ربما اليوم الحديث عن الاستثمار الزراعي وأهميته من الأمور التي ترتبط مباشرة بتوجهات الأمن الغذائي، ومع التحديات المرتبطة بالمياه والأراضي الزراعية وارتفاع الطلب على الغذاء، أصبحت هناك حاجة كبيرة إلى مفاهيم زراعية وابتكارات تقوم على توظيف التقنيات الحديثة مثل ما يعرف اليوم ب "الزراعة النسيجية"، التي توفر حلولاً عملية لإنتاج محاصيل ذات جودة عالية وبكميات أكبر، مع كفاءة في استهلاك الموارد وتوافق مع متطلبات التنمية المستدامة. الأسبوع الماضي اجتمع خبراء ومتخصصون في الرياض لمناقشة الفرص الاستثمارية في الزراعة النسيجية، وباعتقادي أن طرح مثل هذه المناقشات واستشراف المستقبل يعكس وعياً متقدماً بأهمية هذا المجال في دعم منظومة الأمن الغذائي وتنويع مصادر الاستثمار الزراعي.. فهذا النوع من الزراعة مسار واعد لتطوير قطاع زراعي قادر على مواجهة التحديات، وهذه الحوارات تفتح الأبواب أمام المستثمرين والمهتمين لفهم هذه التقنية التي تجمع بين الكفاءة العالية في الإنتاج والاستدامة البيئية، وهو ما يجعلها قادرة على خلق قيمة مضافة للاقتصاد.. لأن أبعادها تتسع لتشمل بناء صناعات متقدمة في مجالات التقنية الحيوية، وتصنيع المحاصيل الموجهة للصناعات الدوائية والغذائية، بما يعزز من القيمة السوقية للمنتجات الزراعية ويفتح قنوات تصديرية جديدة.. وهذا يضع أمام المستثمرين فرصاً واسعة للتوسع إقليمياً وعالمياً، ويمنح القطاع الزراعي قدرة على المنافسة الدولية من خلال منتجات ذات جودة عالية ومعايير دقيقة.. كما أن التطور في هذا المجال يسهم في جذب الكفاءات البحثية والعلمية، ويدعم قطاع التعليم العالي من خلال فتح مجالات للتجارب والتطبيقات العملية، ما يخلق تداخلاً مثمراً بين البحث العلمي والاقتصاد. كل ذلك أيضاً يقودنا إلى أهمية وجود حراك وتحفيز للاهتمامات المجتمعية بأمور الزراعة.. لأنها تتقاطع بشكل كبير مع حياتنا وغذائنا وبيئتنا، فضلاً عن أنها منظومة متكاملة توفر فرص عمل، وتدعم الصناعات التحويلية، وتسهم في تنويع مصادر الدخل.. لذلك حاجتنا هي زيادة المبادرات التي تحفز الاهتمامات لتصل إلى الأفراد من خلال إيصال الأفكار والمعلومات المتعلقة بالممارسات الزراعية المبتكرة، والاستثمار في التقنيات الحديثة مثل الزراعة النسيجية والزراعة العمودية والزراعة المائية، وهي جميعها حلول ترفع من كفاءة الإنتاج وتقلل من استهلاك الموارد.. وبناء وعي مجتمعي حول أهمية الزراعة يخلق بيئة داعمة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، ويفتح المجال أمام الشباب للدخول في هذا القطاع بروح ريادية، ويحوله إلى قطاع ديناميكي قادر على قيادة جزء مهم من التحول الاقتصادي.