تحولت القرى التراثية في المملكة منصات نابضة بالحياة، تستعيد من خلالها الحرف اليدوية السعودية ألقها من جديد، لتصبح مدارس مفتوحة للأجيال ومشاريع حية تكشف عن أصالة الهوية الوطنية، لم تعد هذه القرى مجرد مواقع تاريخية، بل نبضًا ثقافيًا يربط الماضي بالحاضر ويعيد صياغة التراث بوصفه مصدر إبداع وإلهام. وفي أروقة هذه القرى، تتجدد الحرف عبر ورش عمل ودورات تدريبية تشمل الفخار، النسيج، الحياكة، وصناعة الأدوات اليدوية التقليدية، لتنتقل المهارة من الحرفي إلى المتدرب بروح الإبداع المتجذر. ووفقًا لتقرير هيئة التراث، يزاول أكثر من 4900 حرفي مسجلين في قاعدة البيانات الوطنية أكثر من 50 حرفة يدوية، في مشهد يعكس حجم الجهد المبذول لحماية هذا الإرث وتحويله إلى رافد اقتصادي حقيقي. ولم يعد إحياء الحرف اليدوية فعلًا ثقافيًا فقط، بل أصبح ركيزة من ركائز رؤية 2030، حيث تسعى المبادرات الوطنية إلى تحويل التراث إلى قطاع إنتاجي وثقافي يرفد الاقتصاد الوطني، ويصنع فرص عمل جديدة للشباب، ويعيد الاعتبار للحرف التقليدية بوصفها ثروة حية. ومع ذلك، تبقى التحديات قائمة، من أبرزها منافسة المنتجات الحديثة وتراجع اهتمام بعض الأجيال بالحرف اليدوية، وهو ما يتطلب مضاعفة الجهود لتسويق هذه الصناعات وربطها بمتطلبات الحياة المعاصرة. والقرى التراثية اليوم ليست مجرد شواهد من حجارة وطين، بل محاور اقتصادية وثقافية تنبض بالحياة، تجذب الزوار وتفتح آفاقًا للتبادل المعرفي، وتمنح الصناعات المحلية مساحة للنمو، فقد أصبحت جسوراً تمتد من التاريخ نحو المستقبل، وتؤكد أن التراث السعودي ليس حكاية من الماضي، بل حياة متجددة تُصاغ بأنامل كل حرفي مبدع، ويظل نجاحها مرهونًا بقدرة المجتمع على الموازنة بين الحفاظ على الأصالة والاستجابة لمتغيرات العصر.