لا يمكن أن ننظر إلى التفاعل في المناسبات الثقافية على أنه تفاعل أجساد تواجدت في مكان واحد وزمن محدد إذا أردنا أن ننتج مادة تحليلية ذات بناء اجتماعي وبناء ثقافي يمكن من خلال مفرداتهما إنتاج معرفة وبناء خبرة وتطوير منتج وتصدير تجربة، فهذا يحتاج إلى الاهتمام بالمنظور الفردي والموجهات الاجتماعية، واللبنات الثقافية والمرحلة الحضارية العامة والخاصة بعيدا عن الآراء التي تطرح جدليات المقارنات المعيارية العربية والدولية ذات البعد الانطباعي والانفعالي دون الاعتماد على جوانب منهجية ومنظور يستوعب حدود الممكن والمتاح والمؤمل. وبما أننا نريد أن نتحدث عن معرض الرياض الدولي للكتاب 2025 والذي لا يمكن أن يمر دون أن يسجل بصمة ثقافية، وتفاعل اجتماعي كبير، وآراء متفاوتة، وهذا هو المتوقع من قبل أن يبدأ؛ فطبيعة المرحلة الحضارية التي تمر بها المملكة العربية السعودية تجعل العدسة المكبرة تتوجه إلى كل ما يرتبط بالمملكة من مواقف وفعاليات ومنجزات وتضعها تحت دائرة المتابعة محليا وعربيا وعالميا، فكما أن المعرض غطى مساحة كبيرة مكانيا فقد شكل مساحة أكبر للنقاش والتفنيد وبلورة الآراء والانطباعات عندما استطاع من خلال نسخه المتتابعة أن يخرج من بوتقة كونه معرضا للكتاب إلى أفق واسع يمكن أن نسميه مرحلة حضارية تحتفي فيها الثقافة بالكتاب، فالكتاب سبب والتفاعل الاجتماعي الثقافي الفكري نتيجة، وهو ما يجعل من معرض الرياض (ظاهرة ثقافية) تحفز الأسئلة عن المنتج السعودي الذي اكتسح المسلمة التاريخية الاجتماعية التي ترى أن الممكن المادي مرتبط بالممكن الاجتماعي، فالمجتمع السعودي الذي يتزاحم في مرحلته الحضارية الحالية على معرض للكتاب بعد حقبة مضت من التباعد والاقتتال جاء ثمرة ونتيجة لبروز دولة حديثة البناء متجذرة الوجود بنيت على تطلعات وعزيمة مؤسس وأصالة إنسانية تاريخية، ووحدة وجدانية وطنية، وخطط تنموية ورؤية قفزت بالإنسان قبل المكان. وهنا مسلمة أخرى هي أننا لا نستطيع الإسهاب عن هذه المعطيات في مقال صحفي لذلك سنشير فقط إلى أن زوايا الرؤية وأشكال التحليل؛ هي ما نحتاجه لتطوير تجربة هيئة الأدب والنشر والترجمة التي سجلت نسخة أخرى للنجاح في إقامة وإدارة مناسبة ثقافية ضخمة تحتفي بالكتاب، وأننا وصلنا إلى مرحلة نحتاج معها إلى القفز من محطة تقييم التجربة إلى محطة دراسة الرمزيات داخل تجاربنا الثقافية، وهي رمزيات من شأنها أن تمنحنا معرض كتاب قادم يمكن تغيير مسماه أو أن يكون له عنوان شارح بجوار عنوانه الرئيس وفق منهجية تسويقية وتثقيفية وإعلامية تتفاعل معها لبنات البناء الاجتماعي بما يعيد تشكيل طبيعة التفاعل في البناء الثقافي السعودي. وبعد هذا العرض السريع، والذي يبدو أنني تحمست في كتابته بما جعلني أنسى مبدأ تبسيط الفكرة المعتبر في حالة المقال الصحفي، ولكن لعل حماسي يشفع لي لأقول إننا حظينا بمعرض كتاب حقق أهدافه الثقافية كاملة، ومد جسور تواصل خارجية، وداخلية بين هيئات وزارة الثقافة، فالمسرح والفنون الأدائية والموسيقى والأزياء والعمارة والمتاحف والفنون البصرية والطهي والتراث والمكتبات والأفلام كلها حاضرة من خلال مسرح خارجي وداخلي أو فعالية أو ورشة عمل أو ندوة أو جناح، ولأقول أيضا إن كل الآراء حول معرض الكتاب مهما تباينت إلى جوار ما رصدته عين المسؤول في وزارة الثقافة ممثلة بهيئة الأدب والنشر والترجمة بالإضافة للجهات المعنية؛ تشكل مادة خام مهمة ومصيرية لتطوير التجربة، ومن وجهة نظري فإننا كذلك بحاجة إلى خط مواز يتمثل في بناء دراسة منهجية عاجلة تجعل من التجربة السعودية في إقامة معارض الكتاب حالة عالمية مستدامة التطوير تُبنى على تحليل الرمزيات واستدامة التفرد الذي أصبح علامة حضارية للمملكة العربية السعودية في كل مواقفها ومنجزاتها وفعالياتها.