لا تكاد العقود الزمنية المعدودة تُذكر في عمر الدول لكنها في السياق المعاصر لإدارة خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز للدولة السعودية تعني أشياء كثيرة لأنها بمقاييس أدبيات إدارة الدول تجاوزت كل التنظير السياسي ذي الصلة، وتحل ذكرى مبايعة خادم الحرمين الشريفين الحادي عشر ملكاً للمملكة العربية السعودية وهي في الثالث من ربيع الثاني من كل عام، وتبوأت مسيرة مجلس الشورى في العهد الميمون لخادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبدالعزيز دورا رئيسا في تأصيل فقه الشورى، وتقديمه للعالم إسهاماً من المملكة في إثراء التراث البشري في فلسفة الحكم وأنظمته، وكان من ثمار هذه الجهود أن احتل المجلس مكانة لائقة به ضمن خريطة المجالس النيابية على مستوى العالم العربي والإسلامي خاصة، وعلى مستوى العالم عامة ليكون إضافة تؤكد الثراء الفكري الذي تتمتع به الحضارة الإسلامية، وتبرز قدرة هذا الدين على التعامل إيجاباً مع متغيرات الزمان، واستيعاب معطيات الحضارة. ويجد الشورى ومع ذكر البيعة لتولي الملك سلمان بن عبدالعزيز مقاليد الحكم في المملكة العربية السعودية من دعم ورعاية ومساندة وحرص على أداء مجلس الشورى لمسؤولياته وأدواره التنظيمية والرقابية، والذي تجسد في كثير من المواقف والقرارات التي أضحت شواهد تاريخية على المرحلة التي نعيشها في بلادنا، ويأتي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان يأتي امتداداً للعهود الزاهرة التي عاشتها المملكة منذ التأسيس على يد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود -رحمه الله- ومن تلاه في ملك البلاد من أبنائه -رحمهم الله جميعاً- والذين كانت لهم بصماتهم الواضحة على صعيد النماء والتطوير في مجالات مختلفة تمس حياة المواطن، واتسم عهد الملك سلمان بسمات حضارية رائدة جسدت ما اتصف به -رعاه الله- من صفات متميزة أبرزها تفانيه في خدمة وطنه ومواطنيه وأمته الإسلامية والمجتمع الإنساني بأجمعه وترسيخه لمبدأ المحاسبة ومحاربة الفساد والمساءلة لكل أحد دون استثناء مهما كان هذا الشخص إضافة إلى ترسيخ قواعد الحوار محلياً ودولياً إضافة إلى جهوده الإصلاحية التطويرية الكبيرة في سبيل بناء دولة مؤسسات عصرية في شتى المجالات، وعلى أن خطى الإصلاح التي تميز بها عهد الملك المفدى قد أسهمت في تعزيز دور مجلس الشورى بما انعكس على مختلف مؤسسات الدولة وهذا التغيير مهد له جهد سنوات من الحوار والنقاش تحت قبة المجلس الذي يحظى بالرعاية الكريمة من لدن خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين، والتوسع في مفهوم الشورى ودور مجلس الشورى في الرقابة على أداء الأجهزة الحكومية من خلال مساءلة ومحاسبة المقصرين على اختلاف مستوياتهم. وتنطق المنجزات وما تحقق من بناء خلال الأعوام الماضية يقف شاهدا على نهج الإصلاح والتنمية الذي اختطه الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- حتى أصبح منهجاً للعمل الحكومي والذي يحتاج منا نحن المواطنين، وكذلك من جميع مسؤولي الحكومة السير على ما اختطه لنا الملك -حفظه الله- من الإخلاص في العمل والنزاهة ومحاربة الفساد والمحسوبية والإقليمية والقبائلية والعمل على بناء الوطن الواحد وطن الجميع دون تفرقة أو تمييز، وخلال أعوام قامت الدولة بتنفيذ مشروعات عملاقة في كل المجالات سواء الخدمات أو مشروعات اقتصادية عملاقة والتي شملت كل مناطق ومحافظات المملكة دون استثناء وهذا يؤكد نهج الملك -حفظه الله- الذي أكد على التوزيع العادل لمشروعات الخدمات وغيرها من المشروعات وذلك لتحقيق العدالة في التنمية بين مناطق المملكة المختلفة، ولاشك أن هذا النهج أضحى سياسة الدولة التي تهدف إلى تنمية المناطق والحد من الهجرة إلى المدن الكبيرة، وما زالت الدولة مستمرة لإكمال مسيرة الإصلاح والبناء التي بدأها -حفظه الله- منذ تولية مقاليد الحكم للنهوض بالمملكة لتصبح في مصاف العالم الأول لتحقق طموحاته وطموحات الوطن للوصول بالمملكة إلى مصاف الدول العظمى . وحتى من قبل أن يتولى -حفظه الله- الحكم كان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز مسكوناً بهواجس الإصلاح والتطوير، وإشاعة روح الانفتاح والحوار على كل المستويات ولقد قاد عملية إصلاح شاملة في المملكة تناولت الجوانب الاقتصادية والإدارية والاجتماعية والثقافية، وانتقل بالحوار من المستوى الوطني إلى المستوى الإسلامي فالمستوى العالمي، ونحن الآن على أعتاب سنة جديدة من سنوات حكمه المديد إن شاء الله فأننا نتطلع إلى الاستمرار في قيادته لعملية الإصلاح باعتبارها عملية مستمرة تحتاج إلى متابعة وتوجيه مستمرين. وفي خطاب ملكي سابق وجهه خادم الحرمين لمجلس الشورى، حدد فيه المنهج الذي سينهجه في إدارته للبلاد، فقال -حفظه الله-: «إنني إذ أتولى المسؤولية بعد الراحل العزيز أشعر أن الحمل ثقيل وأن الأمانة عظيمة، لذا أستمد العون من الله -عزَّ وجلّ- وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يمنحني القدرة على مواصلة السير في النهج الذي سنّه مؤسس المملكة العربية السعودية العظيم جلالة الملك عبد العزيز آل سعود -طيب الله ثراه-، واتبعه من بعده أبناؤه الكرام رحمهم الله، وأعاهد الله ثم أعاهدكم أن اتخذ القرآن دستوراً، والإسلام منهجاً وأن يكون شغلي الشاغل إحقاق الحق، وإرساء العدل، وخدمة المواطنين كافة بلا تفرقة، ثم أتوجه إليكم طالباً منكم أن تشدو أزري وأن تعينوني على حمل الأمانة وألا تبخلوا علي بالنصح والدعاء». ويقول في خطابه -حفظه الله- أمام مجلس الشورى "إن الإسلام يدعو إلى توفير الحياة الطيبة وسبيلنا إلى ذلك هو التنمية الشاملة التي سنسعى بإذن الله إلى استكمالها ملتمسين خير المواطن وسعادته. آملين أن نحقق له أسباب السكن والعمل والتعليم والعلاج وبقية الخدمات والمرافق وسنحرص على مكافحة الفقر والاهتمام بالمناطق التي لم تحصل على نصيبها من التطور وفقاً لخطط التنمية المدروسة"، واليوم عندما نراجع ما تم من إنجازات خلال العام الماضي بتوجيه خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين نجد توافقاً فيما حدده -حفظه الله- من منهج، وأعلنه من وعود في خطاباته. وتحقق لمناطق المملكة كلها مشروعات عدة وتلاحم المواطنين مع القيادة في الزيارات الموفقة لخادم الحرمين الشريفين التي يتفقد من خلالها أحوال المواطنين ويتلمس احتياجاتهم ويعلن فيها قيام مشروعات لخدمة كل منطقة، ونال المواطنون فوائد عدة في مشروعات البناء واستفاد موظفو الدولة من زيادة في رواتبهم. ترسيخ مبدأ المحاسبة ومحاربة الفساد والمساءلة لكل أحد دون استثناء كما حققت بلادنا الغالية خلال عهد خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين قفزات كبيرة على طريق التنمية في مختلف المجالات ووظفت العائدات النفطية في مشروعات تنموية لخدمة المواطن، وتوسعت في استثمار الطاقة وتعزيز صناعة البترول والغاز والاعتماد على الإيرادات غير النفطية، حيث أكد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في افتتاح أعمال السمة الثانية من دورة الشورى التاسعة "إن الاقتصاد السعودي ماض في تنويع مساراته وتأكيد قدرته على تقليص اعتماده على النفط، بعد أن حققت الأنشطة غير النفطية للمرة الأولى 56 % من الناتج المحلي الإجمالي الذي بلغ مستويات تتجاوز 4.5 تريليونات ريال"، وأكد أن "كل ذلك وغيره من المنجزات جعل السعودية مركزًا عالميًا يستقطب مختلف النشاطات ولعل اختيار 660 شركة عالمية المملكة مقرًا إقليميًا لها، وهو أكثر مما كان مستهدفًا لعام 2030؛ يجسد ما تحقق في البنية التحتية ومستوى الخدمات التقنية، ما يؤكد متانة الاقتصاد السعودي وآفاقه المستقبلية الرحبة"، تعكس زيادة إسهام الأنشطة غير النفطية إلى 56 % من الناتج المحلي الإجمالي استمرار نجاح مسيرة التنويع الاقتصادي في المملكة والاستثمار في القطاعات الواعدة وتحقيق مستهدفات رؤية 2030.