في كل دقيقة، تُجمع 225 وحدة دم حول العالم، ليصل العدد الإجمالي إلى 117 مليون وحدة سنويًا، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية. هذه الوحدات تُستخدم في إنقاذ حياة أكثر من 50 مليون مريض سنويًا، من خلال عمليات زراعة الأعضاء، وعلاج السرطان، وحوادث المرور، وحالات الولادة المعقدة. ومع ذلك، لا يزال 90 % من السكان حول العالم غير متبرعين، ما يخلق فجوة كبيرة بين الطلب والعرض، ورد ذلك في تقرير "شريان الأمل" الصادر عن شركة (Trendx). الدماء ليست متساوية في توزيعها العالمي، خارطة الدم العالمية تُظهر أن فصيلة "O+" تنتشر بكثافة في أمريكا اللاتينية وأفريقيا، بينما تزداد فصيلة "A+" في أوروبا، و"AB-" نادرة جدًا في معظم أنحاء العالم، حيث تمثل أقل من 1 % من السكان. هذه الخريطة ليست مجرد إحصائيات، بل شبكة أمان إنسانية تربط بين قارات، حيث يمكن لدم من شرق آسيا أن ينقذ طفلًا في السعودية، أو دم من شمال أفريقيا أن يُعيد الحياة لطفل في كندا. تُظهر الإحصائيات أن معدل التبرع بالدم في المملكة يبلغ 5.7 وحدة لكل ألف نسمة، مقارنة بمعدل عالمي يبلغ 10 وحدات لكل ألف نسمة، هذا الفرق يؤكد الحاجة إلى زيادة الوعي وتشجيع المزيد من المواطنين على التبرع بشكل منتظم. كما تُظهر البيانات أن زيادة نسبة المتبرعين المنتظمين بنسبة 5 % فقط ستسهم في تغطية 95 % من احتياجات المستشفيات، ما يُقلل الاعتماد على الموردين الخارجيين. يضم النظام 50 مركز تبرع منتشرًا في جميع مناطق المملكة، مع خطط لزيادة العدد إلى 70 مركزًا بحلول عام 2025، بالإضافة إلى تنظيم أكثر من 200 حملة تبرع سنويًا تستهدف المدارس والجامعات والشركات. يُدير نظام "وتين" الوطني للتبرع بالدم هذا الاحتياج الحاسم، حيث يتم تجميع أكثر من 200 ألف وحدة دم سنويًا لمعالجة أكثر من 50 ألف مريض. يضم النظام 150 ألف متبرع مسجل، منهم 15 ألف متبرع منتظم يسهمون في تغطية 70 % من احتياجات المستشفيات. كما يُسجل النظام سنويًا أكثر من 500 متبرع يقدمون أكثر من 50 وحدة دم، ما يُسهم في إنقاذ حياة المئات من المرضى. تُظهر البيانات أن عمليات زراعة الكبد تتطلب ما بين 20 إلى 30 وحدة دم لكل حالة، بينما يحتاج مرضى سرطان الدم إلى 10 إلى 15 وحدة شهريًا، كما تُستخدم 5 إلى 10 وحدات دم في كل حادث مروري خطير. تسعى المملكة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الدم المتبرع به طوعياً، وبحسب المعايير الدولية لمنظمة الصحة العالمية، تحتاج كل دولة إلى 3 - 5 % من سكانها كمتبرعين منتظمين بالدم، وهذا يعني أن المملكة تحتاج إلى نحو 1.2 - 2 مليون متبرع منتظم لتحقيق هذا الهدف. التحدي الأكبر اليوم ليس نقص الدم، بل نقص الوعي. كثير من الناس يعتقدون أن التبرع يُضعف الجسم، بينما الحقيقة أن الجسم يُجدد خلاياه في غضون أيام، وأن العملية آمنة تمامًا. وفقًا للأبحاث العلمية، يتطلب الجسم 24 - 48 ساعة لتعويض السوائل المفقودة، و120 يومًا لتجديد خلايا الدم الحمراء بالكامل، في كل دقيقة، تُستهلك 250 وحدة دم حول العالم، مما يجعل التبرع المستمر ضرورة ملحة. "شريان الأمل" ليس مجرد تقرير، بل نداء إنساني مكتوب بدماء متطوعين، إنه يذكرنا بأن الحياة لا تُبنى بالحجر والخرسانة، بل بدماء تتدفق بحرية، بلا مقابل، بلا شروط. فكل قطرة دم هي رسالة أمل، وكل متبرع هو شريان حياة. يقول د. خالد المطيري، أستاذ علم الدم، جامعة الملك سعود: "الدماء التي تتدفق من المتبرعين ليست مجرد سائل حيوي، بل هي رسالة علمية وإنسانية تُثبت أن الحياة تُبنى بالعطاء، وأن العلم يُثبت أن التبرع آمن وصحي للمتبرع وينقذ حياة الآخرين".