تخيّل أن شركة تكنولوجيا تنتفخ قيمتها السوقية فجأة، كبالونٍ عملاق، لتصل إلى أرقام خيالية في وقتٍ قصير، هذا ما حدث بالضبط مع شركات مثل «أوبن إيه آي» الأمريكية، التي قفزت قيمتها من 157 مليار دولار في أكتوبر 2024 إلى 500 مليار دولار حالياً، وكذلك شركة «أنثروبيك» الأمريكية التي تضاعفت قيمتها ثلاث مرات تقريبًا.. هذه الأرقام المذهلة أثارت قلق بنك إنجلترا، الذي حذّر من احتمالية «انهيار» مفاجئ لهذه القيم، السؤال الآن: هل هذه الأرقام تعكس قوة الذكاء الاصطناعي الحقيقية، أم أنها مجرد حماس مبالغ فيه وتوقعات متفائلة؟ والأهم: هل نحن أمام فقاعة اقتصادية جديدة؟ تاريخيًا، شهد العالم فقاعات مماثلة، مثل طفرة الإنترنت في عام 2000، التي اعتقد البعض أنها مجرد «موضة عابرة»، لكنها غيّرت العالم، والخطر الحقيقي يكمن في أن هذه الفقاعات عندما تنفجر، تترك وراءها اضطرابات مدمرة، فالأسهم تنهار، والمعاشات التقاعدية تتضرر، والوظائف تُفقد، والاستثمارات تذهب سدى.. الآن، نشهد علامات مبكرة تشير إلى فقاعة قادمة، فالشركات الكبرى مثل ميتا، ألفابت، مايكروسوفت، وأمازون أنفقت هذا العام ما يعادل الناتج المحلي الإجمالي للبرتغال على تطوير الذكاء الاصطناعي، بينما تظل هذه الاستثمارات الخطرة غير مضمونة، فهي مجرد رهان على أن الذكاء الاصطناعي سيحقق أرباحًا ضخمة في المستقبل. مشكلة بعض الشركات أنها لم تحقق أرباحًا كبيرة من الذكاء الاصطناعي، بل تعتمد على آمال المستثمرين وتوقعاتهم، وإذا بدأ المستثمرون يشكون في قدرة الذكاء الاصطناعي على تحقيق هذه الأرباح، فقد يسارعون إلى سحب أموالهم، وهذا قد يؤدي إلى انهيار مفاجئ، والواقع، أن الأمر لا يحتاج إلى حدث كبير لتفجير الفقاعة، فقد تكون شرارة صغيرة كافية لتفجيره، ونحن أمام احتمالين، الأول أن تكون هذه التقييمات الضخمة بداية لسوق جديدة مستدامة تدفع التقدم التكنولوجي، والثاني أن نكون بصدد فقاعة على وشك الانفجار، والإجابة تعتمد على ما إذا كان الذكاء الاصطناعي سيحقق الوعود الكبيرة المرتبطة به، أم أننا نراهن على أحلام قد لا تتحقق. عملياً، فإن الابتكار التكنولوجي الحقيقي يتزامن غالبًا مع الإفراط في المضاربة، وعلى سبيل المثال، تتضمن العديد من خيارات صناديق التقاعد تخصيصات كبيرة للأسهم الدولية، وعادة ما تصل إلى 20 % من محافظها، وعندما يشتري صندوق التقاعد أسهمًا دولية، فإنه يتعرض بشكل كبير لأسهم الذكاء الاصطناعي، وإذا شهدت هذه الأسهم تصحيحًا أو انهيارًا كبيرًا، فسوف يؤثر ذلك بشكل غير متناسب على مدخرات المتقاعدين.. بطبيعة الحال، هذا لا يعني أن يشعر الناس بالذعر، ولكن على الجهات التنظيمية وأمناء صناديق التقاعد والمستثمرين أن يكونوا على دراية بهذه المخاطر، فالتنويع لا ينجح إلا إذا أتت العوائد من أرباح مجموعة واسعة من الشركات والقطاعات الاقتصادية.