة والكتب سواء من حيث إنشاء البرامج أو إطلاق الإصدارات بشقيها الرقمي والمطبوع، إلى جانب الحث على القراءة مستهدفًا الشباب خاصة من خلال برامج عدة أبرزها مسابقة "أقرأ"، التي انطلقت عام 2013م لإذكاء شغف القراءة في العالم العربي وخلق بيئة ملهمة للفضول ومشجعة على التواصل الحضاري. إن مسابقة "أقرأ" إلى جانب البرامج الأخرى التي يرعاها إثراء، تعمّق تجربة القراء وتحثهم على استكشاف مسارات جديدة وآفاق واسعة مما ينتج عنه امتلاك قدرات ومقومات تساعد على التكيف مع تحديات المستقبل وواقع الحاضر وإحداث نقلة نوعية تنعكس آثارها على المجتمعات، جنبا إلى جنب مع تعزيز الهوية وترسيخ الإرث الثقافي لبلادنا، مما يجعل من الثقافة نهرًا تتشعب فروعه لتروي آفاق مختلفة. يؤمن إثراء بأن تحقيق النتائج مرهون بإيجاد الحوافز، ومن ثمّ وُجدت مسابقة "أقرأ" لتكون بمثابة الدافع الذي يجتذب القراء من أنحاء المملكة والعالم ليتواصلوا وليتعرفوا على بعضهم البعض في مكان هو أشبه بملتقى الثقافات والإبداع وسط منافسة ريادية تنتهي بالجوائز، وتحث على الاجتهاد والمعرفة والاطلاع، لنضمن استمرارية هذه التجربة الثقافية المميزة لتعم الفائدة. والواقع يشير إلى أهمية القراءة في استدامة القطاع الثقافي، ومن هذا المنطلق انصب جزء كبير من جهود إثراء على جعل القراءة وما يتصل بها أمرًا ميسورًا ومتاحًا للجميع سواء من خلال المكتبة التي تضم أكثر من 357 ألف كتاب أو آلاف من الكتب الرقمية. وبصفته منارة للثقافة، حرص إثراء منذ تأسيسه على تطبيق المفهوم القائل بأن الأسباب الصحيحة تؤدي إلى النتائج المبهرة، وعليه وظّف المركز مقدراته لإخراج تجربة استثنائية ومثرية تستقطب القراء من كل حدب وصوب ومن كل الشرائح ليعيشوا في عالم من المعرفة الصافية والإبداع الثقافي وتبادل وجهات النظر، وهي العناصر التي تضمن ديمومة التطوير والابتكار وفتح الآفاق الجديدة لبناء اقتصادي مزدهر قائم على المعرفة، يرسخ هوية المملكة ويقودها إلى مستقبل أكثر إشراقًا. *رئيس مكتبة مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء)