يأتي اليوم الوطني السعودي، في كل عام، ليمثل أكثر من مجرد ذكرى تاريخية لتوحيد البلاد، فهو مناسبة وطنية راسخة في الوجدان، تجسد فخر الانتماء، وعمق الولاء، وعظمة الإنجاز، لكن، وبعيداً عن الأبعاد الوجدانية والرمزية، يُعدّ هذا اليوم محطة اقتصادية حيوية، ونقطة تحول في مؤشرات الإنفاق المحلي، ومحركاً قوياً للحراك الاقتصادي في مختلف القطاعات، لقد تحول الاحتفاء باليوم الوطني بفضل الرؤية الطموحة إلى استراتيجية تنموية غير مباشرة، تضخ دماً جديداً في شرايين الاقتصاد الوطني. إن القوة الدافعة وراء هذا الحراك تكمن في العامل النفسي والاجتماعي، فمشاعر الفخر والبهجة التي تملأ الأجواء تحفز المستهلكين على زيادة إنفاقهم، ليس فقط على المنتجات التي تحمل طابعاً وطنياً، بل على مختلف السلع والخدمات، هذا الارتفاع في مؤشرات الإنفاق لا يقتصر على فئات معينة، بل يشمل جميع شرائح المجتمع، مما يخلق دورة اقتصادية إيجابية، تعود بالنفع على الأفراد والشركات على حد سواء. قصة نجاح من نوع خاص تتوزع الفوائد الاقتصادية لليوم الوطني على مجموعة واسعة من القطاعات، كلٌ بطريقته الخاصة. ويمكن رصد التأثير الأكبر في القطاعات مثل قطاع التجزئة والتجارة الإلكترونية إذ يُعدّ هذا القطاع من أكبر المستفيدين، حيث تشهد المتاجر الكبرى ومراكز التسوق حركة شرائية غير مسبوقة، مدفوعة بالعروض الترويجية والخصومات الخاصة بهذه المناسبة. ولا يقتصر الأمر على المنتجات المتعلقة باليوم الوطني مثل الأعلام والأوشحة والملابس التقليدية، بل يمتد ليشمل كافة السلع الاستهلاكية، من الإلكترونيات إلى الأجهزة المنزلية. كما أن صعود التجارة الإلكترونية ساهم في مضاعفة هذا الأثر، حيث تتسابق المنصات الرقمية لتقديم عروض حصرية، مما يسهل على المستهلكين الوصول إلى المنتجات من أي مكان، ويوسع من نطاق الحراك الاقتصادي. السياحة والضيافة يتحول اليوم الوطني إلى موسم سياحي داخلي بامتياز، حيث يتوجه آلاف المواطنين والمقيمين إلى المدن الكبرى مثل الرياضوجدة والمنطقة الشرقية، للاستمتاع بالفعاليات الاحتفالية، فهذا الحراك يرفع من معدلات إشغال الفنادق والشقق الفندقية، ويجعل من حجوزات الطيران والقطارات أمراً تنافسياً، كما أن المشاريع السياحية الجديدة مثل العلا، والبحر الأحمر، وغيرها، تستفيد بشكل كبير من هذه الحركة، مما يؤكد على أن السياحة الداخلية أصبحت رافداً مهماً للاقتصاد، ويعزز مستهدفات الرؤية في تنويع مصادر الدخل. الترفيه والفعاليات لم يعد اليوم الوطني مجرد عرض عسكري أو خطابات رسمية. لقد تحول إلى كرنفال ترفيهي ضخم، بفضل الدعم غير المسبوق لقطاع الترفيه. تُقام الحفلات الغنائية الكبرى، والعروض الجوية الباهرة، وعروض الألعاب النارية، ومهرجانات المأكولات الشعبية، إذ تعد هذه الفعاليات محركاً اقتصادياً بحد ذاتها، حيث تخلق فرص عمل مؤقتة، وتستقطب الزوار، وتدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تقدم خدماتها خلال هذه الاحتفالات. وتعكس مؤشرات الإنفاق المرتفعة باليوم الوطني حجم وقوة الاقتصاد السعودي، بل تعد مرآة حقيقية لمدى الرفاه الذي يتمتع به المواطنون والمقيمون، فقدرة الأفراد على الإنفاق في المناسبات الاجتماعية والوطنية دليل على استقرارهم المادي وثقتهم في المستقبل الاقتصادي للبلاد. هذا الحراك الاقتصادي الإيجابي لا يتوقف عند حدود المعاملات التجارية، بل يمتد ليؤثر بشكل مباشر على جودة حياة المواطنين، فزيادة العوائد الاقتصادية تساهم في توفير الموارد اللازمة للإنفاق على القطاعات الحيوية مثل التعليم الجيد وجودة الرعاية الصحية، وتطوير البنى التحتية، وتعزيز الخدمات الاجتماعية التي تضمن حياة كريمة للجميع، هذا الترابط يثبت أن كل ريال يتم إنفاقه في هذه المناسبة الوطنية يعود بالنفع على المجتمع ككل، ويساهم في تحقيق أهداف الرؤية التي تضع جودة العيش في مقدمة أولوياتها. تعزيز العلامات التجارية تستغل الشركات الكبرى اليوم الوطني ليس فقط لزيادة المبيعات، بل لتعزيز ولائها للوطن من خلال حملات إعلانية مبتكرة، فتربط هذه الحملات العلامة التجارية بمشاعر الفخر والانتماء، مما يخلق قيمة غير ملموسة، ويعزز من علاقتها بالمستهلكين، وهذه الشراكة بين القطاع الخاص والوطن تساهم في بناء اقتصاد وطني مترابط ومتضامن. دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة يُعد اليوم الوطني فرصة ذهبية للمشاريع الناشئة والصغيرة والمتوسطة، حيث يمكن لأصحابها من المصممين، والطباخين، ومنظمي الفعاليات، ورواد الأعمال، أن يعرضوا منتجاتهم وخدماتهم لجمهور واسع، ويساهم هذا الدعم المباشر في نمو هذه المشاريع، التي تُعدّ العمود الفقري لأي اقتصاد مستدام، وتتماشى تماماً مع خطط تمكين رواد الأعمال في المملكة. بناء مجتمع حيوي وإيجابي أحد أهم أهداف رؤية 2030 هو بناء مجتمع حيوي. الفعاليات الاحتفالية باليوم الوطني تساهم في تحقيق هذا الهدف بشكل مباشر، حيث تعزز الترابط الاجتماعي، وتخلق أجواءً من البهجة والتفاؤل، لأن المجتمع الإيجابي هو مجتمع أكثر إنتاجية، وأكثر استهلاكاً، وأكثر إقبالاً على العمل والابتكار، مما يعود بالنفع على الاقتصاد في المدى الطويل، لم يعد اليوم الوطني السعودي مجرد احتفال رمزي، بل أضحى حدثاً اقتصادياً واستراتيجياً متعدد الأبعاد، لأنه محطة سنوية تستعرض فيها المملكة إنجازاتها، وتجدد فيها عهدها بالتقدم، وتؤكد فيها على أن الوحدة والفخر هما وقود التنمية الاقتصادية. إن الأجواء الاحتفالية التي تملأ أرجاء الوطن لا ترفع فقط من معنويات المواطنين والمقيمين، بل ترفع معها مؤشرات الإنفاق والنمو، وتثبت أن الاقتصاد السعودي يسير بخطى ثابتة نحو مستقبل أكثر ازدهاراً واستدامة، مستنداً إلى رؤية حكيمة، وروح وطنية لا تعرف حدوداً.