المتأمل للمشهد الوطني اليوم يرى سردية وطنية سعودية تقدم في كل المجالات، ما يعكس مستوى الوعي السعودي بتاريخ وطنهم وحاضره ومستقبله، تكمن أهمية السردية الوطنية في قدرتها على الجمع وإذابة الفوارق في بوتقة وطنية جامعة. ولعله من غير الدقيق أن يعتقد البعض أن السردية الوطنية تعنى بالتاريخ والماضي فقط؛ فهي وإن كانت تبنى في أساسها على هذا الماضي بأحداثه وقصصه وتفاصيله ورموزه إلا أن للسردية الوطنية شقها المستقبلي.. ومن هنا يمكننا تعريف السردية الوطنية السعودية بأنها الرواية السعودية الكبرى التي يتبنّاها مجتمعنا السعودي لتفسير تاريخه، وترسيخ هويته، وتعزيز شعور أفراده بالانتماء، وتتضمن هذه السردية سرداً لأحداث تاريخينا الوطني المحورية، ورموزنا الوطنية، وقيمنا الأساسية، ورؤيتنا المستقبلية المشتركة. تنطوي سرديتنا الوطنية على شقين مهمين ومتكاملين وهما: شقها التاريخي وشقها المستقبلي. ففي العام 1139ه أسس الإمام محمد بن سعود -طيب الله ثراه- الدولة السعودية الأولى التي انطلقت من الدرعية لتكون أول دولة تسد الفراغ السياسي الذي عانت منه الجزيرة العربية منذ انتهاء دولة الخلافة الراشدة عام 40ه. حققت هذه الدولة الأمن والعدل والسلام لمواطنيها ومحيطها، وطبقت الإسلام ونشرت الوعي لما يقرب من قرن من الزمان، ثم قامت الدولة السعودية الثانية على يد الإمام تركي بن عبدالله عام 1240ه منطلقة من الرياض لتواصل هذا الدور حتى العام 1309ه.. وفي العام 1319ه دخل صقر الجزيرة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه- الرياض مطلقا أهم مشروع توحيدي شهدته المنطقة لاستعادة ملك الآباء والأجداد.. استمر هذا المشروع لما يربو على الثلاثين عاما ليتوج ولله الحمد بتوحيد المملكة العربية السعودية عام 1351ه (1932م).. واليوم نحتفل بالذكرى الخامسة والتسعين لهذا التوحيد. هذه القرون الثلاثة من التاريخ الزاهر بما فيها من أحداث وتفاصيل ورموز هي الشق التاريخي لسرديتنا الوطنية.. ويقابل هذا الشق رؤيتنا المستقبلية وهي رؤية المملكة 2030، هذه الرؤية التي ربطت ماضينا المجيد بمستقبلنا الزاهر لتكتمل جوانب سرديتنا الوطنية.. لقد أدت رؤية المملكة 2030 إلى التطور في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتطورت كذلك البنى الفكرية للمجتمع السعودي ومن أهم جوانب هذا التطور بناء السردية الوطنية السعودية.