يصادف يوم الثالث والعشرين من شهر سبتمبر الحالي الذكرى الخامسة والتسعين لليوم الوطني للمملكة العربية السعودية، وفي هذا اليوم نقف أمام مسيرة وطنٍ هو بلد الكرام، أنعم عليه بقيادة قامت على كلمة التوحيد، وأرست قواعد العدل، ووحّدت الصفوف، وجمعت الكلمة، فأقامت على هذه الأرض المباركة دولة راسخة الدعائم، وكان أبناؤها على الدوام أوفياء بعطائهم، متلاحمين مع قيادتهم، فكان هذا التلاحم سرّ قوتها وركيزة نهضتها منذ الدولة السعودية الأولى، ممتدة عبر العصور حتى يومنا هذا. وجاء عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - أيدّه الله - امتداداً لهذا الإرث العظيم، ليعزز أركان الدولة، ويجدد في النفوس روح العزم والإقدام والحزم، ومعه سمو ولي العهد الأمين الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله - الذي رسم الرؤية المباركة 2030 وجعل منها خارطة طريق لمستقبل الوطن، فارتقى بها من مرحلة الطموح إلى واقع الإنجاز، وأثبت أن العزم إذا اقترن بالعمل تحوّل إلى نتائج تتجاوز التوقعات، فسبقت المملكة مواعيدها في كثير من الأهداف التي وضعتها الرؤية. ففي مجال الطاقة المتجددة، تمضي المملكة بمشروعات الهيدروجين الأخضر لتكون في طليعة المنتجين عالمياً، وقد بلغ مشروع نيوم نسبة إنجاز تقارب 80 ٪ مطلع 2025. أما في الاقتصاد، فقد ارتفعت مساهمة القطاعات غير النفطية إلى نحو 50 ٪ من الناتج المحلي في عام 2023. وجاء التأكيد على ذلك في الخطاب الملكي أمام مجلس الشورى، حيث أعلن سمو ولي العهد أن الأنشطة غير النفطية بلغت للمرة الأولى 56 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي الذي تجاوز 4.5 تريليون ريال، وهو إنجاز غير مسبوق يعكس متانة الاقتصاد السعودي واتساع آفاقه المستقبلية. وفي التحول الرقمي، تصدرت المملكة لتصبح ضمن الدول العشر الأولى عالمياً في سرعة الإنترنت المتنقل منذ عام 2021. كما أكد الخطاب الملكي أن المملكة عقدت اتفاقات نوعية في مجال الذكاء الاصطناعي تسُتكمل بها برامج الرؤية، لتصبح المملكة خلال السنوات المقبلة مركزاً عالمياً لهذا القطاع الحيوي. أما في السياحة، فقد تجاوزت المملكة مستهدف 2030 مبكراً، إذ حققت 100 مليون زائر في 2023 وارتفع العدد إلى أكثر من 116 مليوناً في 2024 . وفي تمكين المرأة، وصلت نسبة مشاركتها في سوق العمل إلى 37 ٪ في عام 2022، متقدمة على المستهدف العالمي، وجاء في الخطاب الملكي أن البطالة انخفضت إلى أدنى مستوياتها مع ارتفاع مشاركة المرأة إلى أعلى درجاتها، بما يعزز جودة الحياة للمواطن والمقيم والزائر على حد سواء. وهذه الإنجازات، على سبيل المثال لا الحصر، تعكس تسارع وتيرة الرؤية وامتداد أثرها في مختلف القطاعات، ومنها القطاع العسكري حيث أكد الخطاب الملكي أن برامج التوطين تسارعت لتصل إلى أكثر من 19 ٪ بعد أن كانت لا تتجاوز 2 ٪ قبل انطلاق الرؤية، في دلالة على حجم النقلة الاستراتيجية التي حققتها المملكة. كما أن المشاريع العملاقة للرؤية بدأت تتحول إلى واقع. فمشروع القدية يشهد تطوراً ملموساً مع قرب افتتاح أولى مراحله - مثل متنزه Six Flags ومدينة الألعاب المائية أكوارابيا - قبل نهاية العام الحالي 2025 . وفي المقابل، يجري العمل في مشروع حديقة الملك سلمان بالرياض بوتيرة متسارعة، حيث ينُتظر افتتاح مرحلته الأولى بشكل جزئي بين نهاية 2026 ومطلع 2027، ليصبح أكبر مشروع من نوعه في العالم داخل المدن. وفي جانب آخر، افتتحت المرحلة الأولى من مشروع البحر الأحمر، ويمضي نيوم بمكونه الصناعي «أكساچون» نحو التشغيل، وتتقدم الدرعية بخطى ثابتة لتكون وجهة عالمية، ويستعد وسط جدة للافتتاح، فيما انطلق مترو الرياض كأضخم شبكة نقل حضري في المنطقة. ولم يقتصر التفوق على الداخل، بل انعكس على الحضور الدولي؛ إذ استضافت المملكة قمة العشرين عام 2020 في ظل جائحة كورونا بكفاءة واقتدار، ثم نالت شرف تنظيم إكسبو 2030، وتتهيأ لاستضافة كأس آسيا 2027، وتمضي بخطى واثقة نحو استضافة كأس العالم لكرة القدم 2034، ولأجل ذلك تستثمر المملكة أكثر من 20 مليار دولار في إنشاء 15 ملعباً حديثاً في مدن عدة، لتغدو أرضها ملتقى الشعوب ومنصة العالم. وكما جاء في كلمة خادم الحرمين الشريفين أمام مجلس الشورى، فإن المصلحة العامة تبقى الهدف الأسمى الذي تتوخاه الدولة في برامجها ومشروعاتها، مع الاستعداد لإجراء أي تعديل جذري إذا اقتضت المصلحة ذلك، وهو ما يعكس مرونة الرؤية وصلابتها في آنٍ واحد. وهكذا يتأكد أن ما تحقق في عهد الملك سلمان وولي عهده الأمين - أيدّهما الله - إنما خو فصل استثنائي من فصول النهضة السعودية، عنوانه العزم والإنجاز. فعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم وها نحن في اليوم الوطني الخامس والتسعين نحتفي بمسيرة وطنية شامخة، ونعيش ثمار رؤية 2030 التي جعلت من الحلم واقعاً ومن المستقبل حاضراً، لنمضي معاً نحو غدٍ أرحب وأوسع أفقاً وأعظم إنجازاً. معالي ا/ حمد بن عبدالعزيز السويلم