في زمن الوفرة والسهولة، لم يعد التدليل سلوكًا عابرًا داخل الأسرة، بل تحول إلى نمط تربوي متكرر يُنتج ما يُعرف ب«متلازمة الطفل المدلل»، وهي ظاهرة آخذة في الانتشار بصمت بين الأسر المعاصرة. وأوضح المستشار في مهارات الاتصال أنس محمد الجعوان في حديثه لصحيفة الرياض أن هذا النمط يظهر عندما تُلبّى رغبات الطفل باستمرار دون ضوابط أو حدود، فينشأ معتادًا على الحصول على ما يريد فورًا، ويصعب عليه تقبّل الرفض أو مواجهة الإحباط، مضيفًا أن بعض الخبراء يصفون هذه الحالة بأنها أنانية مكتسبة وغياب للنضج السلوكي، سببها الأساسي ضعف الانضباط التربوي أمام عاطفة الأبوين. وبيّن الجعوان أن من أبرز العلامات التي تكشف سلوك الطفل المدلل: رفض كلمة «لا» بشكل متكرر، والحساسية المفرطة تجاه الخسارة أو النقد، والاعتماد المفرط على الوالدين في أبسط المواقف، إضافة إلى التوقّع الدائم لتلبية الرغبات دون انتظار. وأشار إلى أن بعض المؤشرات التربوية تدل على اتجاهات مقلقة، إذ يُظهر نحو 5٪ من الأطفال سلوكيات مدللة واضحة تتمثل في ضعف الانضباط والاستبداد في الطلبات. وكشف الجعوان أن دراسة أُجريت على 316 مشاركًا أظهرت أن 39.6٪ من الآباء يؤيدون العقاب الجسدي كوسيلة للتربية، مما يعكس تخبّطًا بين الحزم والعنف. وفي هذا السياق، أشار إلى تقرير صادر عن منظمة اليونيسف يُظهر أن أكثر من 400 مليون طفل حول العالم يتعرضون لعقاب نفسي أو جسدي بانتظام، في دلالة على خلل تربوي متطرف يتأرجح بين السيطرة والتدليل. وأضاف أن الطفل المدلل غالبًا ما يواجه صعوبات في الاندماج المدرسي والاجتماعي، ويفتقر إلى مهارات التعامل مع الخلافات أو الفشل، موضحًا أن هذه السلوكيات ترتبط على المدى البعيد بسمات مثل ضعف ضبط النفس، الإسراف، التبعية، والنرجسية. وختم الجعوان بالتأكيد على أن التحدي الأكبر أمام الأسرة هو تحقيق التوازن بين الحنان والانضباط، مؤكدًا أن الحب الحقيقي لا يعني تلبية كل رغبة، بل تربية طفل يعرف قيمة الانتظار، ويحترم حدود الآخرين، ويواجه الحياة بقدرة لا تُربّى بالدلال، بل بالتربية الواعية.