في وقت تتسارع فيه خطى العالم نحو الفضاء، وتتنافس القوى الدولية على الريادة في ميادينه العلمية والتقنية، تبرز المملكة كلاعب محوري يسعى إلى حجز موقعه بين الصفوف الأولى. فمن خلال وكالة الفضاء السعودية، تمضي المملكة نحو مسار استراتيجي يترجم طموحاتها إلى واقعٍ ملموس، ويجعل من الفضاء جزءًا أساسيًا لدعم التنمية الوطنية وتعزيز حضورها العالمي، انسجامًا مع أهداف رؤية المملكة 2030. إن التوجه السعودي نحو الفضاء لم يعد خيارًا تكميليًا، بل خيارًا استراتيجي يفتح آفاقًا نحو المستقبل، بداية من توطين المعرفة والتقنية، وجعل المملكة مركزًا عالميًا رائدًا في هذا المجال، عبر بناء قاعدة علمية متينة، واستقطاب الكفاءات، وتمكين العقول الوطنية من قيادة مشاريع فضائية تضاهي أرقى التجارب الدولية. تقوم رؤية الوكالة على أن تكون المملكة دافعا للنمو محليًا وعالميًا من خلال الابتكار واكتشاف الفضاء، فيما تتمثل رسالتها في تعزيز التعاون الدولي وتنمية القدرات البشرية، وتمكين الاستثمار في مختلف مجالات علوم الفضاء وتقنياته. هذه الرؤية الطموحة تجسد إرادة وطنية للريادة وصناعة الفارق في واحد من أهم القطاعات تأثيرًا على المستقبل. ولأجل ذلك ،وضعت الوكالة أهداف محورية، أبرزها تعزيز مكانة المملكة كمركز إقليمي وعالمي لعلوم الفضاء، والعمل على توطين وتطوير التقنيات الفضائية بما يتوافق مع احتياجات المملكة. كما تركز على تسخير الفضاء للأغراض السلمية عبر الالتزام بالمعايير الدولية وتطبيق أفضل الممارسات العالمية في مجال الأقمار الصناعية، مع العمل على توسيع استخدامات الفضاء لخدمة المجتمع، سواء في الاتصالات المتقدمة، أو الملاحة الدقيقة، أو تقنيات الاستشعار عن بعد. يمتد هذا التوجه ليشمل الاستثمار في البحث العلمي والتطبيقات المدنية، التي تخدم القطاعات الحيوية مثل الأمن الغذائي، إدارة الموارد الطبيعية ، تطوير المدن الذكية. فالفضاء بالنسبة للمملكة ليس مجال علمي فحسب، بل أداة عملية تسهم في تحسين جودة الحياة اليومية وتعزيز قدرة الدولة على التخطيط وصنع القرار القائم على المعرفة والبيانات. كما تولي المملكة اهتماما خاص بتطوير الأقمار الصناعية المحلية لدعم القطاعات المدنية والعسكرية، وتعزيز الاستقلالية التقنية. وفي هذا الإطار، يلعب الذكاء الاصطناعي السعودي دورا متقدمًا في تحليل البيانات، والتنبؤ بالظواهر المناخية، وإدارة الموارد، مما يعزز القدرة على اتخاذ قرارات استراتيجية دقيقة ويسرع الابتكار الوطني في علوم الفضاء. تدرك المملكة أن بناء هذا القطاع يتطلب تعاونا دوليا واسعا، لذلك تسعى الوكالة إلى عقد شراكات مع وكالات الفضاء العالمية، والانخراط في برامج استكشافية مشتركة، تمنح الكفاءات السعودية فرصة المشاركة في بعثات رائدة مثل محطة الفضاء الدولية. لا تقتصر الشراكات على تبادل المعرفة فحسب، بل تمنح المملكة حضورًا فاعلاً في المجتمع الفضائي العالمي، وتتيح لها المساهمة في صياغة مستقبل الاستكشاف خارج نطاق الأرض. ومن المبادرات المميزة أيضا برنامج رواد الفضاء السعوديين، الذي يهدف إلى إعداد كوادر وطنية قادرة على المشاركة في المهمات الفضائية والبحث العلمي المتقدم، بما يربط بين التعليم والابتكار والممارسة العملية في الفضاء. تعد المبادرة رمزًا للريادة الوطنية وتفتح أبوابها للأجيال القادمة للمساهمة في صناعة المستقبل الفضائي السعودي. تؤكد المملكة أن الفضاء لم يعد حكرًا على القوى الكبرى، وأنها قادرة على صناعة مسارها الخاص نحو الريادة والابتكار. فهي رحلة تتجاوز حدود الأرض لتضع السعودية في مدار المستقبل، حيث يلتقي الابتكار بالاستثمار، والعلم بالتنمية، والطموح بالإنجاز. تشير الإحصاءات الحديثة إلى أن اقتصاد الفضاء السعودي بلغ في عام 2024 نحو 8.7 مليار دولار، منها 1.9 مليار دولار تمثل السوق المباشر للخدمات الفضائية والبنية التحتية، مع توقعات بنمو سنوي يقارب 12 في المئة ليصل بحلول عام 2035 إلى أكثر من 31.6 مليار دولار، منها 5.6 مليار دولار كسوق مباشر. وعلى صعيد الأقمار الصناعية، نجحت المملكة في إطلاق 16 قمراً صناعياً بين عامي 2000 و2019، من أبرزها قمرا SaudiSat-5A وSaudiSat-5B المخصصان للتصوير الأرضي واللذان أطلقا في ديسمبر 2018، إضافة إلى القمر SaudiGeoSat-1/HellasSat-4 الذي أطلق عام 2019 لتعزيز الاتصالات من المدار الجغرافي الثابت. هذه الأرقام تعكس ليس فقط الحضور المتنامي للمملكة في سباق الفضاء، بل أيضًا قدرتها على تحويله إلى رافعة اقتصادية وتقنية تعزز مكانتها الإقليمية والعالمية. المملكة وطريقها إلى ريادة الفضاء تولي المملكة اهتمامًا متزايدًا بقطاع الفضاء، معززة ذلك بتطوير بنية تحتية متقدمة، وتعزيز التعاون الدولي واستثمار الكوادر الوطنية. وفي عام 2018، تأسست الهيئة السعودية للفضاء، التي تحولت لاحقًا إلى وكالة الفضاء السعودية في يونيو 2023. تتولى الوكالة مسؤولية التخطيط ووضع السياسات والبرامج المتعلقة بالفضاء، وتنظيم وتطوير كل ما يتعلق بالأقمار الصناعية والأنظمة العالمية للملاحة والمركبات الفضائية والبعثات الاستكشافية للفضاء والبنية التحتية لقطاع الفضاء، وتعزيز الأمن الفضائي برصد المخاطر الفضائية، إضافة إلى تنمية الكوادر الوطنية في مجال علوم الفضاء ودعمها، والتعاون مع الجهات الحكومية والهيئات المماثلة في الدول الأخرى، وتمثيل المملكة في المحافل الدولية، وتنظيم ما يتصل ببعثات علوم الفضاء والاستكشاف. تسعى المملكة إلى تحقيق رؤية 2030 من خلال تحديث الاقتصاد الوطني وتحقيق تنوع اقتصادي مستدام، حيث تعتبر صناعة الفضاء جزءًا أساسيًا من هذه الرؤية. تسعى المملكة إلى تعزيز قدراتها في هذا المجال وتطوير البنية التحتية اللازمة لدعم مشاريع الفضاء، كما أن الرؤية بمثابة خريطة طريق لتوسيع نطاق الابتكار والتكنولوجيا في المملكة، بما في ذلك المجالات العلمية مثل الفضاء. وفي خطوة تعكس التزام المملكة بهذا القطاع، وقعت وكالة الفضاء السعودية اتفاقًا مع وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" لإطلاق أول قمر صناعي سعودي مخصص لدراسة مناخ الفضاء. يهدف هذا التعاون إلى تعزيز القدرات العلمية والتقنية في مجال الفضاء. كما تعزز هذه الجهود مكانتها كشريك دولي مؤثر في استكشاف الفضاء. رواد الفضاء السعوديون منذ أكثر من أربعة عقود، سجل الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز التاريخ كأول رائد فضاء سعودي وعربي مسلم، عندما شارك عام 1985م (1405ه) في مهمة مكوك الفضاء ديسكفري مع وكالة "ناسا"، مكلفًا بدور أخصائي حمولة، وممثلاً لمنظمة عرب سات في إطلاق القمر الصناعي العربي الثاني "عرب سات ب1". كانت رحلته بداية عهد جديد للمملكة في مجال الفضاء، ورسالة واضحة بأن طموح السعوديين لا يعرف حدودًا. وتواصلت الريادة مع جيل جديد من الرواد السعوديين الذين حملوا شغف الاستكشاف إلى محطة الفضاء الدولية في عام 2023م. فقد خاض علي القرني، الطيار المتمرس بخبرة تجاوزت 12 عامًا في قيادة الطائرات، تدريبات صارمة ومكثفة مكنته من أداء مهامه بكفاءة عالية، ليصبح أحد أبرز الوجوه السعودية في الفضاء. أما ريانة برناوي، فقد صنعت علامة فارقة كونها أول رائدة فضاء سعودية تصل إلى محطة الفضاء الدولية، مدفوعة بشغف التجربة وحبها لاستكشاف المجهول، لتكون قدوة ملهمة للنساء السعوديات والعربيات في مجالات العلم والفضاء. ويبرز كذلك علي الغامدي، الذي أكمل برنامج التدريب المخصص لرواد الفضاء بنجاح، مؤهلاً للمشاركة في مهام مستقبلية. ومع خبرته التي تمتد لأكثر من 11 عامًا في قيادة الطائرات النفاثة، يحمل الغامدي حلمًا أكبر في إلهام الشباب السعودي لتجاوز حدود كوكب الأرض. وتختتم المسيرة بمريم فردوس، التي تمتاز بشغفها العميق بالعلوم والبحث والاستكشاف، وسعيها إلى فتح آفاق جديدة في الفضاء، بهدف إلهام الأجيال المقبلة لمطاردة أحلامها وتجاوز الممكن خدمةً للبشرية وتعزيزًا لجودة الحياة. بهذه الأسماء والإنجازات، تواصل المملكة ترسيخ مكانتها بين الدول الرائدة في الفضاء، مؤكدة أن الحلم السعودي يسبح اليوم بين النجوم. وكالة الفضاء السعودية مع تسارع التطورات العالمية في قطاع الفضاء، جاءت وكالة الفضاء السعودية لتكون حجر الأساس في مسيرة المملكة نحو تعزيز مكانتها بين الدول الرائدة. تأسست عام 2018م، لتتولى مهمة التخطيط وصياغة السياسات الوطنية، ووضع البرامج المتخصصة، وتنظيم كل ما يتعلق بالفضاء. وفي يونيو 2023، تحولت رسميًا إلى وكالة الفضاء السعودية، في خطوة استراتيجية تهدف إلى توحيد الجهود وتفعيل الحوكمة، بما ينسجم مع مستهدفات رؤية المملكة 2030. تعمل الوكالة على عدة محاور رئيسية، أبرزها توطين التقنيات الفضائية وتطوير الصناعات المرتبطة بها، بما يسهم في بناء اقتصاد معرفي متين قادر على المنافسة عالميًا. كما تركز على تمكين الكوادر الوطنية من خلال برامج تدريبية مكثفة ومنح دراسية داخلية وخارجية، بالتعاون مع جامعات ومراكز بحثية مرموقة، لتأهيل جيل من العلماء والمهندسين القادرين على قيادة المستقبل. وفي جانب الشراكات الدولية، عززت الوكالة حضور المملكة عبر توقيع اتفاقيات تعاون مع وكالات فضاء كبرى مثل ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية، إلى جانب بناء جسور تعاون مع وكالات آسيوية، ما يفتح المجال أمام المشاركة في المهمات العلمية الكبرى، وإطلاق الأقمار الصناعية، والاستفادة من خبرات عالمية متقدمة. كما تضع الوكالة القطاع الخاص في قلب استراتيجياتها، إذ تعمل على تحفيز الاستثمارات في الصناعات الفضائية عبر مبادرات حاضنات أعمال ومسرعات للشركات الناشئة بهدف تنويع الاقتصاد ودعم الابتكار. لايقتصر دورها على التقنية والصناعة فحسب، بل يمتد إلى تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية الفضاء عبر مبادرات تعليمية وثقافية تستهدف الشباب، وتشجعهم على استكشاف هذا المجال الواعد. بهذا الحضور المتكامل، ترسم وكالة الفضاء السعودية ملامح مستقبل تتجاوز فيه المملكة حدود الأرض، لتكون لاعبًا رئيسيًا في استكشاف الفضاء وتطوير تقنياته، مساهمة في خدمة الإنسانية وبناء عالم أكثر ابتكارًا. الذكاء الاصطناعي.. رافعة لتقنيات الفضاء السعودية تسابق السعودية الزمن لتسخير تقنيات الذكاء الاصطناعي في قطاع الفضاء ،في خطوة تعزز مكانتها العلمية والتقنية ضمن مستهدفات رؤية 2030. وتشير وكالة الفضاء السعودية إلى أن الذكاء الاصطناعي بات عنصرًا محوريًا في تحليل بيانات الأقمار الصناعية، وإدارة المشاريع الفضائية، وتطوير تطبيقات تدعم الاستدامة ومراقبة الموارد. وفي هذا السياق، أطلق عام 2024 مشروع "SpaceGuardian" كأول شركة سعودية متخصصة في تحليل صور الأقمار الصناعية بالاعتماد على خوارزميات الذكاء الاصطناعي. وتوفر الشركة حلولاً مبتكرة لمتابعة التغيرات البيئية، ورصد التوسع العمراني، إضافة إلى مراقبة مشاريع البنية التحتية والقطاع الطاقي، ما يجعلها أداة استراتيجية ونموذجية لدعم متخذي القرار في قطاعات حيوية. وفي عام 2025 اختيرت شركة "Orbital Universe " بالشراكة مع أرامكو "وكالكوم "وهيئة البحث والتطوير والابتكار، لتطوير نظام ذكي يعتمد على صور الأقمار الصناعية والحساسات المائية لرصد غابات المانغروف وحساب قدرتها على امتصاص الكربون. ويعد هذا المشروع نموذجًا بارزًا على توظيف الذكاء الاصطناعي والفضاء في خدمة قضايا البيئة والتغير المناخي. إلى جانب ذلك، أطلقت هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية برنامج "مدارك" الهادف لبناء الكفاءات الوطنية في مجالات اقتصاد الفضاء، وتحليل البيانات ،وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في الرصد الفضائي. ويأتي هذا البرنامج لتعزيز القدرات البشرية وتأهيل جيل من العلماء والمهندسين القادرين على قيادة مشاريع فضائية مستقبلية. يؤكد خبراء القطاع أن دمج الذكاء الاصطناعي في الفضاء يمنح المملكة فرصًا واسعة في التنبؤ بالكوارث الطبيعية، ومراقبة التغيرات المناخية، وتطوير تطبيقات دفاعية وتجارية، لكنه في الوقت نفسه يتطلب استثمارات كبيرة في البنية التحتية الرقمية وضمان دقة البيانات. وبذلك يرسخ الذكاء الاصطناعي حضوره كأداة استراتيجية تدعم طموح السعودية نحو ريادة قطاع الفضاء إقليميًا وعالميًا. السعودية والفضاء: تعاون علمي يعانق العالم تخطي المملكة العربية السعودية خطوات متسارعة نحو الطموح العلمي الذي يعكس مستهدفات رؤية السعودية 2030، حيث وقعت مؤخرًا اتفاقية التعاون مع وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا"، تهدف إلى توسيع آفاق الشراكة العلمية والبحثية بين الجانبين. وتعد هذه الاتفاقية تحولا إستراتيجيا في مسيرة المملكة نحو تعزيز حضورها في مجال الفضاء والاستكشاف وعلوم الطيران. وتفتح الاتفاقية آفاقًا جديدة للتعاون في الأبحاث المشتركة، وتطوير الكفاءات البشرية، وإجراء التجارب العلمية المتقدمة في مجالات رحلات الفضاء، استكشاف الكواكب، وتطبيقات الأقمار الصناعية. كما ستسهم في نقل المعرفة والخبرات التقنية، بما يعزز قدرة المملكة على تطويرصناعاتها الفضائية الوطنية ويضعها في مصاف الدول الرائدة في هذا القطاع الحيوي. وتأتي هذه الخطوة في إطار التزام المملكة الراسخ بتطوير قطاع الفضاء بوصفه أحد محركات النمو والابتكار، وداعمًا لتحقيق التنمية المستدامة. فالفضاء بات اليوم موردا إستراتيجيا يعزز الأمن الوطني، ويساند خطط التحول الاقتصادي، ويتيح فرصا واسعة للبحث العلمي والتعليم. كما تعكس الاتفاقية مع ناسا مكانة المملكة المتنامية كشريك دولي مؤثر في استكشاف الفضاء، حيث تسعى المملكة إلى بناء شبكة واسعة من التعاون مع وكالات ومؤسسات بحثية عالمية، بما يدعم مكانتها العلمية والتقنية على الساحة الدولية. بهذه الخطوات الطموحة، تواصل المملكة من مسيرتها نحو المستقبل واضعةً الفضاء ضمن أولوياتها الاستراتيجية، لتكون شريكة فاعلة في الجهود العالمية الرامية إلى استكشاف الفضاء لتسخير معارفه لخدمة الإنسان والبيئة. الفضاء.. محرك استراتيجي في رؤية السعودية 2030 وضعت المملكة العربية السعودية قطاع الفضاء في صميم رؤية 2030 باعتباره مجالاً واعدًا للتنويع الاقتصادي والابتكار العلمي. فالفضاء لم يعد مجرد بُعد علمي، بل تحول إلى رافعة للتنمية المستدامة ، وركيزة أساسية لتحقيق طموح السعودية في بناء اقتصاد معرفي متطور. تحت ركيزة "اقتصاد مزدهر" تسعى المملكة إلى تطوير الصناعات الفضائية والاستثمار في خدمات الأقمار الصناعية والمراقبة الأرضية والملاحة والاتصالات الفضائية .ويأتي إطلاق شركات متخصصة مثل "Neo Space Group " مثالاً على هذا التوجه، حيث تعمل على نقل المعرفة ، تعزيز التصنيع المحلي، واستقطاب الشراكات الدولية لخلق قيمة مضافة جديدة للاقتصاد الوطني. أما في إطار "أمة طموحة"، فقد تم إنشاء وكالة الفضاء السعودية وإطلاق المجلس الأعلى للفضاء لتوحيد الجهود ووضع السياسات، إضافة إلى دور هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية في صياغة الأطر التنظيمية. هذه المؤسسات تعمل معًا لتأهيل كوادر وطنية قادرة على قيادة مشاريع فضائية مستقبلية وتعزيز الحضور السعودي في السباق العالمي. وعلى صعيد "مجتمع نابض بالحياة " ، تنعكس مشاريع الفضاء بشكل مباشر على حياة المواطن ، من خلال تحسين الاتصالات ، ودعم التخطيط العمراني بالبيانات الفضائية ، وتعزيز قدرات الرصد البيئي ومواجهة التغير المناخي . ويؤكد الخبراء أن دمج الفضاء في رؤية 2030 يمثل فرصة استراتيجية لمضاعفة العوائد الاقتصادية ورفع مكانة المملكة على خريطة القوى الفضائية العالمية، رغم التحديات المرتبطة بتمويل المشاريع المتقدمة وبناء الخبرات البشرية المتخصصة. وبذلك يؤكد قطاع الفضاء مكانته كأحد أعمدة المستقبل السعودي، كمجال يفتح آفاقًا جديدة نحو الابتكار والريادة الإقليمية والعالمية. الأقمار الصناعية السعودية بدأت المملكة العربية السعودية منذ مطلع الألفية الجديدة خطواتها العملية في مجال الأقمار الصناعية، عبر إطلاق مجموعة من الأقمار المتنوعة والتعاون مع وكالات الفضاء العالمية، وعلى رأسها وكالة الفضاء الأمريكية" ناسا" . أسهم هذا التعاون في نقل وتوطين التقنيات المتقدمة داخل المملكة، بما عزز من قدراتها في هذا القطاع الحيوي. ويعود الاهتمام السعودي بالفضاء إلى محطة بارزة في التاريخ، حينما صعد الأمير سلطان بن سلمان كاول رائد فضاء عربي مسلم، حاملا معه نسخة من القرآن الكريم، ومسجل مكالمة تاريخية بينه وبين الملك فهد والملك سلمان في اتصال فضائي نادر آنذاك . تلك اللحظة لم تكن مجرد حدث عابر، بل شكلت منعطفا حقيقيا فتح الباب أمام المملكة لدخول عالم الفضاء والطيران. تواصلت الجهود عبر مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية التي أصبحت مركزا رئيسيا لتطوير الأقمار الصناعية، حيث أسهم شباب الوطن المؤهلون في بناء وتطوير عددا من الأقمار، من أبرزها"سعودي سات 5A" و"سعودي سات 5B" . ويعكس هذا الإنجاز دور برنامج الابتعاث الخارجي الذي راهن على تنويع مصادر التعليم في مجالات الهندسة، والتقنية، والرياضيات، فخرج جيل من الكفاءات الوطنية أسهم في صناعة الأقمار السعودية.وفي هذا الإطار، شهادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إطلاق عدد من المشاريع الفضائية، ووقف على نماذج عملية للأقمار، موقعا بكلمة خالدة أصبحت شعارا وطنيًا "فوق هام السحب". وهو ما يعكس الرؤية الطموحة لتوطين صناعة الفضاء وتحويلها إلى رافد استراتيجي يعزز مكانة المملكة عالميًا. استثمار المملكة في عقول المستقبل تواصل المملكة خطواتها الطموحة في بناء قدراتها الوطنية في قطاع الفضاء، عبر إطلاق مجموعة من البرامج التعليمية والتدريبية التي تستهدف تنمية رأس المال البشري، وإعداد كفاءات وطنية قادرة على المنافسة عالميًا في هذا المجال الحيوي.وفي هذا الإطار، دشنت وكالة الفضاء السعودية برنامجًا رائدًا تحت مسمى " أجيال الفضاء" ، يهدف إلى تطوير جيل سعودي مؤهل يمتلك المعارف والمهارات المرتبطة بتقنيات الفضاء. ويركز البرنامج على تنمية القدرات العلمية للشباب وتعزيز مشاركتهم في صناعة المستقبل، مما يتماشى مع مستهدفات رؤية السعودية 2030 . كما أطلقت الوكالة برنامجًا تدريبيًا متخصصًا بعنوان "Space101" بالتعاون مع شركة"إيرباص للدفاع والفضاء" ، وهو برنامج يتيح للمهتمين والراغبين فرصة التعرف على علوم الفضاء وتقنياته بشكل علمي، من خلال تدريبات متقدمة تسهم في رفع مستوى التعليم وإكساب المتدربين خبرات ميدانية تعكس طبيعة هذا القطاع الاستراتيجي. وإلى جانب ذلك، قدمت الوكالة برنامجًا نوعيًا آخر تحت مسمى"مقدمة في تطبيقات الفضاء" ، يستهدف طلاب وطالبات الدراسات العليا والعاملين في قطاعي الطيران والفضاء. ويغطي البرنامج محاور متعددة من أبرزها نظم الفضاء، البعثات الفضائية، التطبيقات العلمية، تنظيم القطاع، أنظمة الأرصاد، الإطلاق والتشغيل، إضافة إلى استعراض دور تقنيات الذكاء الاصطناعي في تطوير التطبيقات الفضائية الحديثة. التنمية المستدامة يشكل قطاع الفضاء في المملكة العربية السعودية ركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة ، عبر توظيف تقنيات متقدمة تسهم في خدمة الإنسان والبيئة وتعزيز الاقتصاد الوطني. فمن أبرز المجالات التي تلعب دورا محوريًا في بناء مستقبل أكثر إستدامة ، رصد ومراقبة الأرض بالأقمار الصناعية ، حيث تجيد هذه التقنيات متابعة التغيرات المناخية ،ورصد الموارد الطبيعية، وإدارة الأزمات البيئية بكفاءة عالية.كما يشمل ذلك خدمات تحديد المواقع والملاحة ، التي تسهم في تطوير البنية التحتية للنقل والخدمات اللوجستية، إضافة إلى الاتصالات عبر الأقمار الصناعية التي تعزز من جودة الاتصال في المناطق النائية وتدعم استمرارية الأعمال. اما الرحلات الفضائية والبحوث المتعلقة بالجاذبية ، فهي تفتح آفاقًا جديدة أمام الباحثين والعلماء السعوديين لإجراء تجارب تسهم في تطوير المعرفة وتطبيقاتها في المجالات الطبية والتقنية. وفي إطار التزامها الإستدامة الفضائية ، استضافة المملكة المؤتمر العالمي للحطام الفضائي ، بهدف رفع مستوى الوعي بمخاطر التلوث المداري والتحديات الناتجة عن تزايد الحطام الفضائي، لما يمثله من تهديد على مستقبل الرحلات الفضائية واستخدامه المدار الأرضي. شهد المؤتمر مشاركة واسعة من خبراء ومؤسسات دولية، ناقشوا خلالها الحلول الممكنة للحد من المخاطر وتعزيز التعاون العالمي لضمان بيئة فضائية آمنة للأجيال القادمة.تعكس هذه الجهود رؤية المملكة الطموحة في أن يكون الفضاء أداء استراتيجية للتنمية المستدامة ، من خلال الاستثمار في البحث العلمي، وتمكين الكفاءات الوطنية، وبناء شراكات دولية فاعلة. وبذلك ، تتحول المملكة إلى لاعب رئيسي في صناعة الفضاء العالمية، مساهمة في تحقيق مستقبل أخضر ومستعدًا ليخدم الإنسان ويصون كوكب الأرض. رحلة الفضاء.. تجسيد للهوية الوطنية كشفت وكالة الفضاء السعودية عن الشعار الرسمي للمهمة العلمية للمملكة إلى محطات الفضاء الدولية، مؤكدة أنه يمثل ترجمة بصرية لاهداف المملكة السامية في تمكين الإنسان، وحماية كوكب الأرض، وفتح آفاق جديدة في البحث العلمي. ويأتي تصميم الشعار ليجسد روح الانتماء والهوية الوطنية، ويعكس المكانة التي تسعى المملكة إلى ترسيخها في مجال الفضاء والعلوم. وجاء الشعار في شكل دائري يحمل دلالات متعددة، أبرزها استحضار علم المملكة باللون الأخضر كرمز للهوية الوطنية، إضافة إلى إبراز موقعها الجغرافي على خريطة العالم، بما يعكس حضورها الدولي المتنامي. كما يتضمن التصميم نجمتين صاعدتين تمثل رائدي الفضاء السعوديين المشاركين في المهمة، في إشارة إلى الطموح الوطني نحو الريادة والمنافسة العالمية. أكدت الوكالة إن اختيار الشعار لم يكن مجرد عنصر بصري، بل رسالة تعكس الإرث التاريخي والثقافي للمملكة ، وتعبر في الوقت ذاته عن التزامها الراسخ بدعم جهود استكشاف الفضاء وتعزيز مساهمة أبناء الوطن في برامجه ومجالاته العلمية والتقنية. وتأتي هذه الخطوة ضمن مساعي المملكة لتحقيق مستهدفات رؤية 2030 ، التي تضع قطاع الفضاء والتقنيات المرتبطة به في صدارة الأولويات الإستراتيجية، إدراك لدوره الحيوي في دعم التنمية المستدامة وتنمية الكوادر الوطنية ورفع مستوى البحث والابتكار. يمثل وجود العلم السعودي داخل الشعار رمزا واضحًا للانتماء الوطني، فيما تجسد تفاصيله إلتزام المملكة بمواصلة مسيرتها العلمية الطموحة، وتأكيد حضورها الفاعل في المجتمع الدولي للفضاء. ومن خلال هذا التصميم، تبعث المملكة برسالة ثقة وفخر، مفادها أن أبنائها قادرون على المشاركة في صناعة مستقبل الفضاء والمساهمة في خدمة البشرية.