اقترح كيريل ديمتريف مد نفق للسكك الحديدية عبر مضيق بيرنج، يربط روسيابالولاياتالمتحدة. وديمتريف هو من الشخصيات الروسية البارزة الذين قلدهم ولي العهد وشاح الملك عبدالعزيز من الطبقة الثانية، وذلك تقديراً لجهوده في تعزيز العلاقة بين المملكة وروسيا. وقد كنت محضوضاً بداية هذا الشهر، حيث كان من بين الشخصيات المرموقة التي استمتعت بحديثها في منتدى فالداي للحوار العالمي. وعلى ما يبدو، فإن اقتراح ديمتريف، قد لقي استحسان الرئيس الأمريكي ترمب. ولذلك، فإن حضوض هذا المشروع قد ازدادت. فروسياوأمريكا إذا بنت نفق تحت الماء عبر مضيق بيرنج، الذي يفصل بين ألاسكا وسيبيريا بطول يصل إلى حوالي 130 كم، فإنهما سوف يغيران، على غرار سكة الحديد عبر المانش، ليس فقط العلاقات بينهما، وإنما الخارطة اللوجستية في العالم. إن هذا النفق إذا تم إنشاؤه، فإنه سوف يربط شبكات السكك الحديدية في أوروبا وآسيا بأمريكا الشمالية ومنها إلى أمريكا الجنوبي. وهذا يعني أن نسبة لا يستهان بها من التجارة العالمية سوف يتم نقلها عبر هذا المضيق. فعلى سبيل المثال، يمكن نقل المعادن وموارد الطاقة والآلات والمعدات والمنتجات الزراعية عبر القارات الثلاث دون الحاجة إلى السفن عبر المحيط الهادئ أو الأطلسي، مما يقلل التكاليف والوقت بنسبة قد تصل إلى 30-40%. وهذا بالتأكيد سوف يؤثر على العائدات التي تحصل عليها مصر من قناة السويس. وعلى هذا الأساس، يمكن أن نتوقع إن هذا المشروع سوف يحصل على دعم العديد من البلدان، ابتداء من الولاياتالمتحدةوروسيا وكندا، وانتهاء بطرفي هذا الخط: القارة الأوروبية وقارة أمريكا الجنوبية. فهذه الكتلة الكبيرة من المصالح الضخمة، ربما تساهم في تقريب هذه البلدان المهمة والمتنافسة مع بعضها البعض. وهذا من شأنه خفض التوترات التي نشأت بعد الأزمة الأوكرانية وارتفاع الرسوم الجمركية، والتي أدت إلى تراجع وتائر نمو الاقتصاد العالمي وخاصة في أوروبا. وهذا مهم لنا لأن هذا التراجع أثر بالسالب على الطلب على النفط وموارد الطاقة وأدى إلى تراجع أسعارها. أما على الصعيد الجيوسياسي، فإن مضيق بيرنج قد يحل محل المشروع الأمريكي البديل للحزام والطريق، والذي يهدف إلى ربط قارات آسيا وأوروبا وأفريقيا من خلال خطوط السكك الحديدية والنقل البحري، وذلك عبر ممرين منفصلين، أحدهما يربط الهند بالخليج العربي والآخر يربط الخليج العربي بأوروبا، والذي تم طرحه في قمة مجموعة العشرين عام 2023. ولذلك، فإن اقتراح ديمترييف، مغرٍ لموسكو وواشنطن، لترك خلافاتهما وبناء علاقة قوية فيما بينهما. فمضيق بيرنج، ربما يكون هو الأساس المادي الاقتصادي الذي سوف تبنى عليه العلاقات القادمة بين روسياوالولاياتالمتحدة وأوروبا- أو بين الشرق والغرب. وكأنما حلم جورباتشوف: أوروبا من المحيط الأطلسي إلى فلاديفوستوك، قد قارب على التحقق.