يشهد قطاع الصحة العالمي تحولا جذريا على مختلف الأصعدة. وفي جوهر هذا التحول، تبرز القوى العاملة الصحية كمحور أساسي في تلبية متطلبات المستقبل. فالرعاية الصحية المستقبلية لا تقتصر على توفير أعداد أكبر من الطواقم الطبية، بل على مهنيين أكثر تأهيلاً ومرونة، وعلى دراية أوسع بالتقنيات الرقمية، وذو ترابط وثيق مع الكفاءات العالمية. ومع النمو المتسارع لقطاع الرعاية الصحية بفضل التقنيات والابتكارات الجديدة، يتساءل الكثيرون عن الدور الذي سيلعبه الطاقم الطبي البشري، خاصة ومع الحديث المستمر عن توسيع نطاق استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي. لا ننكر قدرة هذه الأدوات على إحداث نقلة نوعية في الرعاية الصحية، إلا أنها مصممة لدعم الخبرة البشرية وتسهيل التواصل مع المريض. ولكنها ليست لتحل محلها. لذا، فإن تمكين القوى العاملة الصحية وإعدادها للمستقبل، يعزز مكانتها كحجر أساس في منظومة صحية مرنة ومتكاملة، وعالية الأداء، قادرة على تحقيق رؤى طموحة. ويعد برنامج التحول الصحي الذي تشهده المملكة، واحدا من أكثر المشاريع التحولية طموحا في العالم. فمن خلال رؤية 2030، أعادت المملكة تصور سبل توفير الرعاية الصحية، وتمويلها، والتماسها من قبل المستفيدين. ولكن اليوم، تواجه المملكة تحديا ذو وجهين: الأول، متمثلاً بازدياد الطلب على الخدمات الصحية؛ والثاني، تجهيز وإعداد الطواقم الصحية لمستقبل صحي مختلف عما عهدناه في العقود الماضية. ومع النقص في أعداد القوى العاملة المتخصصة، وتزايد الإصابات بالأمراض المزمنة وارتفاع نسبة الشيخوخة، باتت تشكل التوقعات المتزايدة للحصول على أعلى مستويات من الخدمة الصحية، ضغطا كبيرا على المنظومة الصحية الحالية. مما يجعل من إعداد فرق الرعاية الصحية المناسبة لهذه التحديات، أمرًا بالغ الأهمية. وعلى الرغم من استثمارات المملكة الجريئة في الصحة الرقمية، كالمنصات الرقمية والأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، وتوفير الخدمات الطبية عن بُعد، إلا أن نجاح هذه الاستثمار ونمو عائداته، سيعتمد على سرعة تكيّف القوى الصحية العاملة مع هذه التطورات. ومع التحول الذي يشهده نموذج العمليات الطبية، من تمحور الرعاية الصحية حول الأطباء كسلطة مركزية، إلى نموذج متكامل قائم على الفريق وتمكين أعضاءه، فضلا عن ارتفاع الطلب وتفاوت فرص العرض، يصبح تمكين المهنيين الصحيين ضرورة استراتيجية لنجاح واستدامة برامج التحول. ومع تحقيق المؤسسات السعودية تقدماً ملحوظاً في تدريب وتطوير القدرات المحلية، إلا أن تحقيق التوازن بين القدرات المحلية والخبرات العالمية، لا يكتمل إلا من خلال تعزيز فرص تبادل المعرفة العالمية وتفعيلها عبر الشراكات وفرص التدريب، وتبادل الخبرات والتعاون البحثي. قد أثبتت المملكة قدرتها على تحقيق قفزات نوعية في إصلاح النظم الصحية. ولكن، لن يُقاس النجاح الحقيقي بتبني التقنيات الحديثة أو بناء المرافق الجديدة فحسب؛ بل ستكون طواقم الرعاية الصحية المستعدة للمستقبل أيضًا، عاملًا رئيسيًا في تميز النجاح. *نجلاء الهديب، المدير القُطري لهيوستن ميثوديست لخدمات الرعاية الصحية العالمية في السعودية وقطر